هل سيؤثر التحالف مع الحركة القومية على سياسة “أردوغان” وحكومته؟

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

حقق الرئيس التركي وحزبه العدالة والتنمية، الفوز في الإنتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، بعد تحالف مع عدة أحزاب منها، حزب الحركة القومية الذي يقوده، دولت بهتشلي. والذي كان أداة أردوغان لتمرير فكرة الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة بدلًا من انتظار انتخابات 2019م.

وقد حصل هذا التحالف الذي سُمي بـ”تحالف الشعب”، على أغلبية برلمانية. وبعد فوز الحزبين اللذين هما ضمن هذا التحالف، بات التساؤل: هل سيؤثر حزب الحركة القومية ذي التوجه اليميني المتطرف على سياسة الحكومة التركية الجديدة؟ خاصة أن هذا الحزب اُشتهر بمعارضته للأكراد والاتحاد الأوروبي. أي أنه سيكون عقبة أمام قضايا حيوية ومصيرية داخلية وخارجية.

يقول المحلل السياسي التركي، يشار ياكش، إن الحكومة التركية الجديدة برئاسة حزب العدالة والتنمية المنتمى له أردوغان، سوف تعتمد بشكل كبير على دعم حزب الحركة القومية لإقرار أي قانون. ففي حين يسيطر الحزب الحاكم على عجلة القيادة ودواسة البنزين، سيتحكم حزب الحركة القومية في المكابح.

فقد نظمت تركيا، في أبريل 2017، استفتاءً شعبيًا، خلص إلى إقرار تعديلات دستورية تتضمن الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي، وزيادة عدد النواب، وخفض سن الترشح للانتخابات البرلمانية.

والأحد من الأسبوع الماضي، شهدت تركيا انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة بلغت فيها نسبة المشاركة رقمًا قياسيًا، نحو 88 بالمائة، حسب نتائج أولية غير رسمية.

وأظهرت النتائج، حصول مرشح “تحالف الشعب” للرئاسة، رجب طيب أردوغان، على 52.59 بالمائة من أصوات الناخبين، فيما حصل مرشح حزب الشعب الجمهوري، محرم إينجه، على 30.64 بالمائة من الأصوات.

وفي انتخابات البرلمان، حصد تحالف الشعب، الذي يضم حزبي “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية” 53.66 بالمائة من الأصوات (344 من أصل 600 مقعد)، فيما حصل تحالف الأمة، الذي يضم أحزاب “الشعب الجمهوري” و”الصالح” و”السعادة” على 33.94 بالمائة من الأصوات (189مقعدًا)، وحزب الشعوب الديمقراطي، على 11.7 بالمائة (67 مقعدًا).

تلبية مطالب “أردوغان”

تشير تحليلات المراقبين إلى أن حزب الحركة القومية سيكون لعبة في يد الرئيس أردوغان، يستطيع أن يجعله يتشدد ويعارض وقتما يريد تمرير عدم الموافقة على أمر ما، باسم المعارضة. وأيضًا سيجعله يوافق على ما يريد من خلال الاغراءات السياسية، سيما أن أردوغان يدرك أن زعيم حزب الحركة القومية، بهتشلي، لا يريد أن يخسر ما كسبه من التحالف مع الحزب الحاكم، ولديه رغبة في الحصول على منصب مقرب من الرئيس، مثل منصب نائب الرئيس.

ومن مؤشرات الإرضاء للحزب الحاكم، أن رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، قد أقال نائبه (سفر آيجان)، بعد أن قال الأخير إن بهتشلي “أنقذ” الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات، وأن الحزب “سيكون قادرا على فعل ما يحلو له” في البرلمان الجديد. وجاءت هذه الإقالة بعد اجتماع التقى فيه بهتشلي بأردوغان.

كما أعلن نائب رئيس حزب الحركة القومية مصطفى كالايجي، أن حزبه لن يُقدّم مرشحًا لانتخابات رئاسة البرلمان، وسيدعم عوضًا عن ذلك مُرشّح حزب العدالة والتنمية، خلال اجتماع البرلمان لاختيار رئيسه في 13 يوليو/ تموز القادم.

مزيد من الهيمنة
يملك أردوغان الآن خيارا، فإما أن يتسم بالشهامة في نصره أو أن يشدد سيطرته على المجتمع. ستتطلب منه الشهامة محاولة توحيد البلاد وتخفيف الإجراءات القمعية التي أدت إلى سجن عدد كبير من الأبرياء بتهم زائفة.

لا يمكن إطلاق سراح السجناء الكبار فحسب، ولكن الكثيرين أيضا من الذين حبسوا في ملاحقات عبثية، مثل فتح حساب في بنك اعتبر فيما بعد محل اشتباه. علاوة على ذلك، بقدر ما يدعي أردوغان أن المشكلة الكردية لم تعد موجودة، فإنه يستطيع إعادة بدء عملية السلام التي تخلى عنها في العام 2015.

