هل تخرج قطر من أزمتها بتكرار سيناريو 2013 وتعزل الأمير “تميم”؟

يوسف بنده

رؤية

تداولت وسائل إعلام إسبانية وإيطالية معلومات عن وجود خلافات داخل الأسرة الحاكمة القطرية، ومن المحتمل صدور قرار بتعيين محمد بن حمد بن خليفة أميرا لقطر بدلاً من تميم بن حمد، على حد قول الصحف.

وقد خصص نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاج خاص يتناول القضية المتداولة بعنوان: #صراعات_قطرية_تطيح_بتميم.

وحول هذه المسألة، كتب رئيس مركز المزماة للدراسات والبحوث، د. سالم حميد، أن هناك توقعات بعزل تميم لمنع سقوط النظام القطري. وأن عوامل الاضطرابات التي يشهدها النظام القطري وحجم الخلافات العائلية المعلنة والخفية، وما تنشره الصحافة الأجنبية من التسريبات التي تتوقع إزاحة تميم في أي لحظة، تؤكد حالة التوتر التي تعيشها قطر.

ويستطرد د. سالم حميد، في تحليله: اعتمد السلوك القطري خلال الفترة الماضية على المكابرة والتضحية بعلاقات الجوار، مقابل التمسك بمخطط تمويل الإرهاب ورعاية التنظيمات المتطرفة ماليا وإعلاميا. ومن جهتها استنتجت دول الخليج الكبرى أن التعنت القطري مجرد انعكاس للدور الخطير الذي يلعبه من وراء ستار كلّ من الحاكم السابق حمد بن خليفة ومعه حمد بن جاسم، شريكه في المؤامرة والتخطيط، ومنذ اكتشاف وقوفهما خلف نقض العهود ودعم خلايا الإرهاب، وقيامهما بتوجيه كل تحركات الحاكم الشاب تميم، أصبحت التحليلات ترمز إليهما اختصارا بـ”تنظيم الحمدين”.

واتضح أن الشعب القطري يشهد مسرحية مملّة منذ الإعلان الشكلي عن تنازل حمد بن خليفة عن الحكم لولده تميم في 25 يونيو 2013. وتكاد هذه اللعبة أن تنتهي أو تعاد صياغتها من قبل المخرج الأصلي حمد بن خليفة ومساعده حمد بن جاسم. لأن الطريق المسدود الذي وصلت إليه الدوحة بحاجة إلى التضحية في سبيل حماية أركان تنظيم الحمدين، لاستكمال مخطط العبث بأموال الشعب القطري وتحقيق النفوذ الذي يحلمون به عبر التحالف مع جماعات الإسلام السياسي.

المؤشرات الجديدة تشير إلى أن الإيعاز لتميم بالتواصل المباشر مع الرئاسة الإيرانية قد يكون المبرر المحتمل لإزاحته عن السلطة. لأن تداعيات المقاطعة العربية على الاقتصاد القطري والارتهان لإيران وتركيا وشعور القطريين بالعزلة التامة، كلها عوامل تقود أسرة آل ثاني إلى البحث عن أفكار لتجديد شرعية النظام وتبديل الأقنعة، ما يجعل التضحية بتميم أحد الخيارات المرجحة.

الكثير من التحليلات الصحافية بدأت تطرق هذا الباب، وتشير إلى كبش الفداء الذي عليه أن يقبل بإنهاء دوره من أجل منح فرصة للنظام القطري لالتقاط أنفاسه، وتقديم وجه جديد أمام القطريين للانشغال بالتغيير المنتظر، ونسيان الأضرار الفادحة الناجمة عن الأزمة. بالنسبة لتميم فقد كان مثل لعبة العرائس، يتم تحريكه في المسرح القطري الذي يتحكم بخيوطه تنظيم الحمدين. ومن السهل جداً على من صنع الدمية وقام بتحريكها أن يستبدلها بدمية أخرى.

 وهذا ما يتم التخطيط له على الأرجح. ولا ننسى أن الصحافة الأجنبية تحدثت قبل تنازل حمد بن خليفة لتميم عن تلك الخطوة قبل تنفيذها ثم تمت بالفعل. والآن يجري الحديث عن خطوة مشابهة في الطريق إلى التنفيذ، خاصة وأن الدوحة بحاجة ماسة إلى مسرحية جديدة بعد التورط في منح طهران فرصة ذهبية للتوغل في المنطقة، في التوقيت الذي يقوم فيه التحالف العربي بمواصلة استكمال مهمة قطع الذراع الإيرانية في اليمن ممثلة بجماعة الحوثيين.

كما أن بلوغ الأزمة القطرية إلى مستوى خطير نتيجة للعناد والمكابرة، يجعل من غير المستبعد أن تلجأ الدوحة إلى عزل تميم لمغازلة دول المنطقة، والادعاء بعد ذلك أن تميم كان السبب في الإشكال الذي طال بين قطر وجيرانها. بينما يستمر تنظيم الحمدين في التخطيط والتنفيذ لمشروعه المركزي الذي يحتاج إلى بعض الهدوء لكي يعود إلى الواجهة من جديد، وهو الركوب على موجة تنظيمات الإسلام السياسي، ومحاولة حصاد أكبر قدر ممكن من النفوذ الإقليمي عبر تلك التنظيمات، وخاصة إذا ما نجحت في الوصول إلى الحكم بدعم قطري. لأن الاتفاق بين الطرفين واضح المعالم، بدليل رعاية الدوحة المستمرة لصفوف ومستويات قيادية إخوانية بأعداد كثيرة، ولا يزال كل أفرادها يتحركون تحت المظلة القطرية والدعم المالي والإعلامي الذي لم يتوقف.

