جولات خارجية إيرانية وتخصيص خط ائتمان أوروبي .. أوروبا تنتقل إلى مرحلة حماية مصالحها مع إيران

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف
 
أمام زيادة الضغط الأمريكي على طهران للاستجابة لمطالب واشنطن، بعدما خرجت الأخيرة من الاتفاق النووي؛ بدأت إيران في حملة من الجولات الخارجية المكثفة، التي قام بها مسؤولو الخارجية الإيرانية، لتشجيع الدول الحليفة على إبقاء علاقاتها التجارية مع طهران، وهو ما تزامن مع حملة موازية قامت بها الإدارة الأمريكية لعزل طهران وإخراجها من سوق النفط العالمي.
 
كما صعدت طهران اللهجة وأعلنت استعدادها لزيادة تخصيب اليورانيوم، في حال فشل المفاوضات مع الأوروبيين لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني.
 
وقال بهروز كمال وندي نائب رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية والمتحدث باسمها خلال مؤتمر صحفي في طهران “اتخذنا إجراءات بهدف التحضير في نهاية المطاف لزيادة مستوى تخصيب اليورانيوم إذا كان ذلك ضروريا، وإذا فشلت المفاوضات مع الأوروبيين”. مضيفا “نواصل بالتأكيد تنفيذ تعهداتنا الواردة” في الاتفاق النووي، “ولكن في الوقت نفسه، نأخذ في الاعتبار كل السيناريوات الممكنة ونستعد”.
 
كما قال رئيس المجلس الاستراتيجي للسياسات الخارجية، كمال خرازي، انه إذا لم تتحقق الالتزامات الخاصة بالاتفاق النووي فانه لاجدوى من بقاء إيران.
 
كما أعلنت إيران أنها قدمت شكوى ضد الولايات المتحدة أمام محكمة العدل الدولية، احتجاجا على إعادة فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها.
 
وكان الأوروبيون رفضوا الاثنين طلب الولايات المتحدة عزل إيران اقتصاديا، وأقروا أداة قانونية تعرف باسم “قانون العرقلة” تتيح حماية المؤسسات الأوروبية الموجودة في إيران من العقوبات الأمريكية.
 
والواضح أن الموقف الأوروبي يساعد طهران على المسارعة لطرح خطط إنقاذ والاستعداد لمواجهة العقوبات الأمريكية التي تكتمل مع أغسطس المقبل.
 
إلتزام سياسي
 
وفي إطار كسر العزلة المفروضة على إيران، أمام ملتقى رجال أعمال وممثلی البعثات الأجنبیة فی طهران، قال وزير الخارجية الإيراني، ظریف: إیران السوق الأکثر أمنا بالنسبة للشرکاء الاجانب فی نشاطاتهم الاقتصادیة.
 
وأكد ظريف أن بيانات أوروبا والصين وروسيا بعدم الخروج من الإتفاق النووي، هي بمثابة” تعهد سیاسي” بدعم استمرار الإتفاق النووي مع إيران.
 
وقال ظریف: لقد اکد هؤلاء وتعهدوا بانهم سیتخذون الاجراءات اللازمة فیما یخص المجالات المحددة لدینا؛ ومنها البنك المركزي وبیع النفط بالمنسوب الحالی، والتجارة والتأمین والملاحة البحریة والنقل الجوی والاستثمار، ولا سیما تواجد القطاع الخاص.
 
وأکد أن جمیع المسؤولین الذین مثلوا رئیس الجمهوریة فی زیاراتهم إلى مختلف البلدان، وایضا الدول الأعضاء فی الإتفاق النووی وغیرها، ومن خلال زیاراتنا إلى دول المنطقة والصین والهند وجنوب افریقیا، فقد قدم الجمیع رسالة موحدة إلى إیران؛ والتی تمثلت فی وجود ارادة سیاسیة عالمیة لمواصلة الحضور الفاعل فی إیران رغم الضغوط الأمریکیة.
 
وفي إطار كسر العزلة وبث الطمأنينة أيضًا، أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، أن اجتماع السفراء وممثلي إيران بالخارج سيعقد الأسبوع المقبل في طهران، واجتماع وزير الخارجية بهم وكذلك مع رئيس الجمهورية. وكل ذلك يأتي في إطار تحركات حكومة روحاني للتخفيف من أثار العقوبات الأمريكية على إيران.
 
خطوات عملية
 
وفي الوقت الذي أكد وزير الخارجية الإيراني على أهمية العلاقات مع أوروبا بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، نوه إلى أنه وبعيدًا عن التزام الأوروبيين السياسي بالتمسك بالاتفاق النووي، من الضروري الآن لمس إجراءاتهم العملية.
 
