“الحروب السيبرانية”.. المفهوم والأنماط والتداعيات على الأمن الدولي

حسام السبكي

حسام السبكي

مع تطور الفضاء الإلكتروني، وتنوع وسائل استخدامه، ما بين الأنماط المدنية والعسكرية، التي أضحت ساحات حديثة ومتطورة للتفاعلات الدولية، ما جعله ميدانًا للصراعات المختلفة، بين الكيانات والأفراد وحتى الدول، بغية استحواذ القدر الأكبر والنصيب الأوفى من النفوذ على هذا الصعيد.

تزامنًا مع ذلك التطور، برزت على الساحة الإعلامية ما عُرف بظاهرة “الحروب السيبرانية”، أو “Cyber wars”، والتي اكتسب بدورها خصائص مميزة عن نظيراتها من الحروب التقليدية، سواءً على مستوى الأنشطة العدائية، أو القائمين عليها، وحتى على حجم التأثير على الأمن العالمي.

ومن خلال استقراء الوقائع والأحداث، نجد أن “الحروب السيبرانية”، تنوعت بين نمطين من القوة “الناعمة والصلبة”، الأمر الذي جعل منها تهديدٍ صريحًا ومباشرًا لأمن البنية التحتية الكونية للمعلومات.

في التقرير التالي، نستعرض مفهوم “الحروب السيرانية”، والجدل المُثار حولها، خاصة مع تلبس الأمر بالنسبة للبعض في مصطلحات أخرى كـ “الإرهاب الإلكتروني”، والحروب غير النمطية، كما نستعرض أهم الأسباب المرتبطة أو المفسرة لإندلاع مثلك الحروب، وأبرزها من الأحداث والوقائع الدولية، وأيضًا تداعياتها ومخاطرها على الأمن الدولي.

ما هي الحروب السيبرانية؟

يُعرف الدكتور “عادل عبدالصادق” في كتابه “حروب المستقبل.. الهجوم الإلكتروني على برنامج إيران النووي”، أن الحرب الإلكترونية، ترتبط بالأساس بالتطبيقات العسكرية للفضاء السيبراني، وهي تعني -في إحدى تعريفاتها- أن تقوم دولة أو كيان ما بشن هجوم إلكتروني، وذلك في إطار متبادل، أو حتى من طرف واحد.

وعلى الرغم من انتشار مصطلح “الحرب الإلكترونية”، على نطاقٍ واسعٍ على المستوى الإعلامي، فإن المصطلح ذاته يعد قديمًا، خصوصًا مع اقترانه على على رصد حالات التشويش على أنظمة الاتصال، والرادار، وأجهزة الإنذار المعروف إبان حروب القرن العشرين، أما في الوقت الراهن، فإنه يرتكز على تفاعلات الفضاء الإلكتروني، مع دخول شبكات الإتصال والمعلومات الرقمية إلى المجال العسكري.

وبناءً على ما سبق، فمع تمدد الأعمال العدائية في الفضاء الإلكتروني، ووصولها إلى البنية التحتية المعلوماتية للدول، لتحقيق العديد من الأغراض “سياسية. إجرامية. اقتصادية….”، فقد تجاوز الأمر مفهوم الحروب الإلكترونية، ليحلو للبعض تسميته بـ “الحرب السيبرانية”، تعبيرًا عن الشكل الجديد للحروب الإلكترونية، خصوصًا مع كون لفظة “حرب” جدلية، فالأنشطة العدائية الإلكترونية المعروفة لها مصطلحات أخرى، مثل: “الإرهاب الإلكتروني”، أو “الهجمات الإلكترونية”، وما شابه.

فالحروب بشكلها التقليدي، تقوم على المواجهات العسكرية المباشرة بين الجيوش النظامية، ويسبقها في الغالب إعلان صريح لحالة الحرب من دولة إلى أخرى، ويكون لها ميدان محدد للقتال، أما على الجانب الآخر، فإن هجمات الفضاء الإلكتروني، تكون غير محددة المجال، ولا التوقيت، ولا حتى بدايتها أو نهايتها، وتكون أهدافها غامضة، علاوة على اعتمادها على أسلحة إلكترونية تناسب طبيعة المهام التي تقوم لأجلها.

