التورط القطري في الصومال

نرمين توفيق

شبكة رؤية الإخبارية
د.نرمين توفيق

تعتبر الصومال من الدول الهامة في منطقة القرن الأفريقي، وتتميز بموقعها الاستراتيجي في هذه المنطقة التي تملك تأثيرًا مباشرًا على حركة التجارة العالمية بسبب إطلالها على عدد من المعابر المائية العالمية، كالمحيط الهندي ومضيق باب المندب والبحر والأحمر وخليج عدن، كما أنها تعد امتدادًا لأمن منطقة الخليج العربي بسبب قربها الجغرافي من دول الخليج العربي، وهي أيضا عضو في الجامعة العربية وذات أغلبية إسلامية.

وقد تكالبت القوى الدولية والإقليمية على هذه الدولة مستغلين حالة الفوضى التي تلت سقوط نظام الرئيس الصومالي سياد بري عام 1991 وما أعقبه من سقوط لمؤسسات الدولة، حيث باتت الصومال مثالًا للدولة الفاشلة، ودخلت في حرب أهلية من وقتها.

هذه الأجواء مهدت الطريق لظهور الحركات المتطرفة وعلى رأسها حركة الشباب المجاهدين التابعة لتنظيم القاعدة أشد الحركات الإرهابية خطرًا وتهديدًا للأمن في الصومال وفي دول جوارها، واستطاعت الحركة منذ الإعلان عن نشأتها في 2007 السيطرة على أكثر من 85% من الصومال، وشنت هجمات مدمرة أسقطت مئات القتلى والجرحى داخل الصومال وخارجها، وقد أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية الحركة في فبراير 2008 ضمن منظمات الإرهاب الدولي، ووصفتها بأنها مجموعة متطرفة عنيفة ووحشية وعلى ارتباطٍ بتنظيم القاعدة.

التدخلات الخارجية في الصومال بدأت بعد فترة وجيزة من سقوط نظام سياد بري، من خلال العملية البرية التي قادتها أمريكا في الصومال في محاولة للسيطرة على هذه الدولة بموقعها الاستراتيجي عن طريق عملية “إعادة الأمل” عام 1992 غير أنها فشلت فشلا ذريعًا وخرج جنودها مهزومين من الصومال سريعا، غير أن محاولات أمريكا لم تتوقف في الإبقاء على حالة عدم الاستمرار في الصومال ووظفت إثيوبيا في تحقيق هذا الهدف.

الأمر لم يتوقف على أمريكا وإثيوبيا فقط وإنما ظهر مؤخرا أدوار مربية لكل من قطر وتركيا في تلك الدولة المنهارة، يثبت ذلك ما تم تداوله بخصوص الاتهامات التي وجهت لقطر بتمويل حركة الشباب الصومالية، عن طريق ممول الإرهاب الأول القطري عبد الرحمن النعيمي، المتهم بإرسال مبلغ 250 ألف دولار لحركة الشباب عام 2012 وفق تقرير لوزارة الخزانة الأمريكية.[i]

من جهة أخرى أشارت وثائق مسربة نُشرت على موقع ويكيليكس إن السفيرة الأمريكية السابقة في الأمم المتحدة سوزان رايس كانت قد طلبت في 2009 من تركيا الضغط على قطر لوقف تمويل حركة الشباب، وقالت رايس حسب الوثيقة إن التمويل كان يتم عبر تحويل الأموال إلى الصومال عن طريق إريتريا، ونفس الاتهام كرره رئيس الحكومة الانتقالية آنذاك شريف شيخ أحمد، الذي قال خلال اجتماع مع دبلوماسيين أمريكيين في ليبيا إن حكومة قطر تقدم الدعم المالي إلى حركة الشباب.[ii]

أدوار قطر التخريبية لم تتوقف على دعم وتمويل حركة الشباب وإنما تعداه لمحاولة خلق مزيد من الحركات الإرهابية في الصومال، فقد كشفت صحيفة سونا الصومالية شهر يناير الماضي، أن اجتماعًا سريًّا عقد في تركيا شارك فيها ضباط استخبارات قطريون وإيرانيون وممثلون لجماعة حزب الله اللبنانية بحضور مسؤول رفيع في القصر الرئاسي الصومالي، هو فهد ياسين الذي يشغل منصب المدير العام للقصر الرئاسي في الصومال ومعروف أنه من المقربين من النظام القطري، ومقرب من الزعيم الروحي للإخوان يوسف القرضاوي، بهدف تشكيل جماعة إرهابية في الصومال.[iii]

