العلاقات التركية مع ألمانيا .. تخفيف التحذيرات من تركيا وحظر صادرات السلاح إليها

يوسف بنده

رؤية
 
شهدت العلاقات التركية – الألمانية توترات متصاعدة منذ محاولة الانقلاب بتركيا في 15 يوليو 2016، حيث نددت الحكومة الألمانية بشدة بعمليات التطهير التي نفذتها السلطات التركية بعد المحاولة الانقلابية، واعتقال أكثر من 50 ألف شخص، بينهم من يحمل الجنسية الألمانية، “لأسباب سياسية”.
 
وكانت ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية قد منعت أية أنشطة أو حملات دعائية انتخابية تركية على أراضيها، ما عرضها لانتقادات أردوغان وحزبه العدالة والتنمية.
 
كما كانت العلاقات الألمانية-التركية توترت العام الماضي بسبب القبض على عدد من الألمان في تركيا لأسباب سياسية. ومنذ الإفراج عن الصحفي الألماني-التركي دينيس يوجيل في فبراير الماضي بدأت حدة التوتر في العلاقات تتراجع نسبيا.
 
وكانت الحكومة الألمانية قد شدّدت بقوة توجيهات السفر إلى تركيا قبل عام كردّ فعل على إلقاء القبض على داعية حقوق الإنسان الألماني بيتر شتويتنر، وكانت هذه هي البذرة الرئيسية لسياسة ألمانية جديدة وقاسية تجاه تركيا اتبعتها الحكومة الألمانية منذ ذلك الوقت، خاصة وزير الخارجية السابق زيجمار جابريل.
 
تخفيف التحذيرات
 
على الرغم من عدم رضا ألمانيا التام عن رفع حالة الطوارئ في تركيا وتخوّفها من الالتفاف على ذلك بقانون مُحتمل لمكافحة الإرهاب، إلا أنّ وزارة الخارجية الألمانية قد خففت نسبيا من تحذيرات السفر إلى تركيا التي تُعدّ مقصدا مُحببا لقضاء العطلات لدى الألمان بعد إلغاء حالة الطوارئ هناك.
 
وألغت الوزارة سلسلة كبيرة من توجيهات تحذيرية كانت تتعلق بحالة الطوارئ في تركيا.
 
غير أن الوزارة أشارت إلى أنه ما يزال هناك “خطر كبير بالقبض على الأشخاص” داخل تركيا.
 
وقال تقرير لصحيفة “فرانكفورتر ألجماينه” الألمانية إن الحكومة الألمانية تخلت كذلك عن فرض عقوبات أخرى على تركيا: حيث كانت تعتزم عدم منح غطاء مالي لضمان الصادرات إلى تركيا.
 
وتعتزم الحكومة الألمانية إلغاء الحد الأقصى الخاص بضمانات القروض التي تمنحها الحكومة للاستثمارات في تركيا.
 
وأكدت وزارة الاقتصاد الألمانية في ساعة متأخرة من مساء الجمعة ردا على استفسار من وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) أن الحد الأقصى لما يعرف باسم “ضمانات هيرمس”، والذي بلغ العام الماضي 5ر1 مليار يورو، سيجرى إلغاؤه.
 
وقالت متحدثة باسم الوزارة: إن السلطات ستستمر في فحص كل طلب من الطلبات المقدمة للحصول على ضمانات هيرمس “على نحو شامل ومكثف للغاية”.
 
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الألمانية فرضت العام الماضي حدا أقصى لضمانات هيرمس، لممارسة ضغوط على حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال ذروة الأزمة الألمانية-التركية، إلا أن هذا الحد لم يكن له تأثير ملموس، لأنه كان يزيد بواقع الثلث عن قيمة الضمانات المالية التي حصلت عليها شركات ألمانية تتعامل مع تركيا عام 2016.
 
تجدر الإشارة أيضًا، إلى أن ضمانات هيرمس تهدف إلى حماية شركات التصدير الألمانية من تكبد خسائر جراء توقف شركائها التجاريين في الخارج عن السداد.
 
وتعتبر تركيا من الدول التي يحق للشركات الألمانية الحصول على ضمانات هيرمس عند إجراء صفقات معها.
 
وذهبت نسبة كبيرة من ضمانات هيرمس لصالح صفقات مع روسيا ومصر والولايات المتحدة عام 2016.
 
وكان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس قد وصف إنهاء حالة الطوارئ في تركيا بأنها “إشارة مهمة”، إلا أنه حذر في الوقت ذاته من حدوث تمديد لها عبر الأبواب الخلفية.
 
وقال ماس لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): “الدستور الجديد يمنح الحكومة التركية سلطات كبيرة”.
 
وفي الوقت الذي أنهت فيه الحكومة حالة الطوارئ، تقدمت الحكومة بالفعل بمسودة قانون صارم لمكافحة الإرهاب ليحل محلها.
 
وقف صادرات السلاح
 
شكل قرار الحكومة الألمانية بإيقاف تصدير الأسلحة الألمانية إلى تركيا ضربة للسياسة التركية التي اتسمت بالتصعيد، ولاسيما في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في 24 يونيو الماضي، وفاز فيها رجب طيب أردوغان بالرئاسة، وأدخل النظام الرئاسي الجديد حيّز التنفيذ في البلاد.
 
وقد أوقفت الحكومة الألمانية الجديدة صادرات الأسلحة لتركيا بالكامل تقريبا خلال الأشهر الأولى من توليها المهام رسميا.
 
فقد ذكرت وزارة الاقتصاد الألمانية ردا على طلب إحاطة من الكتلة البرلمانية لحزب “اليسار” أنه لم تتم المصادقة على تصاريح بتصدير أسلحة لتركيا إلا في حالات قليلة خلال الفترة من 14 مارس -يوم تنصيب الحكومة الجديدة- حتى 30 يونيو الماضي.
 
