رمضان حول العالم.. عبادات وعادات شهر الصيام في باكستان

أشرف شعبان

رؤية – أشرف شعبان

يطل شهر رمضان المبارك بأجوائه الخاصة على البلدان الإسلامية لينثر على ربوعها المحبة والوئام وليزرع القيم والمبادئ في نفوس المسلمين.

لكن رمضان في باكستان شيء مختلف، فبالإضافة إلى العادات والطقوس الكثيرة التي تشبه معظم الدول الإسلامية، مثل الإقبال على الصلاة في المساجد، وحضور حلقات الذكر ودروس التفسير وموائد الرحمن وتلك الأجواء الحميمية التي تجمع الناس وتؤلف بين قلوبهم.. لكن تبقى للشهر الفضيل في باكستان خصوصية تميزه، فما أن يثبت ولادة هلال رمضان حتى تبدأ الاحتفالات بتزيين الشوارع والساحات والشوارع وشرفات البيوت بالمصابيح الخاصة برمضان.

ويشكل رمضان فرصة للباكستانيين للتقرب إلى الله تعالى، بكل العبادات وأعمال الخير، بل والتقرب من بعضهم البعض، حيث تزيد المحبة والتواد بين الناس، فيتبادلون الأطباق والزيارات وتقام موائد الإفطار الجماعي.

ويُعلن اليوم الأول من رمضان عطلة رسمية، وتغلق المطاعم وأماكن الترفيه، أبوابها خلال شهر رمضان، أو تقلل من ساعات عملها.

أول ما يهتم به المسلمون في هذا البلد هو المساجد، حيث يقومون بتنظيفها وتجهيزها بأجهزة التبريد لسابق علمهم بالأعداد الكبيرة التي ستفد عليها. وأهمية المساجد لا تقتصر على أداء فريضة الصلاة الواجبة فحسب، بل مع قدوم شهر رمضان تختلف المعايير والمقاييس حيث يغدو المسجد المكان الأكثر استقبالا للصائمين وفي مختلف الاوقات، بالاضافة إلى ما يعمل عليه العلماء للاستفادة من الروحية العالية لدى الصائم من خلال تنظيم حلقات التدريس للمعارف القرآنية والإسلامية، إضافة إلى القراءة الجماعية للقرآن الكريم التي تنظمها جمعيات القرآن الكريم لمساعدة الأميين على القراءة ولكي لا يحرموا من بركة  قراءة القرآن في شهر القرآن.

وجبة “الإفطار”

وقبل أذان المغرب تزدحم محلات الحلويات الباكستانية لتقديم وجبة “الإفطار” ساخنة والتي عادة لا تصنع في المنزل وإنما تشترى جاهزة، وتتكون من السمبوسة و”الباكورة” وهي عبارة عن خليط من البطاطا وطحين الحمص مع التوابل المقلية، فيما تصنع سلطة الفواكه في المنزل.

في باكستان لا يتجاوز وقت تناول الإفطار أكثر من خمس دقائق لينطلق الرجال لأداء صلاة المغرب جماعة في المسجد، ويحرص الباكستانيون على تناول وجبة العشاء بعد صلاة التراويح عوضًا عن اللقيمات القليلة التي يتناولونها في الإفطار، ويعتبر الباكستانيون السحور وجبة طعامهم الرئيسية.

وعندما يقترب أذان المغرب يتبادل الجيران أطباق الطعام التي تحوي جزءًا من طعام إفطار الأسرة وبضع حبات من التمر يحملها الأطفال، وفي اليوم التالي يعاد الصحن إلى صاحبه يحوي طعامًا آخر. وتحرص كل أسرة على إرسال شيء من طعامها إلى المسجد القريب، للحصول على ثواب تقديم الطعام للصائمين، وتحرص كل أسرة أيضًا على ضيافة الأهل والأقارب والأصدقاء، لتوثيق أواصر المحبة والألفة.

