مفتاح حل الأزمة بين “أنقرة” و”واشنطن” مع القضاء التركي!

يوسف بنده

رؤية
 
اندلعت في تركيا أزمة اقتصادية بعدما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على وزيرين تركيين في الأول من أغسطس بسبب احتجاز أنقرة للقس الإنجيلي الأميركي أندرو برانسون، الذي يواجه عقوبة محتملة بالسجن مدى الحياة بتهم دعم جماعات إرهابية محظورة.
 
وحقيقة أن برانسون، بعد نحو عامين من القبض عليه، أصبح الآن القضية الرئيسية التي تحدد مستقبل علاقات تركيا مع الولايات المتحدة، هي بالأساس نتيجة حسابات خاطئة من جانب أردوغان ومساعديه.
 
واعتقال قس أميركي عاش في تركيا لأكثر من 20 عاما ويقود محفلا يقل عن 50 فردا واتهامه بجرائم إرهابية ثم محاولة استغلاله كورقة مساومة ضد الولايات المتحدة، كل هذا قد أتى بنتائج عكسية.
 
ونتيجة لذلك، فإن الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي قال مرارا إن تركيا لن تذعن أبدا للتهديدات والابتزاز، يسعى الآن للمساعدة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أجل إيجاد مخرج من الورطة.
 
ولم تكن العلاقات الأميركية التركية في أفضل حالاتها وأخذت تتراجع شيئا فشيئا خلال الفترة الماضية.
 
ليس هذا هو الشكل الأمثل لعلاقة بين بلدين عضوين في حلف شمال الأطلسي يملكان سويا تاريخا طويلا في العمل المشترك من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والأمن القومي الذي يشكل أساس الرخاء لشعوب البلدان الأعضاء في التكتل العسكري الغربي.
 
ولا شك في أن تركيا مدينة في نموها الاقتصادي عبر العقود الماضية للاستثمارات الآمنة، نسبيا، التي توفرها البيئة المناسبة من قبل حلف شمال الأطلسي، وهي بيئة لها تقريبا نفس الأثر الذي أحدثته سياسات اقتصادية ناجحة طبقتها الحكومات التركية الأخيرة.
 
حل يحفظ ماء الوجه
 
بعد 24 ساعة من تعيينه نائبا لوزير الخارجية، تم إرسال سادات أونال على عجل إلى واشنطن بصحبة وفد رفيع المستوى من مسؤولي وزارتي المالية والعدل. لكن الوفد عاد خالي الوفاض بعدما لم تحصل الولايات المتحدة على تأكيدات بأنه سيتم إطلاق سراح برانسون على الفور. وتستعد إدارة ترامب حاليا لتشديد العقوبات.
 
ويقول الكاتب التركي، ذوالفقار دوغان، الآن من أجل الإفراج عن برانسون والسماح له بالعودة إلى الولايات المتحدة، تحتاج تركيا للوصول إلى صيغة تحفظ ماء الوجه وإلا فسوف يكون على حكومة أردوغان أن تسحب مزاعمها بأن القضاء التركي مستقل وتسقط الاتهامات بأن برانسون قد ساعد جماعات إرهابية وكان جاسوسا.
 
ولن تكون هذه المرة الأولى التي تغير فيها تركيا موقفها جذريا. فقد عاد الصحفيان دينيز يوجيل وميسالي تولو والناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان بيتر شتويتنر، الذين وصفهم أردوغان بأنهم “أعضاء منظمات إرهابية وجواسيس ألمان” إلى ألمانيا بعد شهور من السجن. وعلى نحو مشابه، فقد أفرج القضاء “المستقل” عن الصحفي الفرنسي لوب بورو، الذي اعتقل واتهم بالانتماء إلى منظمة إرهابية وبأنه جاسوس، وذلك بعد اتصال هاتفي بين أردوغان ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.
 
وفي مواجهة هبوط سعر الليرة وانخفاض الاحتياطيات النقدية الأجنبية إلى 21 مليار دولار، لا يملك البنك المركزي التركي موارد كافية للتدخل في سوق العملة، ويتعين عليه الجلوس ومراقبة ما سيحدث. وفيما يزيد من ضعف ثقة السوق، لم يلق أردوغان بالا بتحذير البنك المركزي على استحياء من أن المزيد من التوسع المالي ربما يستلزم بالضرورة تشديد السياسة النقدية في المستقبل ويؤدي إلى الركود. وبدلا من ذلك، أعلن أردوغان أنه سينفق 46 مليار دولار في خطة عمل لمئة يوم.
 