تهديدات دولية

مع ربط العديد من الدول، في السنوات الأخيرة، مصالحها القومية بالفضاء الإلكتروني، وتزايد الاعتماد على ربط بنيتها التحتية ببيئة الفضاء الإلكتروني، في إطار متشابك، وهو ما يطلق عليه ” البنية التحتية القومية للمعلومات (NII)”، كقطاعات “الطاقة والاتصالات والتجارة الإلكترونية والنقل، ومختلف الخدمات الحكومية والمالية”، وعليه، فإن أي هجوم أو حتى مجرد تهديد محتمل، باستهداف أيًا من تلك القطاعات، يشكل خطرًا على التوازن الاستراتيجي، ومن ثم يمثل عبئًا جديدًا في إطار “تهديد الأمن القومي للدول”.

ومن أهم الأسباب التي ساعدت على تنامي التهديدات الإلكترونية للمصالح المباشرة للدول، وبالتالي إيجاد المناخ الخصب لظهور “الحروب السيبرانية”، وجود مجموعة مما يمكن تسميته بـ “المحفزات”، ومنها ما يلي:

* الارتباط المتزايد للعالم بالفضاء الإلكتروني، ما جعل المجال أوسع لتتطال البنية التحتية المعلوماتية للدول هذا الخطر، ولا نغفل استخدامه من قبل بعض الجماعات الإرهابية لتحقيق مآرب وأهداف، تنال من الأمن القومي للدول والأنظمة السياسية التي تعاديها.

** التراجع الملحوظ للدولة بشكلها التقليدي، في ظل مستجدات “العولمة”، وانسحابها من عددٍ من القطاعات الاستراتيجية والحيوية لصالح القطاع الخاص، وفي ذات الوقت، تعاظم أدوار الشركات الأجنبية وتلك المتعددة الجنسيات، خصوصًا في مجال التكنولوجيا، لتصبح معه أحد اللاعبين المؤثرين في الفضاء الإلكتروني، ولاسيما مع تفوقها في القدرات التقنية عن الحكومات.

*** من بين المحفزات أيضًا لحروب الفضاء الإلكتروني، هو سهولة استخدام من قبل بعض الكيانات أو حتى الدول ضد الدول المعادية لها، دون الحاجة إلى الدخول إلى أراضيها بالشكل المتعارف عليه، خصوصًا -وكما ذكرنا سلفًا- مع اعتماد الدول على الأنظمة الإلكترونية في غالبية منشآتها الحيوية، ما يجعلها عرضة لهجوم مزدوج.

**** التكلفة الإجمالية لـ”الحروب السيبرانية”، تعد أقل بكثير، من نظيراتها التقليدية، فالهجوم الإلكتروني، قد لا يتكلف قيمة “دبابة”، حيث يحتاج إلى بعض الأسلحة الإلكترونية الحديثة والمتطورة، ومهارات وإبداعات بشرية، فضلًا عن عدم إلتزامه بقيود الوقت، أو الظروف السياسية، سواءً وقت السلم أم الحرب أم الأزمات، كما لا يتطلب تنفيذه سوى وقتٍ محدد.

***** أصبحت “الحروب السيبرانية”، مؤخرًا مجالًا لإظهار قوة الدول، ووسيلة لاستعراض مزايا تفوقها وتأثيرها على الدول المعادية، بغض النظر عن القوة الاقتصادية أو العسكرية للدول المتفوقة في ذلك، وعليه ظهر ما يسمى بـ “الاستراتيجية السيبرانية”، حيث تبنتها الدول كمجال للتوظيف والتشغيل في ساحات الفضاء الإلكتروني، وأضحت دلالة على حجم التنمية في هذا البلد، وبالتالي صارت عنصرًا من عناصر القوة القومية للدول.

****** تحولت المخاطر والتهديدات في مجال الفضاء الإلكتروني، إلى ميدان للتنافس بين الشركات العاملة في “الأمن الإلكتروني”، حيث تلجأ لها الدول لحماية بنيتها التحتية المعلوماتية، وخصصت لها بنود في ميزانيات الإنفاق العالمي، لمجابهة الفاعلين الآخرين من أفراد وكيانات الجريمة المنظمة والقراصنة، وغير ذلك.

