إحياء قانون “سلب الأرض” .. الاحتلال يسعى للسطو على أراض الكنيسة بالقدس

محمد عبد الدايم
رؤية – محمد عبدالدايم
رؤساء الكنائس الثلاثة في القدس يقولون بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد أخلف وعده لهم، ويهددون بإغلاق كنيسة القيامة في أعقاب تقديم مشروع قانون جديد يهدف لتأميم أراضي الكنيسة.
خطوة حكومة اليمين ينذر بتكرار الغضب المسيحي في فلسطين والعالم.
في أواخر فبراير الماضي ولأول مرة منذ قيام إسرائيل قام رؤساء الكنائس المسيحية الذين يتولون مسؤولية كنيسة القيامة بإغلاقها وأوصدوا أبوابها الكبيرة، في مشهد مؤثر أثار جلبة وغضبًا في العالم المسيحي، وكان سبب هذا الإغلاق من جانبهم هو إقدام رئيس بلدية القدس نير بركات على تجميد حسابات الكنيسة بهدف جباية ضريبة رسوم الأملاك (الأرنونا).
بعدها في يونيو الماضي أيضًا تقدمت راحيل عزريا عضو الكنيست عن حزب كولانو المشارك في الائتلاف الحكومي بمشروع قانون لمصادرة أراضي الكنيسة في مساع لابتزاز المسيحيين وسرقة الأرض منهم.
في أعقاب الاحتجاج الكبير في أوساط العالم المسيحي وبعدما قدم الفاتيكان نفسه احتجاجًا شديد اللهجة إلى حكومة نتنياهو إضافة إلى حكومتي الأردن واليونان قرر نتنياهو في حينها تجميد قرار حكومته الأول بشأن السيطرة على حسابات الكنيسة لأجل جباية الضرائب، وأمر بتشكيل لجنة برئاسة الوزير تساحي هانجفي وزير التعاون الإقليمي تجتمع مع رؤساء الكنائس، وبخصوص مشروع قانون النائبة راحيل عزريا فقد قال عنه في حينها إنه “سقط سهوًا من على المنضدة، ولن يصبح قانونًا فعليا”.

تاريخ السيطرة على أراضي الكنيسة

ليست هذه المسألة وليدة اليوم أو الأشهر القليلة السابقة، لكنها تعود إلى عقود طويلة، فقد تسبت ظروف الاحتلال الصهيوني لفلسطين والحرب العالمية الأولى في إضعاف القدرات المادية للكنيسة في القدس، بسبب توقف الحجاج المسيحيين عن الوصول إلى الكنائس في مواسم الحج، وهي المواسم التي كانت تدر دخلًا للكنيسة، ثم مع تزايد الاستيطان اليهودي لم تجد الكنيسة مخرجًا لأزماتها سوى بيع أجزاء من الأرض التي تحت حوزتها، وفي ذلك الوقت كانت الصهيونية قد دشنت جمعية تُسمى “هاخشرت هايشوف” (إجازة الاستيطان) أصبحت فيما بعد شركة للأراضي تسمى “شركة إسرائيل لتطوير الأراضي” (أصبحت شركة خاصة بعد عام 1988)، وقد اشترت هذه الجمعية أراض من الكنيسة صارت فيما بعد أحياء لأكثرية يهودية في القدس.

ما يثير غضب الكنيسة أن هذا التحرك من حكومة نتنياهو للاستحواذ على الأرض لن يكون الأخير بالطبع، وهو ما ينذر بالسطو على مزيد من الأراضي التابعة للكنيسة التي عانت على مر العقود أزمات مالية متلاحقة، ومع مصادرة أراض تابعة لها سوف تجد صعوبة في المستقبل كي تُقنع أي مستثمر بشراء أراض أخرى منها قد تنهبها حكومة إسرائيل.

كنيسة القيامة التي يهدد مسيحيو القدس بإغلاقها مجددا هي أحد أهم الكنائس المسيحية في العالم، وتعرف باسم كنيسة القبر المقدس، وتقع في نطاق القدس القديمة، وترجع قدسيتها بالنسبة للمسيحيين إلى أنها قد بُنيت فوق طريق الجلجثة، وهو المكان الذي قيل أن المسيح صُلِب عنده، كما أنها الكنيسة التي تحتوي قبر المسيح بعد دفنه وفقًا للمعتقدات المسيحية.