لكن النزاع بشأن برانسون أجبر الحكومة على التفكير. ويقول جميل إرتيم مستشار أردوغان الاقتصادي إنه لا يمكن تحديد مستويات مستهدفة لأسعار الصرف، وذلك بعدما قال في السابق إن أسعار الصرف والفائدة ستبدأ في الانخفاض بعد انتخابات 24 يونيو.
 
وأعطى جودت يلماظ نائب رئيس الحزب الحاكم للشؤون الاقتصادية رسالة أكثر سخرية. فقد قال “التقلب في أسعار الصرف سينتهي عاجلا أو آجلا”، في عبارة تذكر بما يكتب عن مدخل المقابر التركية “كل حي سيذوق الموت عاجلا أو آجلا”.
 
وحتى وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة، والتي كانت قد طالبت بإعادة برانسون إلى السجن بعدما نُقل منه إلى الإقامة الجبرية، تدعو الآن إلى إعادته إلى الولايات المتحدة.
 
من المنطقي افتراض أن تركيا تسعى إلى كسب شيء ما من وراء الإفراج عن برانسون لكي تتجنب حرج التراجع بسهولة، لكن يبدو أن الحكومة الأميركية تقول “أطلقوا سراح برانسون أولا، بعد ذلك سننظر في الأمر”.
 
وعلاوة على العقوبات الأميركية، تواجه تركيا ضغطا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب هجوم محتمل للحكومة السورية على محافظة إدلب، حيث ينشر الجيش التركي 12 موقعا للمراقبة فيما يسمى منطقة خفض التصعيد جرى الاتفاق عليها بين تركيا وروسيا وإيران. 
 
تقول الحكومة السورية وداعموها الروس إنه حان الوقت لطرد الجهاديين من إدلب، حيث تهيمن قوات من المعارضة السورية، تدعمها تركيا، ومقاتلون كانوا تابعين سابقا لتنظيم القاعدة.
 
وقد تؤدي عملية للحكومة السورية في إدلب التي يقطنها نحو مليوني شخص إلى تدفق جديد للاجئين وربما للجهاديين بينهم على تركيا.
 
وتركيا معزولة بسبب صراعها مع الولايات المتحدة ونزاعاتها مع روسيا حول سوريا، ويتعين عليها أن تمضي بحذر في محاولة لتجاوز حقل ألغام دبلوماسي وجدت نفسها فيه.
 
الحل مع القضاء
 
يبدو أن القضاء سيقدم الحل للأزمة بين أنقرة وواشنطن، وفي نفس الوقت يحفظ ماء وجه الحكومة التي لطالما صاحت بالشعارات النارية في وجه الولايات المتحدة الأمريكية.
 
فقد تقدم محامي القس الأمريكي، آندرو برونسون، بطعن على قرار محكمة تركية فرض الإقامه الجبرية وحظر السفر على موكله.
 
وحسب وكالة الأناضول التركية، فقد تقدم محامي برونسون، “إسماعيل جيم هالافورت”، بطعن إلى محكمة إزمير الجزائية الثانية على قرار صادر من القضاء التركي بفرض الإقامة الجبرية وحظر السفر على القس الأمريكي الذي يحاكم في تركيا بتهم ” التجسس والإرهاب”.
 
وقرر القضاء التركي حبس برونسون، في 9 ديسمبر/كانون الأول 2016، على خلفية عدة تهم تضمنت ارتكابه جرائم باسم منظمتي “كولن” و”بي كا كا” الإرهابيتين تحت ستار وضعه كرجل دين، وتعاونه معهما رغم علمه المسبق بأهدافهما، قبل أن يصدر قرار قضائي بفرض الإقامة الجبرية عليه لدواعي “صحية”.
 
وفي 25 يوليو/تموز الماضي، رفضت محكمة إزمير الجزائية الثانية، طلب محامي برونسون بالإفراج عن موكله، وقررت تمديد حبس الأخير على ذمة القضية عقب الاستماع إلى الشهود؛ ما أثار حفيظة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي هدّد بفرض عقوبات ضد أنقرة، وهو ما رفضه المسؤولون الأتراك بشدة.
 