بدلا من ذلك، قد يكون إغراء السعي إلى الانتقام من جميع الذين عارضوه بتشجيع من حاشيته التي لا ولاء لها لغيره. والحقيقة هي أنه لا توجد قيود على صلاحيات أردوغان. أما بالنسبة للقضية الكردية، فإنه يواجه مشكلة هيكلية، إذ أن شريكه الصغير في الائتلاف، وهو حزب الحركة القومية المنتمي لأقصى اليمين والذي يمنح الرئيس الأغلبية البرلمانية، يعارض بشدة أي اتفاق مع الأكراد.

كان حزب الحركة القومية الفائز المفاجئ في الانتخابات إذ حصل على 11 في المئة من الأصوات بينما كانت التوقعات تشير إلى أنه سيواجه صعوبات.

وما يجعل الأمور أكثر تعقيدا، حقيقة أن رابع أكبر حزب وهو الحزب الصالح المتحالف مع المعارضة هو أيضا حزب قومي مناهض للمطالب الكردية. وحصد حزب الحركة القومية والحزب الصالح معا حوالي 20 في المئة من الأصوات في الانتخابات وقد يحاولان حل بعض خلافاتهما في الأشهر المقبلة.

سيكون العامل الحاسم هو حالة الاقتصاد. قد تدفع الحاجة إلى التمويل الخارجي أردوغان إلى الاعتدال والسعي إلى المصالحة، لأن المستثمرين الأجانب يريدون وضع نهاية لحالة الاستقطاب. 

موقف متصلب
على الصعيد الدولي، شهدت لهجة تركيا مرونة أكبر منذ مطلع العام إذ يبدو وكأن أردوغان يسعى إلى التهدئة مع الاتحاد الاوروبي.

تقول إيدنتاشباش إن “أردوغان بوسعه لو شاء تطبيع (علاقاته مع الغرب)”، إلا أنها تتساءل ما إذا كان سيتحلى “بما يكفي من المرونة” للمضي في هذا الاتجاه.

وتضيف “أعتقد أن هناك ميلاً لدى الغرب لمنحه فرصة وإعادة بناء العلاقات مع تركيا الآن وهو يبدو كلي القدرة”.

لكن هنا أيضا يمكن أن يطرح تحالفه مع القوميين مشاكل ويقول سونير تشاغابتاي -الباحث في معهد الشرق الأدنى للسياسة في واشنطن- إن “التحالف الجديد مع حزب الحركة القومية.. الذي يلعب دور المنقذ لأردوغان سيثير مشاكل مع الولايات المتحدة”، حول المقاتلين الأكراد حلفاء واشنطن في سوريا والذي تصنفهم أنقرة “إرهابيين”.

ويضيف تشاغابتاي، إن “هامش المناورة سيكون أضيق أمام أردوغان حول هذه القضايا بالمقارنة مع السابق.. أقله على المدى القصير”.

تحديات خارجية

تعد العلاقات مع كل من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، والموقف تجاه الحرب السورية والقضية الفلسطينية، هي أبرز التحدّيات الدولية التي تواجه الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان في فترته الرئاسية الجديدة، دون وجود بوادر تغيير في مواقفه المُتشدّدة التي جلبت العداوات والمشاكل للجمهورية التركية.

وبعد فوزه في الانتخابات، من المتوقع أن يواصل أردوغان أسلوبه المشاكس في سياسة أنقرة الخارجية، مع أنّ المراقبين لا يستبعدون أن يسعى إلى حلول وسط.

وقد شهدت الأشهر التي سبقت الانتخابات توترا حادا بين أنقرة والدول الغربية، بالتوازي مع التقارب بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

العلاقات مع الولايات المتحدة

العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، اللتين تملكان أكبر جيشين في حلف شمال الأطلسي، معقدة بسبب الخلافات حول الملف السوري، ومصير الداعية فتح الله غولن الذي تصر انقرة على تسليمه لها كونها تتهمه بالتورط في الانقلاب الفاشل في يوليو 2016.

كما يؤدي دعم واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردي إلى توتر في العلاقات مع اعتبار أنقرة هذه المجموعة المسلحة منظمة “إرهابية” تهدد حدودها.

وقال سونر كاغبتاي، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن أردوغان يحتاج إلى حلفائه المتطرفين القوميين للاحتفاظ بغالبيته البرلمانية. لذا، من المرجح أن يواصل تشدده في هذه القضية.