وفي مقابلة مع قناة (EuroNews) والتي بثت مقتطفات منها اليوم الأربعاء صرح ظريف: يجب على أوروبا ألا تكتفي فقط بابداء وجهات النظر واصدار البيانات؛ بل نحتاج إلى إجراءات عملية، خاصة في مجال الأعمال المصرفية، الاستثمار والطاقة والنقل والدعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
 
كما طالب المتحدث باسم الحكومة، محمد باقر نوبخت، الدول الموقعة على الاتفاق النووي بالاهتمام بموضوع بيع إيران لنفطها وعدم عرقلة ذلك وسد الثغرات.
 
وأضاف نوبخت، أن على هذه الدول العناية بقضايا تهم إيران ذات الصلة بنظامها المصرفي وقطاع التأمين وقطاع البتروكيماويات والملاحة، مستبعداً أن يبلغ بيع النفط الإيراني مستوى الصفر.
 
أمريكا ترفض الاستثناء
 
وقد أعلن مصدر فرنسي أن واشنطن رفضت جميع طلبات إعفاء الشركات الفرنسية والألمانية والبريطانية العاملة في إيران من العقوبات.
 
ورد وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين ووزير الخارجية مايك بومبيو خطيا على الدول الثلاث ليوضحا بأنهما لن يمنحا أي إعفاء من العقوبات للشركات التي وقعت عقودا مع إيران بعد سريان تطبيق الاتفاق النووي الإيراني في السادس عشر من حزيران/يونيو 2016.
 
وهذا الموقف يعتبر بمثابة تهديد ضمني إثر الغرامة الباهظة وقيمتها تسعة مليارات دولار فرضتها واشنطن عام 2014 على المصرف الفرنسي “بي إن بي باريبا” لقيامه بخرق حظر أمريكي.
 
وأوضح مصدر أوروبي أن هذا الرفض الكامل للطلبات الأوروبية لن يمنع الشركات من “تقديم طلبات إعفاء محددة خاصة في المجال النفطي يمكن أن تعالج كل حالة على حدة”.
 
قانون العرقلة وحزمة المقترحات
 
وتنتظر إيران من أوروبا تفعيل قانون العرقلة لحماية الاستثمارات الأوروبية مع إيران. وكذلك تقديم أوروبا حزمة مقترحات تعمل على استئناف التعاون التجاري والاستثماري بعيدًا عن العقوبات الأمريكية.
 
وقد رفض وزراء خارجیة دول الاتحاد الأوروبي رسمیًا طلب الولایات المتحدة لعزل إیران اقتصادیًا بعد تأکید مصادر دبلوماسیة أن واشنطن رفضت طلبا أوروبیا لإعفاء شرکاتها من إجراءات الحظر الأمیرکیة ما استدعى إقرار الأوروبیین آلیة قضائیة لحمایة شرکاتهم العاملة في إیران.
 
وقالت منسقة السیاسة الخارجیة في الاتحاد الأوروبي فیدیرکا موجیریني لقد أقرینا تحدیث نظام العرقلة وسنتخذ کل الإجراءات لجعل إیران قادرة على الاستفادة اقتصادیا من رفع العقوبات. لست قادرة الآن على التأکید بأن جهودنا ستکون کافیة إلا أننا سنبذل کل ما في وسعنا لان تداعیات موت الاتفاق النووي ستکون کارثیة.
 
وسیصبح قانون العرقلة الأوروبي نافذا في السادس من آب/اغسطس وهو تاریخ بدء تطبیق أول دفعة من إجراءات الحظر الأمیرکیة ضد إیران.
 
هذا وقال رئیس لجنة الأمن القومي في البرلمان، فلاحت بيشه، أن الدول الأوروبیة لن تخوض حرباً تجاریة واقتصادیة ضد الولایات المتحدة من أجل إیران.
 
وأضاف، إن المفاوضات بین إیران وأوروبا مستمرة ویجب أن تتضمن رزمة المقترحات التی یقدّمها الجانب الأوروبي لإیران ضمانات عملیة وتأطیراً زمنیاً ویجب أن تأخذ بعین الاعتبار الهواجس الإیرانیة.
 
وأكد على ضرورة أن تحدّد الدول الأوروبیة بدیلاً عن الشرکات التي منعتها الولایات المتحدة من العمل في إیران لتعویض هذا البلد ما لحقته من أضرار جرّاء هذا النهج.
 
کما أکد على أهمیة متابعة تأسیس بنك استثمار أوروبي وصندوق استثماري أوروبي ومؤسسات أخرى مماثلَة خلال دراسة رزمة المقترحات متسائلاً عن سبب عدم إدراجها في رزمة المقترحات منذ البدایة.
 
كما أعلن نائب رئيس غرفة تجارة إيران عن تخصيص الاتحاد الأوروبي خط إئتمان بقيمة 80 مليار دولار لتسهيل العلاقات التجارية بين الشركات الصغيرة والمتوسطة الإيرانية والأوروبية.
 
وحسب صحيفة “وول ستريت” الأمريكية، فقد أعلنت فرنسا وبريطانيا وألمانيا دراستها موضوع إعادة فتح أرصدة البنك المركزي الايراني لدى مصارفها المركزية كسبيل للحفاظ على الاتفاق النووي.
 
