ترامب يتحوط بالعقوبات.. هل يخسر الدولار؟

حسام عيد – محلل اقتصادي

مجددًا تطفو فكرة الاستغناء عن الدولار في التعاملات الدولية على السطح مع شن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملة عقوبات مغلظة وغير مسبوقة على روسيا، إيران وتركيا من منطلق خدمة “أمريكا أولًا” وتقويض الأنظمة المارقة.

وعلى الرغم من مساهمة تصاعد الأزمة بين أنقرة وواشنطن في ارتفاع الدولار إلى أعلى مستوى في 13 شهرًا مقابل اليورو والين والاسترليني وثلاث عملات أخرى 96.794، بنسبة 0.4%، بعدما زاد التجار حيازاتهم من العملة الأمريكية كملاذ آمن بفعل مخاوف من تداعيات الهبوط الذي منيت به الليرة التركية في الآونة الأخيرة، إلا أن قادة تركيا وروسيا وإيران يسعون حثيثا للتعامل بعملاتهم الوطنية في التعاملات التجارية الدولية أو اتخاذ عملات بديلة كملاذ آمن والاستغناء عن الدولار.

إيران تتحايل على العقوبات باليورو

في محاولة للالتفاف على العقوبات الأمريكية التي تسببت في انهيار العملة الإيرانية وملامستها لمستويات 122 ألف ريال للدولار الواحد وأدخلت اقتصاد الملالي في نفق مظلم، لجأت طهران إلى العملة الأوروبية الموحدة “اليورو”.

وظلت طهران على مدى أعوام تسعى للتحول عن الدولار رغم أن غالبية التجارة الخارجية للبلاد ما زالت بالدولار الذي يستخدمه الإيرانيون في السفر والادخار.

قوة اليورو جعلت من إيران مكاناً يمكن زيارته بأسعار معقولة، وهذا ما دفع علي أصغر ماونيسان، نائب الرئيس رئيس منظمة التراث الثقافي والصناعات اليدوية والسياحة الايرانية، للقول بإن إيران يمكنها إيجاد مصدر بديل للدخل بالعملة الصعبة مع تعزيز إمكاناتها السياحية في الوقت الراهن.

وفي العام الماضي، توجه 5 ملايين زائر أجنبي إلى إيران. بينما يرغب ماونيسان فى أن يرتفع هذا العدد بشكل كبير هذا العام ، خاصة من دول الاتحاد الأوروبي.

وقال ماونيسان إن السياح سيكونون قادرين على تغيير أموالهم في مكاتب الصرافة في المستقبل وليس فقط في البنوك.

وكان البنك المركزي العراقي وجه مصارفه باستمرار حظر التعامل بالدولار مع فروع البنوك الإيرانية.

بدوره، أكد الخبير في الشؤون الاقتصادية الإيرانية، الأكاديمي مهدي تقوي، أن قرار الحكومة الإيرانية السابق بالتعامل مع اليورو، بدلا من الدولار في تعاملاتها الاقتصادية، سيقلل من تأثير العقوبات الأمريكية الجديدة.

وقال الخبير الإيراني، إن العقوبات القادمة ستستهدف الحوالات المالية، والنفط بشكل مركز، بما يخص العملة الأجنبية، فإيران اتخذت قرارا بالتعامل باليورو، وهذا قد يقلل من تأثير العقوبات التي تديرها أمريكا، وبما يخص النفط، فجميع المستوردين الذين يتعاملون مع إيران أكدوا أنهم لن يوقفوا استيرادهم، فما الذي سيتأثر في قطاع النفط، أعتقد أنه لا شيء.

وتابع تقوي أن “العقوبات الأمريكية الجديدة كان تأثيرها أقوى لو أن أوروبا مشتركة بها، لكن ما ستمنعه أمريكا ستعرضه أوروبا… الأوروبيون أكدوا لنا أنهم يدعمون الاقتصاد الإيراني، ولن يوقفوا تعاملهم معنا، وهذه نقطة قوة في الوقوف أمام المخطط الأمريكي”.

روسيا تفضل الروبل

قال الكرملين إن روسيا تفضل إجراء معاملات التجارة الثنائية مع جميع الدول بعملاتها الوطنية بدلا من الدولار، لكن هذه الفكرة تحتاج لبلورة التفاصيل قبل تنفيذه.

وفي مايو الماضي، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الياباني إلى التعامل بالروبل في الحسابات التجارية بين البلدين، في خطوة تهدف للحد من هيمنة العملة الأميركية عالميًا.