ومع ذلك، يقول محللون إنّ الولايات المتحدة مستعدة لتقديم تنازلات رغم التوتر، كما يتضح من تسليم أول طائرة من طراز اف-35 إلى تركيا الأسبوع الماضي.

روسيا

رغم قرون من التنافس العميق بين القوتين التركية والروسية، أقام أردوغان والرئيس فلاديمير بوتين علاقة شخصية وثيقة في السنوات الأخيرة، وتغلبا على أزمة دبلوماسية خطيرة في أعقاب إسقاط أنقرة طائرة روسية عام 2015.

وتوصلت أنقرة وموسكو إلى اتفاق بشأن شراء تركيا منظومة صواريخ اس-400 الروسية التي لا تتماشى مع منظومة الدفاع التابعة لحلف شمال الأطلسي.

وكان بوتين أحد أوائل الزعماء الأجانب الرئيسيين الذين هنأوا الرئيس التركي على إعادة انتخابه.

لكن جاريث جنكنز، الباحث في برنامج دراسات طريق الحرير يعتبر أنه “سيتعين على أردوغان الاختيار بين الولايات المتحدة وروسيا، وسيدفع ثمنا، مهما كان خياره”.
 
سوريا

منذ بداية الأزمة في سوريا المجاورة عام 2011، دعمت تركيا بقوة المعارضين الذين يسعون للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، وهي ترفض الحوار المباشر مع دمشق.

وأمام تدفق أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ وتمركز جماعات مسلحة على حدودها خصوصا من الأكراد، تدخلت أنقرة عسكريا اليوم في سوريا، وهي ترغب في تسريع عودة السوريين إلى بلادهم.

ويقول آرون شتاين، من “اتلانتيك كاونسل” إن تركيا قد توصلت بالفعل إلى “صيغة” مع الأسد تمرّ عبر موسكو، على أن تضع جانبا رغبتها بدعم تغيير النظام.

وأضاف “يقبل الأتراك بقاء النظام في السلطة، لكنهم مصممون على إقامة منطقة نفوذهم الخاصة على طول الحدود لتكون بمثابة فاصل”.

وترتبط السياسة الأردوغانية تجاه سوريا بطبيعة الحال بعلاقاته مع كلّ من روسيا والولايات المتحدة بشكل رئيس، وكذلك مع ألمانيا واليونان خاصة فيما يتعلق باللاجئين السوريين.
 
الاتحاد الأوروبي

تمرّ العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي بفترة صعبة خصوصا منذ محاولة الانقلاب على أردوغان في يوليو 2016، مع قيام أنقرة مذاك بحملة تطهير قاسية، ما يثير القلق لدى بروكسل.

إلا أنّ اوزدم سانبرك، الدبلوماسي التركي المخضرم مقتنع بأن تسوية ما ستبدأ، وأنّ “العلاقات سترتكز على أسس أكثر متانة”.

أبرمت أنقرة مع الاتحاد الأوروبي اتفاقا حول الهجرة عام 2016 أدى إلى خفض كبير في أعداد المهاجرين الذين ينتقلون من تركيا إلى أوروبا.

لكن أردوغان الذي لم يفاوض بشكل مباشر على الاتفاق هدّد مرارا “بإرسال ملايين المهاجرين” إلى أوروبا.

ووجّه الاتحاد الأوروبي انتقادا لطريقة تنظيم الحملات الانتخابية في تركيا بعد فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بالرئاسة، مُحجما عن تهنئته ومعتبرا أنّ هذه الحملات “لم تكن متكافئة”.

واعتبر الاتحاد أنّه “بالإضافة إلى ذلك، فقد قيد الإطار القانوني الصارم والصلاحيات المعطاة بموجب حالة الطوارئ المفروضة، حرية التجمع وحرية التعبير، بما في ذلك في وسائل الإعلام”.
 
القضية الفلسطينية

منذ أعوام عدّة، يعتمد أردوغان سياسة خارجية متعددة الاتجاهات، فهو يسعى إلى إبراز نفسه بطلا للقضية الفلسطينية ومدافعا عن الأقليات المسلمة في جميع أنحاء العالم.

وعندما اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، جمع أردوغان قادة كبرى الدول المسلمة في محاولة للرد على هذه الخطوة.

وكدلالة على الموقف الدبوماسي لأنقرة، كان بين أوّل من هنأ أردوغان بفوزه في الانتخابات الفنزويلي نيكولاس مادورو، والسوداني عمر البشير اللذين ينبذهما الغرب.

ويعتبر جنكنز أن أنقرة باتت عرضة لمخاطر ارتكاب هفوات دبلوماسية، يتعين على أردوغان أن يبدأ بتوظيف “أشخاص يفهمون السياسة الخارجية وعلى استعداد لإبلاغه الأمور كما هي”.

ربما يعجبك أيضا