كما أعلن نائب رئيس لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، كمال دهقاني فيروزابادي، أن البرلمان الإيراني سيناقش حزمة المقترحات الأوروبية بشأن الاتفاق النووي يوم الأحد القادم.
 
وسيشارك عدد من المسؤولين بوزارة الخارجية في اجتماع لجنة الأمن القومي البرلمانية يوم الأحد القادم.
 
وقد تم تسليم حزمة المقترحات الأوروبية حول الاتفاق النووي بما يشمل القضايا المصرفية والتجارية والنفطية الأسبوع الماضي إلى إيران، ويتم حاليًا دراسة التفاصيل المختلفة لهذه الحزمة.
 
مكافحة غسيل الأموال
 
يرى مسؤولو المصارف المركزية الأوروبية ضرورة مصادقة إيران على قوانين مكافحة غسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وفق معايير فريق عمل (إف.أي.تي.إف) لتسهيل التعامل المصرفي معها. وذلك لعدم تورط مصارف هذه الدولة في تهمة تمويل الإرهاب أو غسيل الأموال.
 
وتسعى إيران إلى تطبيق معايير وضعتها قوة مهمات العمل المالي الدولية، وهي مجموعة دولية تضم وكالات حكومية معنية بمكافحة غسل الأموال، على أمل أن تُحذف من قائمة سوداء تثني بعض المستثمرين الأجانب عن التعامل معها. وفي أواخر يونيو/حزيران، قالت قوة مهام العمل المالي الدولي إنها أمهلت إيران حتى أكتوبر/تشرين الأول لاستكمال إصلاحات تجعلها تساير المعايير العالمية، وإلا واجهت عواقب قد تزيد عزوف المستثمرين في وقت تنتظر على الأرجح عودة العقوبات الأمريكية عليها.
 
ويعارض المحافظون في البرلمان الإيراني تمرير تشريع لتسهيل التزام معايير قوة مهام العمل المالي الدولية، بدعوى أنه قد يعرقل الدعم المالي الذي تقدمه إيران لحلفاء في المنطقة، مثل “حزب الله” الذي تصنفه الولايات المتحدة منظمة إرهابية.
 
وكان المرشد علي خامنئي أكد في يونيو/حزيران أن البرلمان ينبغي أن يقر التشريع لمكافحة غسل الأموال وفقاً لمعاييره الخاصة. وتحد توصية خامنئي من فرص سن قوانين تستند إلى متطلبات قوة مهام العمل المالي الدولية.
 
فقد رفض مجلس صيانة الدستور في طهران الإصلاحات القانونية التي اقترحها البرلمان لمواجهة غسيل الأموال.
 
وقد أعلن مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي يتدخل للبت في القضايا التي يعجز عنها مجلس صيانة الدستور، أعلن رفضه للائحة انضمام إيران إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة ومجموعة العمل المالي الدولية FATF. ومسببًا ذلك الرفض، وهو ما يعني إمكانية النقاش حول هذه الاتفاقيات.
 
ولذلك، أعلن المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، على كدخدايي، عن وجود إشكاليات علي مشروعي قانوني “باليرمو” وإصلاح قانون مكافحة غسيل الأموال. وانضمام إيران إلي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة “باليرمو”، هو واحد من القوانين الأربعة المرتبطة بـ FATF.
 
وطالب السفير النمساوي، “شتيفان شولتز”، بضرورة تعامل إيران الجاد مع مجموعة العمل المالي الدولية “FATF” وإزالة العقبات، فقد بقي وقت قصير حتي أكتوبر/تشرين الأول القادم، وهي المهلة التي منحتها الهيئة الدولية لإيران لاتخاذ خطوات للانضمام لهذه المعاهدة الدولية.
 
وقال السفير النمساوي، أن الاتحاد الأوروبي يسعى لفتح قنوات مالية مع إيران لأن قطع الصادرات سيعود بالضرر على الاتحاد بنحو 10 مليارات دولار.
 
ويبدو أن حكومة روحاني مطمئنة للدخول في هذه الاتفاقية في النهاية؛ لأنها سبيل مهم لطمأنة المجتمع الدولي وكسب ثقته، وتعزز من مكانة النظام المصرفي الإيراني في الخارج؛ ولكنها تتريث لمساومة القوى الأوروبية، وكذلك لكسب تأييد المحافظين في إيران أولًا وطمأنتهم.
 
ولذلك، صرح المتحدث باسم حكومة روحاني، عن مشاريع القوانين الأربعة المعروضة على البرلمان الإيراني ذات الصلة بمعاهدة “بالرمو”، أنها نافعة وتصب في مصلحة عملية مكافحة غسيل الأموال وتأتي في إطار الدستور الإيراني وتسد الطريق أمام أي استغلال اقتصادي. وأن بعض الدول تتمنى عدم مصادقة إيران على هذه المشاريع القانونية كي تتخذ من ذلك ذريعة ضدنا وتطرح قضايا تستهدف النظام المصرفي الإيراني.

ربما يعجبك أيضا