ليست هذه المسألة وليدة اليوم أو الأشهر القليلة السابقة، لكنها تعود إلى عقود طويلة، فقد تسبت ظروف الاحتلال الصهيوني لفلسطين والحرب العالمية الأولى في إضعاف القدرات المادية للكنيسة في القدس، بسبب توقف الحجاج المسيحيين عن الوصول إلى الكنائس في مواسم الحج، وهي المواسم التي كانت تدر دخلًا للكنيسة، ثم مع تزايد الاستيطان اليهودي لم تجد الكنيسة مخرجًا لأزماتها سوى بيع أجزاء من الأرض التي تحت حوزتها، وفي ذلك الوقت كانت الصهيونية قد دشنت جمعية تُسمى “هاخشرت هايشوف” (إجازة الاستيطان) أصبحت فيما بعد شركة للأراضي تسمى “شركة إسرائيل لتطوير الأراضي” (أصبحت شركة خاصة بعد عام 1988)، وقد اشترت هذه الجمعية أراض من الكنيسة صارت فيما بعد أحياء لأكثرية يهودية في القدس.
ما يثير غضب الكنيسة أن هذا التحرك من حكومة نتنياهو للاستحواذ على الأرض لن يكون الأخير بالطبع، وهو ما ينذر بالسطو على مزيد من الأراضي التابعة للكنيسة التي عانت على مر العقود أزمات مالية متلاحقة، ومع مصادرة أراض تابعة لها سوف تجد صعوبة في المستقبل كي تُقنع أي مستثمر بشراء أراض أخرى منها قد تنهبها حكومة إسرائيل.
لم تغلق الكنيسة أبوابها منذ أقيمت عام 335 م إلا بسبب تحركات إسرائيلية استيطانية، فقد أُغلِقت المواقع المسيحية بما فيها كنيسة القيامة عام 1990 احتجاجًا على استيلاء مستوطنين يهود على منطقة قريبة من الكنيسة، وتكرر الأمر مع الاحتجاج الكبير في فبراير الماضي، وربما تتطور الأمور إلى أكثر من ذلك إذا أصرت حكومة نتنياهو على المُضي قدمًا في خطتها لمصادرة الأرض. ويبدو أنها ستقدم على ذلك.
على إثر هذا التحرك الجديد من قِبل حكومة اليمين فإن رؤساء الكنائس يهددون بإغلاق كنيسة القيامة مُجددًا، وهو ما ينذر بمعركة جديدة بين الكنيسة والعالم المسيحي من جانب وبين حكومة اليمين الإسرائيلية من جانب آخر، خصوصًا وأن الاحتجاج المسيحي هذه المرة يمكن أن يتطور إلى حد وصول قساوسة ورجال دين مسيحيين من الخارج للمشاركة في الاحتجاج بإغلاق أبواب كنيسة القيامة.
توجه رؤساء الكنائس بطلب إلى نتنياهو لإيقاف هذا السعي نحو مصادرة أراضي الكنيسة، لكن يبدو أنهم وجدوا آذانًا صماء، حتى تحصل المفاجأة الدرامية كالعادة ويجد الجميع أمامهم قانونًا تم سنه، ثم بعد ذلك تبدأ الحكومة التفاوض حوله، وهو الأمر الذي تكرر مؤخرًا في قانون ما يسمى بـ”القومية” الذي مررته حكومة نتنياهو في الكنيست ثم انبرت لمفاوضات شكلية مع رؤساء الطائفة الدرزية.
بدأت المشكلة مجددًا بعد إعلان وزيرة القضاء أييلت شاقيد ستشرع في سن قانون يهدف إلى مصادرة أرض تتبع الكنيسة الأرثوذكسية في القدس، بمبرر “حماية” المباني التي أُقيمت عليها ويقيم فيها مواطنون إسرائيليون، وصرحت شاقيد أن هذه الأراضي باعتها البطريركية الأرثوذكسية منذ عقود لمقاولين إسرائيليين.
شاقيد إذا تتبنى مشروع القانون ذاته الذي تقدمت به منذ أشهر عضو الكنيست راحيل عزريا عن حزب كولانو، وهو القانون الي يضع شعار “حماية السكان في أراضي الكنيسة”.
تكمن المشكلة في فشل المفاوضات بين المستثمرين الذي اشتروا الأرض من الكنيسة وبين السكان المقيمين على أرض ليست لهم في الأساس وإنما مُستأجرة على يد الصندوق القومي، ومن المُفترض أن تعود ملكية الأرض وما عليها إلى المستثمرين، وتعود مكاسبها إلى الكنيسة، لكن الحكومة الإسرائيلية تهدف للسيطرة على هذه الأرض، لأن هؤلاء المستثمرين يطلبون من السكان الآن مبالغ مالية مقابل هذه الأرض.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=345025