مستندات جديدة
 
وقال الكاتب الصحفي التركي، عبد القادر سيلوي إن أزمة القس الأمريكي أندرو برونسون التي عصفت بالاقتصاد التركي والليرة قد تنتهي قريبًا.
 
وذكر “سيلوي” في مقاله بصحيفة “حريت” المقربة من حزب العدالة والتنمية، أن إطلاق سراح برونسون أمر قد يحدث قريبًا، إذا أعلنت السلطات الكشف عن مستندات جديدة في قضيته، أو إذا أثبت أن حالته النفسية سائت جراء الاعتقال لفترة طويلة.
 
وجاء في مقال الكاتب عبد القادر سيلوي بعنوان “هناك إشارة من ترامب”: “إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يريد رؤية برونسون في والولايات المتحدة الأمريكية من غير أي قيد أو شرط. لست متأكدًا مما إذا كانت أمريكا تطلب رد برونسون حقًا. وهل يخضع أردوغان أمام تهديدات ترامب؟ هل سيوافق الشعب التركي على ذلك؟”.
 
وأضاف سيلوي: “ما هو الوضع القانوني الخاص ببرونسون المحكوم عليه بالإقامة الجبرية في منزله؟ لا يوجد أي عائق أمام إطلاق سراح برونسون قريبًا، في حالة الكشف عن مستندات جديدة في قضيته. وقد يكون كافيًا إعداد تقرير حول تدهور حالته النفسية جراء الاعتقال لفترة طويلة. المحامي له الحق في الطعن على قرار الاعتقال كل شهر.
 
ويقال إنه لا داعي لانتظاره ولو شهر واحد لأنه محتجز على ذمة التحقيقات. ولكن هل سيكون هذا ممكنًا عقب حرب أمريكا وتركيا؟”.
 
من لائحة الاتهامات
 
والقس برونسون جرى اعتقاله في أعقاب محاولة انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016، وفي 9 ديسمبر/ كانون الأول صدر في حقه مذكرة اعتقال وأرسل إلى السجن.
 
وتوجه السلطات التركية للقس الأمريكي تهم الانتماء لحركة الخدمة وحزب العمال الكردستاني، مطالبة بالحكم عليه بالسجن 15 عامًا، بالإضافة لـ 20 عامًا أخرى بتهمة التجسس السياسي والعسكري والكشف عن معلومات سرية.
 
وتضمنت لائحة الاتهام ضد برونسون أن الأخير “كان يعرف الأسماء المستعارة لقياديين من “كولن” والتقاهم، وأنه ألقى خطابات تحرض على الانفصالية، وتتضمن ثناءً على منظمتي (بي كا كا) و(كولن) في كنيسة (ديريلش) بإزمير”.
 
كما وجهت اللائحة لبرونسون تهمة “إجراء دراسات ممنهجة في المناطق التي يقطنها الأكراد خصوصًا، وتأسيس “كنيسة المسيح الكردية”، التي استقبلت مواطنين من أصول كردية فقط في إزمير”.
 
ولفتت اللائحة إلى “العثور على صور ضمن مواد رقمية تخص برونسون تظهر حضور القس اجتماعات لمنظمة “كولن”، وأخرى فيها رايات ترمز للمنظمة الانفصالية (بي كا كا)”.
 
وأكدت اللائحة “توجه برونسون مرارا إلى مدينة عين العرب (كوباني) شمالي سوريا، التي ينشط فيها تنظيم (ي ب ك/بي كا كا) الإرهابي، وقضاء سوروج المحاذي لتلك المدينة السورية وذلك في إطار الاستراتيجية العامة لـ(بي كا كا)”.
 
كما احتوت اللائحة على رسالة بعثها برونسون إلى أحد المسؤولين العسكريين الأمريكيين يعرب فيها عن حزنه لفشل محاولة الانقلاب في تركيا، منتصف يوليو/تموز 2016، ورسالة كانت على هاتفه تقول: “كنا ننتظر وقوع أحداث تهز الأتراك، وتشكلت الظروف المطلوبة لعودة عيسى، ومحاولة الانقلاب صدمة، والكثير من الأتراك وثقوا بالعسكر كما السابق، وأعتقد أن الوضع سيزداد سوءا، وفي الهاية نحن سنكسب”.
 
وشددت اللائحة على أن “أنشطة برونسون التي يقوم بها تحت غطاء كونه رجل دين لا تتوافق مع صفته راهبا”.

ربما يعجبك أيضا