وقال بوتين خلال منتدى بطرسبورغ الاقتصادي: “الروبل عملة قابلة للتحويل والصرف، لذلك دعونا نتعامل بالروبل”، مشيرًا إلى إمكانية وضع آلية لتحويل الروبل إلى عملات أخرى مثل الين واليورو.

تركيا تدعم الليرة وترفض الدولار

في كلمة له خلال افتتاح مركز تجاري، وسط مدينة إسطنبول، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كلاً من روسيا والصين وإيران للتعامل بالعملات المحلية بدلاً من الدولار أو اليورو، مشيراً إلى أن المقترح لاقى رداً إيجابياً من مسؤولي تلك البلدان.

وأضاف أردوغان، “أنا متخصص في المجال الاقتصادي وأتمتع ببعض المعلومات، لكن العملات الأجنبية تُستخدم كأداة ضغط حاليًا”.

وانتقد أردوغان، ارتفاع نسبة الفائدة في بلاده، قائلا: “نسبة الفائدة التي تتعامل بها الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن هي 0.50%، ونرى أقل من ذلك في اليابان، في حين تصل النسبة في أوروبا إلى 1 أو 2%”.

ودعا مواطنيه إلى تحويل مدخراتهم من العملات الأجنبية إلى الليرة التركية أو الذهب، مشيرًا إلى ضرورة التعامل بالليرة التركية بدلاً من العملات الأجنبية، مشدّداً على أن ذلك من شأنه أن يُسهم في إفشال المؤامرات التي تستهدف تركيا واقتصادها، بحسب تعبيره.

ومن جانبه، وعد وزير المالية التركي براءت ألبيرق، بحماية الليرة بعدما هبطت إلى مستوى قياسي مقابل الدولار مسجلة 7.24 ليرة للدولار الواحد، مشيرا في الوقت ذاته إلى إن العملة الأمريكية “فقدت المصداقية” لأنها جرى استغلالها كأداة سياسية.

وتوقع ألبيرق ارتفاع الليرة وأن تستمر تركيا في اتخاذ إجراءات في إطار قواعد السوق الحرة لتقليل مخاطر العملات الأجنبية على الشركات.
وعلق في تصريحات لأعضاء حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان، قائلا: “سنحمي الليرة… الليرة ستقوى كثيرا خلال الفترة المقبلة”.

الدولار أداة محفوفة بالمخاطر

أكد وزير المالية الروسى أنطون سيلوانوف، أن روسيا ستواصل خفض حيازتها للأوراق المالية الأمريكية، وذلك ردًا على العقوبات الأخيرة، التي فرضتها الولايات المتحدة على موسكو.

وقال سيلانوف إن الدولار الأمريكي، أصبح أداة غير موثوقة بها في تعاملات التجارة الدولية.

وأوضح وزير المالية، أن روسيا تفكر في استخدام العملات الوطنية في معاملاتها الخارجية بدلاً من الدولار، مضيفا: “أنا لا أستبعد ذلك. لقد خفضنا استثماراتنا بشكل كبير في الأصول الأمريكية، في الواقع، أصبح الدولار، الذي يعتبر العملة الدولية، أداة محفوفة بالمخاطر في مسألة المدفوعات الدولية.

ونفى سيلاوانوف، أن يكون لدى حكومة موسكو، أي خطط لإغلاق الشركات الأمريكية في روسيا، ردا على العقوبات الأمريكية، قائلا: “نحن لا نخطط في الوقت الحالي لأي قيود وإغلاقات، على هذه الشركات”.

وكانت واشنطن أعلنت مطلع أغسطس الجاري عن فرض حزمتين جديدتين من العقوبات على موسكو، بسبب تورطها في قضية تسميم العميل الروسي، سيرجي سكريبال بـ”مواد كيماوية”.

وستدخل الحزمة الأولى حيز التنفيذ في 22 أغسطس، وتشمل حظر توريد الأجهزة الإلكترونية، وقطع الغيار ذات الاستخدام المزدوج (مدني وعسكري) إلى روسيا.

يذكر أن الحزمة الثانية ستطبق بعد 3 أشهر، أي في نوفمبر، إذا لم تقدم روسيا ضمانات بأنها لن تستخدم موادا كيماوية مستقبلا، وستشمل هذه الحزمة خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية، وحظر رحلات الناقلة الروسية “أيروفلوت” إلى الولايات المتحدة، فضلا عن تقليص حجم جميع الصادرات والواردات بين البلدين بشكل كبير.
 

ربما يعجبك أيضا