ومن أبرز الطقوس الرمضانية في باكستان أيضا تحضير شراب “شاتوو” قبل قدوم الشهر الفضيل بفترة من الوقت، ويتكون هذا الشراب المحلي من خليط من الفواكه المجففة والسكر وعصير الليمون، ويحرص عليه الباكستانيون لأنه منعش للغاية ويعوضهم عن فقد أجسامهم للسوائل طوال ساعات الصيام الحارة.

ويمكن خلط الشراب الباكستاني المنعش مع أي نوع من السوائل الأخرى مثل الماء أو الحليب، ويضيف إليه معظم الناس لوزًا مبشورًا.

الاحتفال بالصغار

يشجع الباكستانيون أطفالهم على الصيام في سن مبكرة، فالأطفال يتم تشجيعهم على الصيام من خلال ذكر الأجر والثواب والبركة لصيام شهر رمضان المبارك.

كما تحتفل الأسرة بالطفل الذي يصوم أول مرة، وذلك بإلباسه ملابس خاصة كالتي يرتديها العروس في يوم عرسه، ويوضع على رأسه غطاء رأس ذهبي اللون، وتُحضر الأسرة مائدة طعام من الأكلات التي يفضلها الطفل وتدعو الأحباب إليها، تكريمًا له على ما بذله من جهد، وغرسًا لحب الصيام والعبادات في نفسه حتى يشب متمسكًا بدينه، ويُمنع منعًا باتًّا المجاهرة بالإفطار في شهر رمضان، ومن يفعل ذلك توقع به عقوبة تصل إلى السجن، والجلد على مرأى من الناس.

ومن أهم الوجبات الخفيفة التي يفطر عليها الباكستانيون هي: البكاورا والتي تصنع من قطع صغيرة من البطاطس والبصل وتعجن في عجين الحمص، ثم يضاف إليها الفلفل الأحمر والملح وبذور الكزبرة المطحونة، ويتم قليها في الزيت لتصبح جاهزة للأكل.

 وكذلك حلوى الجليبي التي تصنع على شكل الأفعى المستديرة، وهي عبارة عن خليط لعجين القمح الأبيض يضاف إليه البيض والزيت ولون برتقالي لتصبح جاهزة للتناول ما بعد قليها في الزيت، ومن ثم إنزالها في محلول بارد معد من الماء والسكر لتأخذ شكلاً جامداً.

وأيضا السمبوسة التي تُعد السمبوسة الباكستانية على شكلها المثلث المعروف، ويصنع غطاؤها الخارجي من عجين القمح مع إضافة بعض البهارات، وتوضع بداخلها أنواع متعددة من المحتويات، مثل السمبوسة بمفروم اللحم، أو بلحم الدجاج أو البطاطس، وما يميز السمبوسة الباكستانية عن نظيرتها في العالم العربي هي البهارات الباكستانية والفلفل الحار الذي يعطيها طعماً مختلفاً، ويجعلها قابلة للهضم بسرعة.

صلاة التراويح

وتختم أغلب مساجد باكستان، القرآن الكريم أكثر من مرة خلال صلاة التراويح؛ حيث يختم لمرة أولى في الـ 15 من الشهر، وتستكمل الختمة الثانية ليلة 27 رمضان، ثم يختم القرآن للمرة الثالثة في الليالي المتبقية.

ويؤدي تعدد الختمات إلى امتداد صلاة التراويح حتى السحور في كثير من الأحيان.

ويتم اختيار أئمة صلاة التراويح من بين الحافظين، القادرين على قراءة القرآن عن ظهر قلب، كما تعد صلاة التراويح فرصة لإعداد أئمة جدد؛ حيث عادة ما يترك إمام المسجد موقعه للأئمة الشباب خلال جزء من صلاة التراويح.

وخلال شهر رمضان، تُعرض في مسجد بادشاه في لاهور، الذي بُني خلال عهد سلطنة المغول في الهند، أغراض يُعتقد أنها تعود للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وعائلته، ويزورها عدد كبير من الزوار المحليين والأجانب.