يمكن القول: إن محاولة تنظيم الحمدين القيام بتكرار سيناريو 2013 أصبحت مسألة وقت لا أكثر، ولن يوقفها إلا عثور الدوحة على خطة بديلة تؤجل إزاحة تميم.

المرشح المنتظر

وفي حال اتخاذ قرار التضحية به فإن المرشح الذي من المنتظر أن يخلفه بحسب التسريبات هو شقيقه محمد بن حمد. يضاف إلى عوامل الاضطرابات التي يشهدها النظام القطري حجم الخلافات العائلية المعلنة والخفية، وما تنشره الصحافة الأجنبية من التسريبات التي تتوقع إزاحة تميم في أي لحظة، تؤكد حالة التوتر التي تعيشها قطر. ولم يبق إلا الاتفاق حول أسلوب الإخراج والتكييف السياسي لعزل تميم ومغادرته للمشهد.

فهل سيتنازل لشقيقه أم سوف يتم عزله بذريعة الاتفاق بين أفراد العائلة الحاكمة؟ في جميع الأحوال، يدل العبث الذي تعيشه قطر على أن حمد بن خليفة هو الحاكم الفعلي وأنه لم يترك السلطة، وإنما يمارس ألاعيبه الشيطانية التي تضر بمصالح القطريين ومستقبلهم، بينما كل تركيزه يتمحور حول تنفيذ المخطط الذي رسمه بالاشتراك مع التنظيم الإخواني الذي يعتبره الحليف المفضل.

أما على مستوى أزمة قطر مع دول الإقليم، لا جديد باستثناء أنها أصبحت أزمة قطرية خالصة، وبالتحديد منذ أن تم اتخاذ قرار المقاطعة من قبل الدول المعترضة على النهج القطري، على إثر رفض الدوحة المطالب العادلة المتعلقة بإصلاح اعوجاج سلوكها الفوضوي، المنافي لأبسط مبادئ السياسة الرشيدة التي يتطلبها الوجود ضمن إقليم جغرافي واحد. لكن قطر تجاهلت أن من حق إقليم الخليج أن تكون له خطوط حمر لأمنه القومي، إلى جانب التزامات أساسية تجاه محاربة الإرهاب والتطرف.

لكن قطر فضّلت الاصطفاف مع إيران نكاية بدول الإقليم، وواصلت هذا النهج قبل الأزمة وبعدها. وعلى نفس المنوال رفضت التخلي عن دعم التيارات المتطرفة واستمرت في تبني مشروع الفوضى ودعم التطرف لتدمير الاستقرار، على أمل أن تكون شريكة في المستقبل مع من تدعمهم من التيارات الظلامية.

المقاطعة العربية الرباعية كشفت للقطريين أن الابتعاد عن عمقهم الجغرافي الحيوي ممثلاً بدول الخليج لم يكن قرارا حكيما، بدليل حجم التدخل الإيراني والتركي الذي جعل الدوحة أداة مسمومة يتم استغلالها لاختراق الأمن القومي العربي. كما أدت المقاطعة إلى انهيارات في الاقتصاد القطري وإلى تبادل اتهامات وصراعات داخل أسرة آل ثاني، ووصل القطريون مع نظامهم إلى طريق مسدود.

رغم ذلك استمرت الدوحة في التمادي والإصرار على تبني ودعم مختلف أشكال تنظيمات الإسلام السياسي، وعززت انسلاخها عن البيت الخليجي بتحالفها التدريجي المتصاعد مع إيران، وهو التحالف الذي لم يعد سرا بعد أن وصل مؤخرا إلى مرحلة الأبواب المفتوحة، عبر التنسيق المشترك بينهما وفقا لخطوط عامة، من ضمن بنودها المعلنة اشتراك قطر وإيران في العمل على تخريب جهود التحالف العربي للحد من التدخلات الإيرانية في المنطقة.

ومن أجل تحقيق الهدف الإيراني نكاية بدول الخليج، قامت الدوحة مؤخرا بتعيين سفير لها بدرجة مفوض فوق العادة، وهي رتبة دبلوماسية تخول السفير الجديد بالتنسيق مع النظام الإيراني مباشرة، اتخاذ قرارات وتوقيع اتفاقيات دون الرجوع إلى الدوحة. في دلالة على الارتماء في أحضان طهران والاستسلام لها وتبني سياستها التخريبية بشكل مطلق. وهنا لا تخفى الحماقة السياسية التي قادت الدوحة إلى هذه المرحلة من الارتهان لنظام الولي الفقيه، بما له من أيديولوجيا عقائدية مدمرة لا تعرف معنى الصداقة والعلاقات المثالية بين الدول.

الجديد أيضا في هذا السياق يدين النظام القطري أكثر ويضعه في موقع المساءلة إقليميا وعربيا، بالقياس إلى أن الخطوة الأخيرة التي قام بها الحاكم المغلوب على أمره تميم بن حمد لن تمر من دون عواقب. فبعد تعيين الدوحة سفيرا مفوضا لها في طهران، تم الإعلان بشكل متعمد عن خبر اتصال تميم وحديثه مع الرئيس الإيراني، الذي تبادل فيه الطرفان موقفا موحدا تجاه أحداث اليمن، مما يجعل من الدوحة تابعة ذليلة لإيران ومؤيدة بشكل مباشر للدعم الإيراني لجماعة الحوثي الانقلابية.

ربما يعجبك أيضا