أنماط الحروب السيبرانية.. ووقائع دولية


وإلى جانب التعريف بـ”الحروب السيبرانية”، ومحفزاتها، فإن لها العديد من الأنماط والأشكال، تتدرج من حيث القوة والتأثير، والتي يمكن أن نستعرضها فيما يلي:

1- الحرب السيبرانية الباردة:

فالحرب السيبرانية الباردة أو منخفضة الشدة، يتم استخدامها في حالة الصراعات ذات الطبيعة الممتدة وطويلة الأجل وعميق الجذور بين الدول، ولها جوانب مختلفة ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية.

وفي العادة، يتم اللجوء إلى نوع من “القوة الناعمة” في هذا النمط من الحروب السيبرانية، ولا تتطور على الأرجح إلى استخدام القوة المسلحة بالشكل المعروف، أو حتى بشن حروب إلكترونية على نطاقٍ واسع.

وكمثال على هذا النمط، نجد صراعات مثل “الصراع العربي – الإسرائيلي”، أو “الصراع الهندي – الباكستاني”، أو “الصراع بين الكوريتين الشمالية والجنوبية”.

وتنشط في هذا النمط أيضًا، جماعات دولية للقرصنة للتعبير عن مواقف سياسية، أو حقوقية، مثل “ويكيليكس”، و”أنونيموس”، كما يُستخدم في حالات الأزمات الدولية، كالتوتر الذي وقع بين إستونيا وروسيا في عام 2007، إلى جانب الاختراقات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة وروسيا، وكذا ما بين الولايات المتحدة وإيران.

وتعتبر الاتهامات الموكلة لروسيا بالقرصنة الإلكترونية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، لدعم المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” على حساب منافسته الديمقراطية “هيلاري كلينتون”، أحدث مثال لهذا النمط.

2- الحرب السيبرانية متوسطة الشدة:

وهو يعبر عن تحول الصراع في الفضاء الإلكتروني، إلى ساحة مشابهة للحروب التقليدية على الأرض، وقد يمهد لعمل عسكري حقيقي، ويتم فيه اختراق المواقع الإلكترونية، وتخريبها، وشن حرب نفسية ضد الخصوم، وغيره.
 
ويستمد ذلك النوع من الحروب السيبرانية شدته من قوة أطرافه، وارتباطها بعمل عسكري تقليدي، وتشير بعد التقديرات إلى أن تكلفة هذه الحروب قد تشكل 4 من إنفاق نظيراتها التقليدية، بما يمكن من تمويل حملة حربية كاملة عبر الإنترنت بتكلفة دبابة.

وقد تم اللجوء إلى هذا النمط من “الحروب السيبرانية”، في هجمات حلف الناتو في عام 1999 على يوغوسلافيا، حيث استهدفت الهجمات الإلكترونية تعطيل شبكات الاتصالات للخصوم، كما برزت أيضًا خلال الحرب بين حزب الله وإسرائيل في عام 2006، وبين روسيا وجورجيا في 2008، وفي المواجهات بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي في عامي 2008 و2012.

3- الحروب السيبرانية “الساخنة” أو مرتفعة الشدة:
يعبر هذا النمط تحديدًا عن الحروب في الفضاء الإلكتروني بشكل منفرد، ولا يرتبط بالجوانب أو العمليات العسكرية التقليدية، وهو نوع متقدم من الحروب، لم يسبق أن شهدها العالم، رغم بقاء احتمالية حدوثها قائمة في المستقبل، خصوصًا مع تطور القدرات التكنولوجيا، واتساع الاعتماد بين الدول والكيانات والأفراد على الفضاء الإلكتروني.
 
وينطوي هذا النمط من الحروب على سيطرة البعد التكنولوجي على إدارة العمليات الحربية، حيث يتم استخدام الأسلحة الإلكترونية فقط ضد منشآت العدو، وكذا اللجوء إلى الروبوتات الآلية في الحروب والطائرات دون طيار، وإدارتها عن بعد، بخلاف تطوير القدرات في مجال الدفاع والهجوم الإلكتروني، والاستحواذ على القوة الإلكترونية.

وقد شهدت الأسلحة الإلكترونية تطورا أكبر في قدرتها على التأثير في الخصوم، مثل أسلحة الميكروويف عالية القدرة، والهجمات الإلكترونية عبر الفيروسات، مثل شن إسرائيل هجمات فيروس ستاكسنت ضد المنشآت النووية الإيرانية بالتعاون مع الولايات المتحدة في عام 2010، وكان قد تم تطوير هذا الفيروس وتجربته في إسرائيل خلال عام 2007.

ربما يعجبك أيضا