بيد تلوثها الدماء.. بوتين يطرق أبواب مجلس حقوق الإنسان

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

مع إعلان واشنطن الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، سارعت موسكو بإعلان ترشحها في انتخابات المجلس للفترة ما بين 2021 و2023، مؤكدة أنها ستواصل عملها البناء داخل المجلس؛ بهدف الحفاظ على المساواة في الحوار والتعاون في مجال حقوق الإنسان!َ

بالأمس انتقدت روسيا انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان، معتبرة أن ذلك يعكس نهج واشنطن أحادي الجانب في التعاطي مع الشؤون العالمية، وقال بيان لبعثتها لدى الأمم المتحدة: إن واشنطن حاولت لكنها فشلت في تحويل المجلس إلى أداة لتحقيق مصالحها ومعاقبة البلدان التي لا تحبها، معتبرة أن الانتقادات الأمريكية للمجلس تدعو لـ”السخرية”.

قبلها بيوم خرجت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي علينا لتعلن انسحاب بلادها رسميًا من مجلس حقوق الإنسان، متذرعةً بما وصفته التحيز ضد إسرائيل وغياب الإصلاح للمجلس “المنافق والأناني” بحسب تعبيرها.

الأولى تترشح بسجل فاضح في مجال حقوق الإنسان، والثانية تنسحب وأخر فضائحها في هذا المجال احتجاز أطفالا جرى فصلهم عن آبائهم المهاجرين عند الحدود المكسيكية الأمريكية، موسكو المتورطة حتى رأسها في جرائم حرب في سوريا تتحدث عن حقوق الإنسان!، ولهذا السبب تحديدا فشلت في الفوز بولاية ثانية عام 2016، وقال مدير منظمة هيومن رايتس ووتش وقتها من الواضح إنها إشارة تحذير لموسكو، معربا عن الأمل في أن تكون الرسالة وصلت، ويتوقف بوتين عن دعمه الأعمى للأسد.

تجدر الإشارة هنا إلى أن المجلس التابع للمنظمة الأممية، يضم 47 دولة يتم انتخابهم كل 3 سنوات، وتوزع عضويته جغرافيا بواقع 13 مقعداً لأفريقيا، 13 مقعداً لآسيا، 6 مقاعد لأوروبا الشرقية، 8 مقاعد لأمريكا اللاتينية والكاريبي، 7 مقاعد لأوروبا الغربية ودول آخرى، والمجلس – يفترض- أنه مسؤول عن تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في جميع أرجاء العالم وعن تسليط الضوء على حالات انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم توصيات بشأنها.

وبالعودة إلى روسيا، يجد المراقب أنها متورطة في انتهاكات لحقوق الإنسان سواء داخل حدودها أو خارجها والحديث ذو شجون، والبداية من حيث الخسائر الأفدح “سوريا”، خلال عام واحد من تدخل القوات الروسية لدعم نظام الأسد أي خلال الفترة من سبتمبر 2015 إلى سبتمبر 2017 قتلت الهجمات الروسية نحو 5233 مدنيًا بينهم 1417 طفلًا و886 امرأة، كما رصدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما لايقل عن 251 مجزرة ارتكبتها قوات يعتقد أنها روسية، وأفضت إلى مقتل الآلاف، هذا فضلا عن نزوح ما لا يقل عن 2.3 مليون شخص هربًا من عمليات القصف والتدمير المتعمد لمناطق سيطرة المعارضة بواسطة المقاتلات الروسية.

وأكدت الشبكة الحقوقية في تقريرها لعام 2017، أن روسيا خرقت بشكل لا يقبل التشكيك قراري مجلس الأمن رقم 2139 و2254، القاضيين بوقف الهجمات العشوائية، وانتهكت عبر جريمة القتل العمد المادة الثامنة من قانون روما الأساسي ما يشكل جرائم حرب، مطالبة مجلس الأمن باتخاذ إجراءات إضافية لوقف أي هجمات موجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية مباشرة، بما فيها الهجمات ضد المرافق الطبية وأي استخدام عشوائي للأسلحة، بما في ذلك القصف المدفعي والجوي.

وفي مارس الماضي وجهت الولايات المتحدة إلى روسيا، اتهاماً بالتورط في قتل المدنيين بالغوطة الشرقية بريف دمشق، مؤكدة على ضرورة انصياع النظام وداعميه في موسكو وطهران لقرار مجلس الأمن رقم 2401 القاضي بوقف الأعمال القتالية في الغوطة ومحيطها والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون قيود.

وفي الداخل الروسي الوضع ليس على ما يرام أيضا، ففي عام 2013 خرجت علينا العفو الدولية بتقرير يصف سجل روسيا في مجال حقوق الإنسان بـ”البائس”، لتسلط الضوء على مشكلة سجناء الرأي التي تفاقمت مع صدور تشريعات عام 2012 تشيطن منظمات المجتمع المدني التي تقبل التمويل الخارجي، وآخرى تمنع الاحتجاجات السلمية وتقييد حرية التعبير، هذا فضلا عن جرائم قتل الصحفيين والناشطين الحقوقيين التي غالبا ما تقييد ضد مجهول.

خلال الأشهر الستة الأولى من 2017، ازداد عدد الأشخاص الذين عاقبتهم السلطات الروسية لانتهاكهم المزعوم لقواعد  التجمعات العامة، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية شددت حكومة بوتين حملتها القمعية ضد المعارضة السياسية والمتظاهرين السلميين، ونذكر كيف وجهت اتهامات مسيسة للمعارض أليكسي نافالني لتحرمه من الترشح أمام القيصر في انتخابات مايو الماضي.

في سبتمبر من العام الماضي جرى التحقيق مع روسيا أمام “لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، التي أثارت مخاوف بشأن مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك قيود “العملاء الأجانب” المفروضة على المنظمات غير الحكومية والمضايقات التي يتعرض لها النشطاء الحقوقيون في روسيا.

“في روسيا القيادة أبرمت اتفاقا ضمنيا مع الشعب.. خلاصته سنمنحكم المزيد من الرخاء إذا سمحتم لنا أن نحكم دون محاسبة”، كلمات قالها كينيث روث المدير التفيذي لهيومن رايتس ووتش عام 2016، معلقا على تدهور ملف الحريات في روسيا مع زيادة رغبة بوتين في الحفاظ على السلطة دون رقيب أوحسيب، هذه الكلمات وسجل القصير الملوث بدماء أطفال سوريا تطرح تساؤلا حول احتمالات عودة موسكو إلى مقاعد مجلس حقوق الإنسان، وفي حال حدث ذلك سيكون دليلا جديدًا على حقيقة المنظمات الأممية وانتصارها لـ”مصالح” الدول العظمى، بعيدا عن الشعارات الرنانة عن الديمقراطية ونصرة حقوق الإنسان.

 

ربما يعجبك أيضا