لم تغلق الكنيسة أبوابها منذ أقيمت عام 335 م إلا بسبب تحركات إسرائيلية استيطانية، فقد أُغلِقت المواقع المسيحية بما فيها كنيسة القيامة عام 1990 احتجاجًا على استيلاء مستوطنين يهود على منطقة قريبة من الكنيسة، وتكرر الأمر مع الاحتجاج الكبير في فبراير الماضي، وربما تتطور الأمور إلى أكثر من ذلك إذا أصرت حكومة نتنياهو على المُضي قدمًا في خطتها لمصادرة الأرض. ويبدو أنها ستقدم على ذلك.

حكومة نتنياهو تعيد إحياء قانون سلب الأرض
غير أنه في يوم الخميس الماضي اجتمعت لجنة الوزراء المعنية بسن القوانين لمناقشة مرة أخرى مشروع قانون سحب أراضي الكنيسة، تحت مسمى آخر، الأمر الذي أثار رؤساء الكنائس مجددًا لأن الأمر ظهر على حقيقته، حيث سحبت حكومة نتنياهو مشروع القانون مؤقتًا لامتصاص الغضب المسيحي، ثم قدمته من جديد بمسمى آخر.

على إثر هذا التحرك الجديد من قِبل حكومة اليمين فإن رؤساء الكنائس يهددون بإغلاق كنيسة القيامة مُجددًا، وهو ما ينذر بمعركة جديدة بين الكنيسة والعالم المسيحي من جانب وبين حكومة اليمين الإسرائيلية من جانب آخر، خصوصًا وأن الاحتجاج المسيحي هذه المرة يمكن أن يتطور إلى حد وصول قساوسة ورجال دين مسيحيين من الخارج للمشاركة في الاحتجاج بإغلاق أبواب كنيسة القيامة.

توجه رؤساء الكنائس بطلب إلى نتنياهو لإيقاف هذا السعي نحو مصادرة أراضي الكنيسة، لكن يبدو أنهم وجدوا آذانًا صماء، حتى تحصل المفاجأة الدرامية كالعادة ويجد الجميع أمامهم قانونًا تم سنه، ثم بعد ذلك تبدأ الحكومة التفاوض حوله، وهو الأمر الذي تكرر مؤخرًا في قانون ما يسمى بـ”القومية” الذي مررته حكومة نتنياهو في الكنيست ثم انبرت لمفاوضات شكلية مع رؤساء الطائفة الدرزية.

شاقيد تتمسك بقانون عزريا

بدأت المشكلة مجددًا بعد إعلان وزيرة القضاء أييلت شاقيد ستشرع في سن قانون يهدف إلى مصادرة أرض تتبع الكنيسة الأرثوذكسية في القدس، بمبرر “حماية” المباني التي أُقيمت عليها ويقيم فيها مواطنون إسرائيليون، وصرحت شاقيد أن هذه الأراضي باعتها البطريركية الأرثوذكسية منذ عقود لمقاولين إسرائيليين.

شاقيد إذا تتبنى مشروع القانون ذاته الذي تقدمت به منذ أشهر عضو الكنيست راحيل عزريا عن حزب كولانو، وهو القانون الي يضع شعار “حماية السكان في أراضي الكنيسة”.

استغلال الصندوق القومي للأرض
كانت هذه الأرض التي تسعى إسرائيل للسطو عليها والواقعة غربي القدس قد قامت الكنيسة بتأجيرها إلى ما يُسمى بـ”الصندوق القومي لإسرائيل” (قيرن قييمت ليسرائيل) في الخمسينيات من القرن الماضي، وبدوره سمح الصندوق القومي لإسرائيليين ببناء منازل عليها، ووصل عددهم حتى الآن إلى نحو 1000 أسرة، بينما قامت الكنيسة في عام 2010 ببيع هذه الأرض إلى مستثمرين؛ لأنها تملكها في الأساس، والصندوق القومي ما هو إلا مُستأجر، لكن الحكومة الإسرائيلية الآن تسعى للاستحواذ على الأرض بحجة “حماية” هؤلاء المواطنين الذي بنوا منازلهم عليها.

تكمن المشكلة في فشل المفاوضات بين المستثمرين الذي اشتروا الأرض من الكنيسة وبين السكان المقيمين على أرض ليست لهم في الأساس وإنما مُستأجرة على يد الصندوق القومي، ومن المُفترض أن تعود ملكية الأرض وما عليها إلى المستثمرين، وتعود مكاسبها إلى الكنيسة، لكن الحكومة الإسرائيلية تهدف للسيطرة على هذه الأرض، لأن هؤلاء المستثمرين يطلبون من السكان الآن مبالغ مالية مقابل هذه الأرض.

ربما يعجبك أيضا