وأوضحت الصحيفة الصومالية، أن أجهزة استخبارات غربية كشفت هذا الاجتماع وأبلغت دبلوماسيين غربيين بتفاصيل الاجتماع الذي جرى خلاله أيضًا تكليف فهد ياسين، بالعمل على زعزعة “الاستقرار السياسي” للحكومات المحلية في بعض أقاليم الصومال، التي تتخذ موقفًا مناوئًا للنظام القطري.

وذكرت الصحيفة أن النظام القطري أنشأ “غرفة حرب” في سفارته في العاصمة الصومالية مقديشو، بهدف “تنسيق عمليات” القوة الإرهابية الجديدة. وأن ضباط استخبارات قطريين وإيرانيين يقودون فريقًا متخصصًا لدعم تلك القوة المسلحة، يضم القيادي البارز في حركة “شباب المجاهدين” الإرهابية زكريا إسماعيل، المعروف أنه كان يشغل منصب مسئول الاستخبارات في الحركة.

وشملت التكليفات السعي إلى دق سبل الوقيعة بين الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو من جهة ودول تناوئ السياسات القطرية التخريبية مثل السعودية والإمارات ومصر من جهة أخرى.

وأكدت أن النظام القطري يشن جنبًا إلى جنب مع إيران وجماعة الإخوان الإرهابية الصومالية التي تطلق على نفسها حركة “الإصلاح” حربًا بالوكالة في الصومال، وهذه الأطراف تسعى إلى “تأسيس جماعات سلفية إسلامية مسلحة، قوية بما يكفي لبسط سيطرتها على البلاد بأسرها، سواء بالتعاون مع الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية” هناك أو دون التعاون معها، وذكرت صحيفة “سونا تايمز” الصومالية الدور التخريبي الذي يلعبه النظام القطري في الصومال، موضحة أن قطر وإيران والإخوان يفضلون إضعاف الدولة الصومالية.

وكشفت أن النظام الحاكم في قطر يقدم رعايته لـ”حركة الإصلاح” الصومالية، لاستغلال هذه الحركة الإخوانية في العمل على نشر نفوذ الدوحة، وتعزيز حضورها الجيوسياسي في الصومال، وتطرقت الصحيفة لإبراز النشاط المريب الذي يضطلع به المسؤول الرئاسي الصومالي فهد ياسين، الذي يُعرف كذلك بعلاقاته الوثيقة مع قادة الإخوان الصومالية المتشددة، مؤكدة أن التقارير تفيد أن المسؤولين القطريين يعملون مع قادة حركة “الإصلاح” الصومالية، على تشكيل جناحٍ مسلحٍ جديد يُجنَد (من بين صفوف) حركة الشباب (الإرهابية) ويُموّل من جانب قطر[iv].

جدير بالذكر أن حركة الإصلاح هي فرع جماعة الإخوان المسلمين في الصومال وقد  تأسست عام 1978، وتستمد أفكارها من جماعة الإخوان المسلمين في مصر[v]، وهذا يؤكد تورط كل من قطر والإخوان فيما يحدث في الصومال واستغلال علاقاتهم بتلك الجماعات لتفجير الوضع في الصومال، ولاجتذاب الصومال وحكومتها الحالية والرئيس عبدالله فرماجو إلى جانبهم.

كذلك سعت تركيا منذ أكثر من عشر سنوات وبالتحديد منذ عام 2005 أن يكون لها موطئ قدم بالصومال، وبالفعل تكللت مساعيها بالنجاح عن طريق القاعدة العسكرية التي افتتحها في أواخر 2017 على خليج عدن بذريعة مكافحة الإرهاب.

