الجواسيس سلاح الاحتلال لتهويد القدس‎

محمود

رؤية – محمد عبدالكريم

القدس المحتلة – لم يكن اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي، أمس الأحد، لمقري وزارة شؤون القدس ومحافظة القدس، في حي ضاحية البريد بالقدس المحتلة، سوى حلقة في مسلسل الحرب التهويدية المستمرة على القدس المحتلة.

واقتحمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال المبنى الذي تتواجد فيه الوزارة ومحافظة القدس، بشكل وحشي واعتدت على عدد من الموظفين وبدأت بعمليات تكسير وخلع لأبواب المكاتب دون سبب، حيث اصيب 5 فلسطينيين بالاختناق بالغاز السام والرضوض، عقب اعتداء قوات الاحتلال على الموظفين في داخل مبنى محافظة القدس.

وتدور في الآونة الأخيرة، معركة حامية بين الفلسطينيين وبين إسرائيل حول بيع العقارات في القدس الشرقية، تأججت قبل عدة أشهر حين قررت الجهات الفلسطينية شن حملة لمنع أي فلسطيني من أهالي القدس الشرقية من بيع أراضٍ لليهود أو لجمعيات اليمين الاستيطاني.

وتتابع السلطة الفلسطينية محاولات تسريب العقارات في القدس، والتي كان آخرها عقار آل جودة في البلدة القديمة من المدينة، حيث تخضع من يسعى إلى ذلك للتحقيقات التي تنشط داخل القدس الشرقية، وهو ما تعتبره سلطات الاحتلال مخالفا للقانون الإسرائيلي الذي يعتبر القدس عاصمة لإسرائيل.

وعلى صعيد مشابه، فقد جرت الشهر الفائت لقاءات بين عائلات كبيرة من القدس والقرى المجاورة، وتم خلال هذه اللقاءات تداول طرق التصدي لظاهرة تسريب العقارات للمستوطنين.

يذكر أن مطلع شهر تشرين اول/أكتوبر المنصرم، شهد تصعيدا ملحوظا، إذ اعتقلت المخابرات الفلسطينية، مواطناً فلسطينياً من أهالي القدس الشرقية، ويحمل الجنسية الأمريكية وبطاقة الهوية الإسرائيلية، للتحقيق معه في شبهات تسريب عقارات فلسطينية للمستوطنين.

تسريب عقارات يمهد لصفقة القرن

تشرح مصادر مقدسية أن التسريب المتوالي لهذه العقارات يرجع إلى سببين: الأول غياب الرادع الرسمي أو المجتمعي (في ظل خفوت موجات المقاطعة الشعبية للمسربين)، والثاني الخصام السياسي الداخلي الذي القبضة الامنية غير الموجودة اساسا في القدس المحتلة.

وفي كل عام يتجدد الحديث عن ملف تسريب العقارات في المدينة المقدسة، والتي تكشف عن قدم الجريمة وعمقها بحق قداسة هذه المدينة العتيقة وهوية الفلسطينيين هناك في العاصمة الأبدية لفلسطين، والتي تحاول حكومة الاحتلال الاستيلاء على كل شبر من أراضيها ضاربة بعرض الحائط كل الاتفاقيات والقوانين والشرائع الدولية، خصوصاً بعدما قدم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب هذه الهدية لـ”إسرائيل” على طبق من ذهب كعاصمة أبدية لليهود.

لم يتبق للمقدسيين في القدس سوى 8% فقط

ويقول الخبير في الشأن المقدسي حسن خاطر: إن كل العقارات والأراضي وما تبقى منها في خطر، منوهاً في الوقت ذاته إلى أنه لم يتبق للمقدسيين في القدس سوى 8% فقط وهذا ما يمتلكه المقدسيين في المدينة المقدسة.

واستذكر الخبير المقدسي قبل سنوات تم تسريب 21 منزل في بلدة سلوان للمستوطنين، مؤكداً ان هناك عمليات احتيال تُمارس على المقدسيين وهناك من يتربص بهذه البيوت والعقارات.

البؤر الاستيطانية داخل البلدة القديمة من مدينة القدس المحتلة بلغت 74 بؤرة

ارتفع عدد البؤر الاستيطانية داخل البلدة القديمة بمدينة القدس المحتلة إلى 74 بؤرة، تقابلها سبعون بؤرة في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى؛ مما أثار غضبا شعبيا في صفوف المقدسيين الذين قوبلت مساعيهم لوقف عمليات التسريب بالملاحقة من قبل الاحتلال.