وبحسب البيانات، وافقت الحكومة الألمانية خلال هذه الفترة على إصدار 5 تصاريح بتصدير أسلحة لتركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بقيمة 418279 يورو. وللمقارنة: بلغ عدد تصاريح تصدير الأسلحة الألمانية لتركيا خلال الفترة من يناير حتى 13 مارس الماضي 34 تصريحا بقيمة 7ر9 مليون يورو.
 
وبلغ إجمالي عدد تصاريح تصدير الأسلحة الألمانية لتركيا العام الماضي 138 تصريحا بقيمة 2ر34 مليون يورو، وبقيمة 9ر83 مليون يورو عام2016.
 
وتعتبر تركيا شريكاً مهماً على المستوى الاستراتيجي لألمانيا، لكن تصدير الأسلحة إليها يمثل إشكالية أيضا.
 
فبالرغم من أن تركيا عضو في الناتو مثل ألمانيا، تزايدت الانتقادات ضد تصدير أسلحة إليها منذ توغل القوات التركية في منطقة عفرين شمالي سورية في يناير الماضي لمكافحة وحدات حماية الشعب الكردية. وكان من بين الأسلحة التي استخدمتها تركيا في عمليتها العسكرية بعفرين دبابات ألمانية من طراز “ليوبارد”.
 
تجدر الإشارة إلى أن المبادئ التوجيهية الألمانية بشأن تصدير الأسلحة تعد تقييدية بشكل كبير على نحو قد لا يكون موجودا في أي دولة أخرى بالعالم، فهي تحظر على سبيل المثال تصدير أية أسلحة إلى مناطق نزاع حول العالم.
 
وتنص هذه المبادئ على ما يلي: “لا يتم إصدار تصريح بتوريد أسلحة حرب أو معدات تسلح أخرى تقترب من كونها أسلحة حرب لدول متورطة في نزاعات مسلحة أو لأي مكان آخر يواجه مثل هذا الخطر”.
 
وفي مطلع سبتمبر من العام الماضي، أعلنت الخارجية الألمانية تعليق صادرات السلاح الرئيسة إلى أنقرة “بسبب تصاعد التوتر بين البلدين ووضع حقوق الإنسان المتدهور في تركيا”.
 
لكنّ خبير أسلحة في الجيش الألماني أكد أن القوات المسلحة التركية استخدمت في عمليتها العسكرية ضد مسلحين أكراد في منطقة عفرين شمالي سورية دبابات ألمانية. وذكر الخبير أنّ صور العملية العسكرية تظهر فيها دبابات من طراز “ليوبارد 2 إيه 4” المنتجة في ألمانيا.
 
عودة مدرسة ألمانية
 
وفي إطار العلاقات التركية الألمانية، فقد أعادت المدرسة التابعة للسفارة الألمانية في مدينة إزمير التركية فتح أبوابها من جديد، وذلك بعد أن كانت السلطات التركية قد أغلقتها منذ ثلاثة أسابيع.
 
وقد أعلن مدير مدرسة ألمانية في تركيا أن المدرسة التي كانت قد أغلقتها السلطات التركية مفتوحة حاليا من جديد.
 
وقال مدير المدرسة ديرك فيليبي اليوم الخميس: “إنني سعيد للغاية. يمكننا الآن استئناف العمل بالضبط مع بدء العام الدراسي الجديد في نهاية شهر أغسطس القادم”.
 
جدير بالذكر أن هذه المدرسة هي فرع للمدرسة الخاصة التابعة للسفارة الألمانية في أنقرة.
 
يذكر أن وفدا من السلطات التعليمية من محافظة إزمير غربي تركيا ومن المنطقة التعليمية التي تقع بها المدرسة في بلدة أورلا بمحافظة إزمير، وبرفقتهم أفراد شرطة قاموا بزيارة مفاجئة للمدرسة قبل ثلاثة أسابيع تقريبا وأوضحوا أنه ينقصها “الأساس القانوني”، ثم تم إغلاقها.
 
يشار إلى أن العملية التعليمية في المدرسة لم تتعرض لأي إزعاج بسبب ذلك، لأن العطلة الصيفية كانت قد بدأت بالفعل.
 
وبدأ السفير الألماني في أنقرة مفاوضات مع وزارتي التعليم والخارجية التركيتين. وعلى ما يبدو أن الأمر تعلق خلال هذه المفاوضات بـ “قضايا مفتوحة” أيضا بشأن المدارس الألمانية الأخرى في تركيا.
 
وبحسب تصريحات من أوساط محيطة، فإنه من المخطط أن تكون هناك لقاءات أخرى.
 
وكانت السفارة الألمانية قد قالت في بيان لها “نحن نطلب من الحكومة التركية أن تفسر لنا بشكل عاجل لماذا تم غلق المدرسة؟” معتبرة أن هذه المؤسسات تشكل عنصرا “أساسيا” في العلاقات الثقافية والتربوية بين البلدين.
 
وتعتبر المدارس الألمانية في تركيا عنصرا جوهريا في إطار العلاقات الثقافية والتعليمية بين البلدين.
 
وتقول الصفحة الرسمية للحكومة الألمانية عن جهات التمثيل الألمانية في تركيا إن المدرسة هي “فرع لمدرسة خاصة تابعة للسفارة الألمانية في أنقرة”، تأسست عام 2008.
 
وتفيد بيانات مدير المدرسة أن حوالي 180 طفلا يتعلمون فيها وفي رياض الأطفال التابعة لها.

ربما يعجبك أيضا