وقد شهدت العلاقات الصومالية التركية تطور جديد بقيام الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو بزيارة رسمية إلى تركيا في إبريل 2017، وتم استقباله بحفاوة كبيرة، وكان في مقدمة مستقبليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وجاءت هذه الزيارة أثناء استعداد تركيا لافتتاح ثاني قواعدها العسكرية في الخارج والأكبر في أفريقيا وذلك بالعاصمة مقديشو، وكان فرماجو قد أعلن عبر حسابه على تويتر أن القاعدة العسكرية ستفتتح في وقت قريب، قائلا: أكبر قاعدة عسكرية تركية في العالم شبه جاهزة، وقريباً سيعود الجيش الصومالي قوياً من جديد.[vi]

وتم الاتفاق على تأسيس هذه القاعدة العسكرية في خليج عدن قبالة السواحل الصومالية في مارس 2015 خلال زيارة قام بها أردوغان إلى الصومال، بهدف تدريب عناصر من الجيش الصومالي للمساهمة في مكافحة الإرهاب، وتشتمل القاعدة على ثلاث مدارس عسكرية، ومخازن للأسلحة والذخيرة، وذلك على مساحة تبلغ 400 دونم بتكلفة 50 مليون دولار، وأكدت القوات المسلحة التركية، أن هذه القاعدة هي أكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها.

وقد حذر عدد من السفراء والدبلوماسيين من خطورة مخططات تركيا لإقامة قاعدة عسكرية في الصومال، مؤكدين أنها تمثل تهديدا للأمن القومي المصري والعربي، فهي تساعد تركيا على التواجد في هذه المنطقة الاستراتيجية عسكريا، حيث قالت السفيرة منى عمر مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية سابقا إن الوجود التركي في مثل هذا الموقع يمثل خطرا وتهديدا كبيرا للأمن القومي المصري والعربي خاصة أن تركيا ليست دولة صديقة وتساند المنظمات الإرهابية، وبالتالي فإن تواجدها على سواحل البحر الأحمر يمثل خطا أحمر بالنسبة لمصر.[vii]

كل هذه المؤشرات تعكس الدور القطري التركي في السياسات التحريضية الأخيرة التي اتخذتها الصومال تجاه بعض الدول العربية المعادية لقطر، بالإضافة إلى خطورة تواصل الحركات الإرهابية الموجودة في الصومال مع الحركات الإرهابية الموجودة في اليمن التي تقع في الجهة المقابلة للصومال على مضيق باب المندب، وهذا قد تستغله قطر في دعم وتمويل الحركات المرتبطة بالقاعدة وداعش والمتواجدة في اليمن والصومال، وهذا يحتم على الدول العربية عدم ترك الصومال لمثل هذه التدخلات، لأن القوى التي تتواجد هناك تستطيع أن تؤثر بشكل مباشر في أمن مضيق باب المندب، وأمن منطقة حوض نهر النيل، وأمن منطقة الخليج العربي.

للاطلاع على التقرير باللغة الإنجليزية في موقع المرجع اضغط هنا

المصادر

[i] The Telegraph Newspaper , How Qatar is funding the rise of Islamist extremists, Published on 20 Sep 2014
https://www.telegraph.co.uk/news/worldnews/middleeast/qatar/11110931/How-Qatar-is-funding-the-rise-of-Islamist-extremists.html

[ii] Ali Abunimah, US accused Qatar of funding Somalia’s Al Shabab militia, Wikileaks reveals, Published on 27 August 2011
 https://electronicintifada.net/blogs/ali-abunimah/us-accused-qatar-funding-somalias-al-shabab-militia-wikileaks-reveals

[iii] للاطلاع على نص المقال في الصحيفة الصومالية
Villa Somalia secretly met with Qatari -Iranian and Hezbollah intelligence officers in Turkey, Published on 8 January 2018.
http://sunatimes.com/articles/4832/Villa-Somalia-secretly-met-with-Qatari-Iranian-and-Hezbollah-intelligence-officers-in-Turkey

[iv] المرجع السابق.

[v] د. نرمين محمد توفيق، كتاب حركة الشباب المجاهدين والعلاقة بالقاعدة .. النشأة والأفكار وسيناريوهات المستقبل (القاهرة: المكتب العربي للمعارف، 2015) ص 28.

[vi] الصومال .. بوابة تركيا الاستراتيجية في أفريقيا، تاريخ النشر 27 إبريل 2017
http://www.thenewkhalij.org/node/66202.

[vii] دبلوماسيون يحذرون من خطورة إقامة قاعدة عسكرية تركية في الصومال، البوابة نيوز، تاريخ النشر 30 مايو 2015.
http://www.albawabhnews.com/2549713

 

ربما يعجبك أيضا