المسحراتي

وما زال المسحراتي يقوم بدوره التاريخي في باكستان، إذ يطوف الشوارع والميادين بطبلته التقليدية التي يعلن بالدق عليها عن قرب وقت السحور،  وتعتبر الطبلة والعصا شيء أساسي لا يتخلى عنه طوال الشهر، ومهمته هذه ليست تطوعية ويتقاضى أجرته من زكاة الفطر في آخر الشهر.

ويكاد يكون لكل حي في الباكستان مسحراتي خاص به، يوقظ الناس للسحور والصلاة، ويقدم الناس عادة طعام السحور للمسحراتي، ويحترمونه ويعترفون بفضله ويكرمونه بما يستطيعون من ملابس و”عيدية”.

السحور

ما أن يستيقظ الباكستانيون حتى يعمدوا إلى تناول سحورهم الذي يختلف من منطقة إلى أخرى، حسب الوضع الاقتصادي لأهل المنطقة، ويكون في بعض المناطق الفقيرة مجرد قطعة خبز مع كوب من الشاي، وكلما ارتفع المستوى الاقتصادي تحسنت نوعية وعدد أصناف الطعام المقدمة، ثم ينطلقون إلى صلاة الفجر في المساجد، ووجبة السحور في الباكستان هي الوجبة الرئيسة.

العشر الأواخر

تُعلن العشر الأواخر من رمضان عطلة رسمية، تزدان خلالها المساجد والمباني العامة، بالزينات والأنوار، وليلة القدر تحظى بأهمية بالغة عند الباكستانيين، ويعكف الباكستانيون فيها على الصلاة في البيوت أو المساجد تقرباً لله تعالى طوال الليل.

حرب البيض

في رمضان يتزايد إقبال الباكستانيين، على لعبة حرب البيض المسلوق، منذ أول المساء، لحين موعد السحور. حرب لا ينقصها المرح، ويقبل عليها شباب المدينة الذين ضاقت عليهم الملاعب الأخرى.

تدور حرب مرحة، جنودها شبان، وأسلحتها البيض المسلوق. وتعد مباراة الرمي بالبيض، أو حرب البيض المسلوق، لعبة قديمة ذات شعبية كبيرة، ويتزايد الإقبال عليها في شهر رمضان، لإبقاء هؤلاء الشبان مستيقظين لحين موعد السحور. 

ورغم أن لعبة حرب البيض المسلوق، لا تتطلب الكثير من التجهيزات، سوى سلق البيض وطلائه بألوان زاهية، فإن لهذه اللعبة قوانين يجب اتباعها. حيث يمسك المتسابق ببيضة مسلوقة، ويضرب بها تلك التي لدى الخصم، بهدف كسرها، وهكذا يتأهل الفائز للمرحلة الثانية.

وفي حين تعد هذه اللعبة هواية كثيرين، وتعتبر أيضاً تجارة مربحة لبائعي البيض، الذين وجدوا فرصتهم، في تزايد الإقبال على هذه اللعبة، بسبب قلة المساحة المتوفرة للأطفال والشباب، لممارسة ألعاب أخرى.

عيد الفطر

تتوج هذه الأجواء بليلة العيد يقوم البعض بتوزيع الحلويات بين الناس ابتهاجًا بقدوم العيد، كما أن الأسواق تبقى مفتوحةً طوال الأربع والعشرين ساعةً؛ لتلبية طلبات الناس الذين يقبلون عليها لشراء لوازم العيد.

وقبل صلاة العيد يلبس أهالي باكستان ملابسهم الجديدة ويتجهون إلى الساحة الشعبية؛ ليؤدوا صلاة العيد، وعند مقابلة الباكستاني في صلاة العيد لأخيه المسلم يحتضنه ويقبله ثلاث مرات على كتفيه، ويبادله الآخر هذه القبلات. كما يهنئون بعضهم بتبادل الزيارات. ويقوم الأهل بتقديم “العيدية” لأطفالهم، ويعودون للمنزل لاستقبال الضيوف بالعناق الباكستاني الحار والتبريك لبعضهم بمقولة (عيد مبارك).

ربما يعجبك أيضا