الإرهاب في بلجيكا.. التحدي والاستجابة

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

مازالت بلجيكا إلى جانب دول أوروبا تعتقد بأن الإرهاب مستوردا من خارج حدودها، وأن الأمن يتركز بمسك الحدود الخارجية والتخلص من “الجهاديين” في مناطق النزاع، لكن الحقيقة أن أوروبا تعيش ظاهرة قديمة جديدة  للتطرف من داخلها.

أطلق رجل النار على اثنين من رجال الشرطة وأحد المارة فأرداهم قتلى قبل أن تقتله الشرطة في وسط مدينة ليج بشرق بلجيكا، يوم أمس 29 مايو 2018. وقالت الشرطة إنه “جرى تحييد” المهاجم، مشيرة إلى أن الوضع كان تحت السيطرة، وأصيب شرطيان آخران، كما أخذ الرجل امرأة رهينة، قبل أن تحضر قوات الرد السريع وترديه قتيلا.

وخفضت السلطات البلجيكية فى يناير 2018 مستوى التهديد الأمني في البلاد وكشفت عن أن الهزائم التي مني بها تنظيم “داعش” في كل من العراق وسوريا تعني أن احتمالات تنفيذ هجوم إرهابي باتت أقل، ويشير الإجراء إلى أن مستوى التهديد انخفض إلى “متوسط” من “خطير”.

السجون الأوروبية حاضنة الارهاب

الحكومة البلجيكية اتبعت نظاما تدريجيا لعزل الأشخاص المشتبه في تطرفهم، ووضعهم في زنازين منفردة داخل السجون لتفادي نشر التطرف بين سجناء آخرين.

ومن جهة أخرى وافق البرلمان البلجيكي على تعديلات تشريعية تعطي لإدارة شؤون الأجانب والهجرة الحق في طرد الأجانب الذين يهددون الأمن العام والأمن الوطني، حتى لو كان هؤلاء الأشخاص قد ولدوا على التراب البلجيكي، أو نشأوا فيها.

اتباع نظام تدريجي لعزل الأشخاص المشتبه في تطرفهم، ووضعهم في زنازين منفردة داخل السجون لتفادي نشر التطرف بين سجناء آخرين.

نشط الفكر المتطرّف في السجون الأوروبية ويعتبره حاضنة ومفرّخة عبر الاستقطاب، وذلك وفق أساليب مخطّط لها، ويساعده في تحقيق أهدافه، الظرف النفسي للسجين، مما يجعله مادة سهلة للجماعات المتطرفة. 

ويختلط  المعتقلون بجرائم جنائية داخل السجون بمتطرفين مدانين في قضايا إرهاب، ويقع استقطابهم بطرق تستثمر الجانب النفسي. ممّا ينبغي للسلطات المسئولة أن تعمل لحل هذه المشكلة، وتنسج على منوال تجارب متقدمة في هذا المجال.

صلاحيات جديدة لأجهزة الاستخبارات

القوانين الجديدة منحت أجهزة الاستخبارات والشرطة الكثير من الصلاحيات، تسمح لرجال الأمن بتفتيش منازل المشتبه بهم أو فتح الطرود البريدية، كما يحق لرجال الأمن زرع أجهزة التنصت أو الكاميرات حسبما ذكر مكتب وزير العدل البلجيكي، وأضاف أنه في بعض الحالات، وعندما تتوفر أدلة قوية عن وجود أطراف خارجية في ملف التحقيقات، يحق لرجال الأمن مراقبة عمليات تمويل للمساجد.

ووافق البرلمان البلجيكي على تعديلات تشريعية تعطي لإدارة شؤون الأجانب والهجرة الحق في طرد الأجانب الذين يهددون الأمن العام والأمن الوطني، حتى لو كان هؤلاء الأشخاص قد ولدوا على التراب البلجيكي، أو نشأوا فيها.

النتائج

كانت بلجيكا، توصف بالمنطقة الرخوة أمنيا داخل دول أوروبا في أعقاب تفجيرات باريس نوفمبر 2015، حيث كانت الأراضي البلجيكية، تتخذ نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية في فرنسا ودول أوروبا، حتى وصفت بلجيكيا من وجهة نظر تنظيم داعس بأنها “أرض مدد” أي مصدر لتقديم الدعم اللوجستي وانطلاق العمليات الإرهابية.

لكن رغم ذلك استطاعت بلجيكا تحقيق نجاح كبير في جعل بلجيكا ساحة نظيفة نسبيا ما بعد مارس 2016، أي ما بعد عملية تفجيرات مطار بروكسل الإرهابية، من خلال نشر قوات الجيش والشرطة. يذكر أن قوات الجيش المنتشرة نجحت بالتعامل مع المهاجميين الانتحاريين، أكثر من الشرطة البلجيكية، التي يمكن وصفها بأن عناصرها ما زالت تفتقر إلى التعامل المهني السريع مع المهاجمين الانتحاريين، ويمكن اعتبار حادثة بلجيكا الأخيرة مثالا لذلك.

المشكلة في بلجيكا ربما تتعلق في العوامل التالية : الجغرافية، وسط أوروبا وحدودها ترتبط مع فرنسا وهولندا وألمانيا، العامل الثاني التركيبة الديموغرافية أي الجاليات العربية المسلمة، في الغالب من دول شمال أفريقيا، بعضهم ارتبطت جذورهم بالالتحاق بأفغانستان وفصائل متطرفة، والعامل الأخير هو تركيبة أجهزة الاستخبارات البلجيكية، فما زالت الانتقادات توجه إلى الاستخبارات البلجيكية، بأنها تحتاج لأن تكون في مجمع استخبارات، وتفتقر إلى التنسيق بين مديرياتها.

هذه العوامل مجتمعة تفرض على بلجيكا أن تعيش حالة التاهب، لذلك ما زالت بلجيكا أكثر من بقية الدول تعيش حالة التاهب رغم أنها خفضتها إلى الدرجة الثانية في شهر يناير عام 2018.

ما زالت أوروبا تعتقد أن الإرهاب في أوروبا، إرهاب مستورد من دول الشرق الأوسط وآسيا وغيرها من الدول، وهو اعتقادا خاطئ، كون أغلب العمليات الإرهابية التي شهدتها أوروبا ما بعد عام 2015 ولحد الآن، هم أوروبيو المنشأ بالولادة او لديهم وثائق قانونية للإقامة في أوروبا.

التوصيات

ـ الربط بين السجل الجنائي وسجل الإرهاب.

ـ الارتقاء بتدريب عناصر الشرطة، إلى مستوى التعامل مع المهاجمين الانتحاريين، إلى جانب نوعية التسلح والحماية الشخصية.

ـ مراجعة وسائل وأساليب المراقبة للمطلوبين ما بعد مغادرتهم السجن وانتهاء فترة أحكامهم ومغادرة الأساليب التقليدية بفرض سوار إلكتروني أو الحضور إلى اقرب مركز للشرطة للتوقيع يوميا.

ـ إن مكافحة الإرهاب ومحاربة التطرف، لا تقوم على تأمين الحدود الخارجية والداخلية، ولا ينتهي الارهاب والتطرف بالقضاء على المقاتلين الأجانب في الخارج، بل عليها معالجة الإرهاب والتطرف داخليا.

ـ تحتاج أوروبا إلى محاربة التطرف مجتمعيا، من خلال وضع سياسات، تستوعب الجاليات المسلمة وغيرها، ومنحهم فرص دراسة وعمل، وأن تعطي أهمية لأحياء الجاليات المسلمة في أوروبا وفي اطرافها، تتمثل بالخدمات والانفتاح.

ربما يعجبك أيضا