الغموض يحيط بالمشهد السياسي في الجزائر

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

دخلت الولاية الرابعة للرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة (81 سنة)، عامها الأخير، وهي أكثر فترات حكمه جدلا؛ بسبب تعرضه في أبريل/ نيسان 2013، لجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة ومخاطبة شعبه.

ولم يُظهر بوتفليقة، أو محيطه، مؤشرات واضحة حول نيته مغادرة الحكم، وسط دعوات من أنصاره، في أحزاب ومنظمات موالية، بالترشح لولاية خامسة، بينما يدعوه معارضون إلى مغادرة الحكم؛ بسبب وضعه الصحي الصعب (توجه بوتفليقة إلى جنيف، لإجراء فحوص طبية قبل أيام).

ويعاني اقتصاد الجزائر من تبعية مفرطة لعائدات المحروقات (نفط وغاز) التي تمثل 94 بالمائة من إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، وتعيش البلاد أزمة اقتصادية منذ 2014؛ جراء تهاوي أسعار النفط في السوق الدولية والتي أفقدت البلاد نصف مداخليها من النقد الأجنبي.

وتطالب أحزاب وشخصيات معارضة بوتفليقة، بعدم الترشح لولاية خامسة، بسبب ما تسميها متاعب صحية يعانيها، منذ عام 2013، ومن المرجح أن يتم إجراء انتخابات الرئاسة خلال أبريل/ نيسان أو مايو/ أيار 2019.

بوتفليقة والـ3 معارك

وقال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، إن بلاده تنتظرها ثلاث معارك في المرحلة القادمة؛ هي “إنهاء تبعية الاقتصاد للنفط، وتعميق الديمقراطية، والحفاظ على سيادة القرار”.

وأوضح بوتفليقة أنه “رغم كل الإنجازات والخطوات التي قطعتها بلادنا، ما زالت تنتظرنا معارك أخرى يجب أن ننتصر فيها”.

واستطرد “هذا إلى جانب معركة الحفاظ على الاستقلال الوطني وعلى سيادة القرار الجزائري في عالم مضطرب ومتقلب”.

وشدد الرئيس الجزائري على أنها “معارك تثقل كاهل بلادنا مثل غيرها من بلدان العالم، معارك تتطلب منا الاقتداء بالأسلاف الأمجاد، معارك تتطلب القيام بالعمل المشروع بالاعتماد على كافة قدرات الجزائر التي مازالت تنتظر توظيفا أفضل”.

إقالة قيادات

وقد أجرى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، تغييرات جديدة مست قائد القوات البرية، وقائدي الناحيتين العسكريتين: الرابعة بورقلة (جنوب شرق)، والسادسة بتمنراست (أقصى الجنوب الشرقي)، حسب مصادر إعلامية محلية.

حيث تم إنهاء مهام قائد القوات البرية العميد أحسن طافر، وتعويضه باللواء سعيد شنقريحة، الذي كان يشغل منصب قائد الناحية العسكرية الثالثة ببشار (جنوب غرب/ على الحدود المغربية)، كما أنهى مهام اللواء عبد الرزاق شريف، قائد الناحية العسكرية الرابعة بورقلة، وعين بوتفليقة في مكان هذا المسؤول العسكري، اللواء حسان علايمية، الذي شغل منصب نائب قائد ذات الناحية العسكرية.

أما قائد الناحية العسكرية السادسة بتمنراست اللواء مفتاح صواب، فسيتم تعويضه باللواء محمد عجرود،
وأشار بيان لوزرارة الدفاع الجزائرية، إلى أن الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، سيشرف غدا الثلاثاء، على مراسم تنصيب اللواء محمد عجرود، قائدا للناحية العسكرية السادسة، ولفت إلى أن التنصيب سيكون خلفا للواء مفتاح صواب، الذي عين على رأس قيادة الناحية العسكرية الثانية (وهران/ شمال).

وحسب البيان ذاته، فإن الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، سيقوم بعملية التنصيب باسم رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، عبد العزيز بوتفليقة.

وفي 22 أغسطس/آب الجاري، أنهى بوتفليقة، مهام مدير أمن الجيش محمد تيرش، وعين خلفا له اللواء عثمان بن ميلود.

ومنذ بداية الصيف أجرى الرئيس الجزائري تغييرات عديدة مست أهم القادة الأمنيين في البلاد، شملت الجيش (مسؤولين وقادة نواحي عسكرية)، وقائد الدرك الوطني (قوة تابعة لوزارة الدفاع) إضافة إلى المدير العام للشرطة.

وفي العيد الوطني الجزائري المصادف للخامس يوليو/ تموز من كل عام (ذكرى استقلال البلاد عام 1962 عن فرنسا)، أنهى بوتفليقة مهام مسؤولين بوزارة الدفاع شملت مدير المالية اللواء بوجمعة بودواور، ومدير الموارد البشرية اللواء مقداد بن زيان.

وقبل أيام أجرى بوتفليقة، “تغييرات جزئية بين صفوف قادة النواحي العسكرية، شملت الحركة إنهاء مهام اللواء حبيب شنتوف، قائد الناحية العسكرية الأولى، وإنهاء مهام قائد الناحية العسكرية الثانية اللواء سعيد باي.

كما أقال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، مدير الشرطة (الأمن الوطني) اللواء عبد الغني هامل الذي يوصف بأحد رجاله الثقات بشكل مفاجىء، وهو لواء سابق في الجيش الجزائري ويوصف بأحد رجال ثقة بوتفليقة، الذي عيّنه مديرًا للشرطة عام 2010 بعد اغتيال المدير السابق علي تونسي برصاص أحد معاونية في مكتبه.