الاحتلال يوفر الغطاء الأمني للمسربين
 وأحكمت سلطات الاحتلال قبضتها على كل من يقف في طريق هذه الصفقات التي تتم بطرق ملتوية، لتعتقل مسؤولين فلسطينيين بارزين، كان من بينهم رئيس المخابرات الفلسطينية في القدس وضواحيها جهاد الفقيه، ومحافظ المدينة عدنان غيث، اللذان أفرج عنهما بشروط.

اعتقال الفقيه وغيث جاء عقب احتجاز جهاز المخابرات الفلسطينية مواطنا فلسطينيا يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والأميركية والتحقيق معه لثلاثة أيام، بعد أنباء وردت عن تورطه في بيع حصص يملكها في عقار فلسطيني داخل البلدة القديمة.

وسبق اعتقال كل من محافظ القدس ورئيس المخابرات بالقدس، اعتقال كل من الناشط المقدسي فادي مطور والمواطن كمال أبو قويدر والشيخ عبد الله علقم، وكان للأخيرين دور بارز في محاولة كشف حقيقة تسريب أحد العقارات في البلدة القديمة بالمدينة المحتلة.

وأطلقت سلطات الاحتلال سراحهم جميعا بشروط، منها: عدم التحدث للإعلام حول عمليات البيع والتسريب، وعدم التعرض لأي من المتورطين أو كشف أسمائهم التي باتت معروفة للشارع المقدسي، وهي الأسباب ذاتها التي اعتقلوا بسببها.

واتخذت الملاحقة شكلا آخر، عندما حاصرت قوات كبيرة من عناصر جيش وشرطة الاحتلال مقر محافظة القدس في بلدة الرام، وطلبت البطاقات الشخصية لعدد من الموظفين الذي بدورهم رفضوا تسليمها قبل أن تنسحب القوات من الموقع.

فتنة شعبية
ويعتبر المحلل السياسي راسم عبيدات أن هذه الملاحقة تندرج تحت إطار مساومة الاحتلال للسلطة الفلسطينية وإيصال رسالة أمنية وسياسية، مفادها أنه لا سيادة لكم في القدس التي يعتبرها الاحتلال خارج المفاوضات إن عادوا واجتمعوا على طاولتها.

ويرى عبيدات أن الاحتلال يسعى من خلال الملاحقة إلى ترهيب الفلسطينيين ليصلوا إلى مرحلة يشرعوا فيها البيع، خاصة بعد خلقه الفتن الداخلية وإحداث حالة من الفوضى داخل المجتمع المقدسي.

وتستولي الجمعيات الاستيطانية بمساندة أذرع الاحتلال المختلفة على عقارات الفلسطينيين في مدينة القدس؛ إما بحجة أنها تندرج ضمن أملاك الغائبين، أو بحجة أنها في الأصل مملوكة لليهود الذي سكنوا القدس قبل قيام دولة إسرائيل، أو عن طريق صفقات بيع بأموال طائلة.

صفقات تسريب

وصرح مؤخرا رئيس الصندوق اليهودي في بلدية الاحتلال بالقدس آريه كينغ بأنه سيتم قريبا الإعلان عن صفقات شراء لعقارات جديدة في المدينة المحتلة، وذلك بعد الانتهاء من الإجراءات القانونية بحقها.

ويوصف كينغ بأنه عراب الاستيطان بالمدينة المحتلة، وينشط في العمل مع جمعيتي “العاد” و”عطيرت كوهنيم” اللتين تتقاسمان العقارات المسربة بينهما، وتخصص رواتب شهرية للمستوطنين؛ في محاولة لإقناعهم بالسكن في هذه العقارات.

وشهد الشهر الحالي استيلاء جمعية العاد الاستيطانية على عقار مكون من شقتين سكنيتين وأرض بمساحة ألف متر مربع تقريبا، كانت تقطنه عائلة “مسودة” الفلسطينية، التي كانت تستأجره منذ نحو ثلاثين عاما من عائلة “فتيحة” التي يرجح أنها سربته للمستوطنين.

ومن سلوان إلى البلدة القديمة، وبعد أقل من 24 ساعة، وفي الرابع من الشهر الجاري، دخلت عناصر من جمعية “عطيرت كوهنيم” الاستيطانية عقار آل جودة الحسيني، الواقع في عقبة درويش، والمطل على المسجد الأقصى الذي لا يبعد عنه سوى عشرات الأمتار.

ولعل صفقة التسريب هذه كانت الأكثر صدمة للشارع المقدسي، الذي تحرك بشكل أكبر من أي وقت مضى ضد المسربين، لا سيما أنه العقار الأول الذي يسرب في ذلك الزقاق.