وقبل تعيينه في المنصب شغل هامل لسنوات موقع قائد الحرس الجمهوري وهي قوة تابعة للجيش مهمتها حراسة المقرات الرئاسية، كما يرأس حاليًا منظمة الشرطة الإفريقية .

مطالبة “بوتفليقة” بالتضحية

فيما دعا حزبان يقودان الائتلاف الحاكم بالجزائر، بوتفليقة إلى القيام “بتضحية جديدة” بالترشح لولاية خامسة خلال انتخابات الرئاسة المقررة ربيع العام المقبل، جاء ذلك في ختام لقاء بين الأمين العام لحزب “جبهة التحرير الوطني” الحاكم، جمال ولد عباس، وشريكه في الحكومة “التجمع الوطني الديمقراطي”، الذي يقوده رئيس الوزراء أحمد أويحي، وقال جمال ولد عباس: “أملنا أن الرئيس يواصل مهمته بعد 2019، لنضمن مستقبل الأجيال الصاعدة من جهة ونواجه التحديات المتعددة من جهة أخرى”.

في سياق متصل، أعلن 15 حزبا جزائريا، إطلاق مبادرة لدعم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لولاية خامسة، في خطوة غاب عنها حزبا الائتلاف الحكومي.

وتمتلك الأحزاب مجتمعة 25 مقعدا في البرلمان من أصل 462، وأبرزها: حزب “التحالف الوطني الجمهوري”، وحركة “الوفاق الوطني”، وحزب “الكرامة”، والثلاثة أحزاب وسطية.

وتهدف المبادرة، حسب القائمين عليها، إلى دعم برنامج الرئيس بوتفليقة، ودعوته إلى الترشح لعهدة (ولاية) رئاسية جديدة (خامسة).
حركة مجتمع السلم

حذرت حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي بالجزائر)، من “الصراع على السلطة” مع اقتراب انتخابات الرئاسة في ربيع 2019، وقال الحزب، في بيان: “الذي تحتاجه الجزائر هو الحلول للخروج من الأزمة وليس الصراع على السلطة”.

ولم يفسر الحزب طبيعة ما أسماه صراعا على السلطة، لكنه يشير على ما يبدو إلى تغييرات كبيرة شملت، مؤخرا، كبار قادة الجيش والأجهزة الأمنية في الجزائر.

ورأى الحزب أنه يوجد “تجلي لمظاهر الأزمة السياسية باستمرار حالة الغموض (..) وصراعات الأجنحة ومحاولات حسم الصراعات السياسية في إطار الضبابية والإقصاء بعيدا عن الديمقراطية”.

وتابع أن “الوطنية الصادقة تقتضي إعطاء الأولوية للتوافق والتقارب والتنافس النزيه من أجل تنمية وتطوير البلد ورفع مستوى الطموح لمنافسة الدول الصاعدة وليس التشبه بالدول الفقيرة والمتخلفة”.
وقال عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، إن هناك عدة مؤشرات على ضعف احتمال ترشح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، لولاية خامسة، في انتخابات 2019، رغم توالي دعوات من مؤيدين له لدخول السباق.

وتابع أن ذلك يظهر من خلال “اضطراب وتردد عند داعمي الرئيس المعروفين، بل هناك من يُفهم من كلامه عند هؤلاء رفض العهدة الخامسة، وأكثر من ذلك هناك من يُعدُّ نفسه لخلافة بوتفليقة”، دون تقديم أسماء أو هوية من يقصد بكلامه.

الغرب وصحة بوتفليقة

يقول مصدر دبلوماسي غربي، رفض الكشف عن هويته، إن “الجزائر بلد كبير ومهم ومن الطبيعي أن يكون للعواصم الغربية كلها اهتمام بالجزائر وبكل التطورات، الجزائر ليست تشاد أو نيكاراغوا، في الحقيقة دائماً لدينا شكوك في قرارات وسياسات تتخذ ثم يتم التراجع عنها سريعاً، واضح أن صحة الرئيس بوتفليقة ليست على ما يرام وفي السياسة يجب حساب المفاجآت والعواقب دائماً”. ويضيف “في لقاءاتي كدبلوماسي مع المسؤولين الجزائريين أشعر بأن هناك غموضأ بشأن صحة الرئيس ومخاوف وتشوشاً بشأن الانتخابات المقبلة”.

مجلس الشيوخ الفرنسي، عقد في شهر مايو/أيار الماضي جلسة خاصة للاستماع لتقرير أعدته لجنة مشكّلة من أعضاء في المجلس حول الوضع الصحي لبوتفليقة وإمكانية توجهه للترشح لولاية رئاسية خامسة وطبيعة الصراعات الراهنة، وخلص التقرير الذي قدمه رئيس لجنة الشؤون الأوروبية، النائب في مجلس الشيوخ الفرنسي عن الحزب الاشتراكي، سيمون سيتور، في أغسطس/آب 2017، إلى أن “الرئيس بوتفليقة يتمتع بشرعية حقيقية، اكتسبها في أعقاب العشرية السوداء، ومن غير المستبعد أن يترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة”، مشيراً إلى أن “السلطة في الجزائر تتخوف فعليا من ربيع عربي في البلاد، لكنها لا تواجه أية ضغوط شعبية حقيقية تدفع بالنظام نحو التطور أو تغيير السياسات”.

ربما يعجبك أيضا