ويبدو أن عقار آل جودة الحسيني لن يبقى العقار الوحيد المسرب في عقبة درويش، حيث تتوالى الأنباء عن تسريب عقار ثان تتقاسم ملكيته عائلات فلسطينية هي الحلبي والعلمي واشتية، إحداها باعت حصتها لمواطن فلسطيني يشتبه في أنه سرب ما اشتراه للمستوطنين، وعلى أثر ذلك تم اعتقاله من قبل السلطة الفلسطينية.

ارتفاع وتيرة التسريب يقابلها ارتفاع في حجم التصدي من قبل المقدسيين، الذين يحققون في كل شبهة تسريب محتملة، وكان آخرها عقار في حي “راس العامود” تعود ملكيته لعائلة أبو صبيح، التي نفت بدورها وبشكل قطعي عملية البيع التي يبدو أنها وإن نفذت فذلك عن طريق التزوير.

حملة شعبية لمحاربة شبكة سماسرة

أطلقت القوى الإسلامية والوطنية بالقدس المحتلة حملة شعبية لمحاربة شبكة سماسرة العقارات واعتماد المسار القضائي لاسترجاع المنازل المسلوبة.

ودعت هذه القوى السلطة الفلسطينية لتحريك ملف استيلاء الاحتلال على عقارات المقدسيين أمام القضاء الدولي لاسترجاعها، وتشكيل لجان تحقيق فلسطينية لتقصي الحقائق ومحاسبة السماسرة والمسربين ومقاطعتهم.

وحذر مدير مركز معلومات وادي حلوة بسلوان جواد صيام من تداعيات تسريب العقارات ونشاط شبكة السماسرة التي تدعمها إسرائيل.

وبين أن تزامن الكشف عن مزاعم صفقة بيع عقارات سلوان من قبل الجمعيات الاستيطانية مع تصاعد المواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال بالمسجد الأقصى والبلدة القديمة، هدفه ضرب النسيج الاجتماعي للمقدسيين وزرع الفتنة في صفوفهم والتشكيك في قياداتهم. بيد أن صيام استبعد أن يكون بيع العقارات للجمعيات الاستيطانية ظاهرة واسعة الانتشار.

وأشار صيام إلى أن التحقيقات الأولية التي شرعت بها اللجان الشعبية كشفت عن بوادر لنشاط خطير لسمسارة العقارت في جميع المناطق الفلسطينية المحتلة، قائلا إنهم يعتمدون أساليب احتيال لتزييف الوثائق والمستندات.

ويرى أن الدفاع عن العقارات وإحباط نشاط السماسرة يتم عبر تكثيف الحراك الشعبي ومقاطعة كل من يثبت تورطه في بيع أي مبنى أو منزل للمستوطنين.

دعاوى قضائية

وبين أن القوى المقدسية وكلت محاميا من أجل تحريك دعاوى بالمحاكم الإسرائيلية لاسترجاع العقارات التي سربت بالتحايل والتزوير.

من جانبه أشار مدير مركز القدس للتنمية زياد حموري إلى أن الاحتلال يسعى بكل الطرق للاستيلاء على عقارات الفلسطينيين بالقدس.

وبين أن أذرع المؤسسة الإسرائيلية والجمعيات الاستيطانية تعتمد خطة ممنهجة للترويج بأن صفقات البيع والشراء التي تقوم بها بالقدس “غير مشبوهة”، وتصوير الفلسطيني وإبرازه كمن يبيع عقاراته وأملاكه بمحض إرادته ودون تزوير للوثائق.

ونفى حموري أن يكون تسريب العقارات للمستوطنين بات ظاهرة منتشرة بالقدس المحتلة، وأوضح أن الحديث يدور عن حالات فردية استغل الاحتلال أثناءها الظروف الاقتصادية والاجتماعية ووظفها وسيلة للضغط والمساومة.

وبين أن الاحتلال وظف قانون “أملاك الغائبين” للاستيلاء على نحو 100 عقار ومبنى حكومي فلسطيني وأردني بالقدس القديمة وتحويلها لبؤر عسكرية واستيطانية ومنشآت رسمية، إلى جانب 100 أخرى حولتها لكنس ومدارس تلمودية.

ودعا السلطة الفلسطينية لتحريك الملف أمام الهيئات الدولية كون القدس محتلة بموجب القانون الدولي الذي يعد مثل هذه الصفقات غير شرعية.

وشدد على ضرورة تشكيل لجان دفاع محلية للتصدي لعناصر جمعية “العاد” بعد أن شرعت في جذب العائلات اليهودية للسكن في العقارات الفلسطينية التي استولت عليها.

ربما يعجبك أيضا