أجنة حسب الطلب.. “تعديل الجينات” على كفة الميزان!

مها عطاف

رؤية – مها عطاف

كان إعلان “خاه جيان كوي” الباحث الصيني في الجامعة الجنوبية للعلوم والتكنولوجيا بشينشين، الأربعاء الماضي، بأنه ساعد في ولادة أول توأمتين في العالم خضعتا للتعديل الجيني، في محاولة لجعل جسديهما مقاومين لعدوى فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، مثيرًا للقلق الشديد بين العلماء حول العالم، وأثار عاصفة من الاستياء الدولي بشأن تلك الخطوة الوحشية والبشعة كما وصفها البعض، ما أسفر عن وقف نشاطه العلمي، وإجراء التحقيقيات، فماذا تعني تلك الخطوة؟ ولماذا ثثير مخاوف العلماء؟ وهل يصل الأمر إلى تطور القدرات البشرية ليصبح الإنسان سوبر مان يومًا ما؟

ماذا فعل العالم الصيني

أعلن “خاه جيان كوي” أنه عدل الحمض النووي لأجنة توأمتين، لولا ونانا، لحمايتهما من الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، وقال -أمام قمة تعديل الجينوم البشري بجامعة هونج كونج- إن الفتاتين “ولدتا بشكل طبيعي وصحي”، مشيرا إلى أن هناك خططا لمتابعتهما على مدى السنوات الثماني عشرة القادمة، وأضاف أنه موّل بنفسه التجربة، مؤكدا أن الجامعة لم تكن على علم بتجربته.

وأوضح، أن ثمانية أزواج مؤلفين من آباء مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية وأمهات غير مصابات بالفيروس وقعوا طواعية على الخضوع لهذه التجربة، قبل أن ينسحب زوجان في وقت لاحق، وقال: إن دراسته قُدمت لدورية علمية بغرض المراجعة، على الرغم من أنه لم يفصح عن اسمها، كما راوغ بشأن ذكر تفاصيل أخرى، من بينها أسماء “خبراء آخرين” قال إنهم راجعوا عمله وقدموا له توجيهات
كريسبر/ كاس9.. سلاح ذو حدين

كانت الأداة التي أجرى بها العالم الصيني عملية التعديل الجيني هي ” كريسبر/ كاس9″ وهي ليست جديدة في عالم البحوث العلمية، وأكتشفت أول مرة في عام 2012، وهي أداة هامة وخطيرة للغاية، فيمكنها التحكم في حذف جين أو إضافة جين جديد، أو تفعيل الجينات الميتة، وأيضًا السيطرة على مستوى نشاط الجينات، وتثير تلك التقنية اهتمام الباحثين الذين يأملون في تعديل جينات البشر بغرض القضاء على الأمراض والتخلص من مسبباتها، وبالفعل تمت تجربتها حديثًا على البالغين لعلاج الأمراض الفتاكة، مع تقييد جميع التعديلات الوراثية، ما يعني أنه لا يمكن للمرضى نقلها إلى أطفالهم،  ولكن الأمر لا يخلو أيضًا من المخاوف، فمثلًا من الصعب التنبؤ بالآثار الثانوية واللاحقة للتعديلات الجينية أو السيطرة عليها، فضلَا عن المخاوف الأخلاقية والقانونية والاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بالتعديل الوراثي لدى الأجنة، وهو الأمر الذي قام به الباحث الصيني.

تجربة وحشية

انتقادات حادة واجهتها الصين عقب إعلان الباحث بتلك العملية، ووصف الباحثون من جميع أنحاء العالم هذه التجربة بأنها “غير مسؤولة”، حيث يشكك العديد منهم في الآثار المعنوية والأخلاقية الضارة لها، وعلى الفورر احتشد العلماء في هونغ كونغ هذا الأسبوع لحضور مؤتمر دولي حول تعديل الجينات والقدرة على إعادة صياغة شفرة الكائن الحي في محاولة لعلاج أو منع بعض الأمراض، وأدان منظمو المؤتمر هذا العمل، ووصفوه بأنه “مقلق للغاية” و”غير مسؤول”.

وقال عالم بريطاني، وصف التجربة بأنها “وحشية”، إن الباحثين المشاركين كانوا يلعبون “لعبة خطيرة” مع أطفال أصحاء، وقالت الدكتورة، كاثي نياكان، من معهد فرانسيس كريك في لندن، “إذا كان هذا صحيحا فإن التقرير مثير للقلق، سيكون هذا استخداما غير مسؤول وغير أخلاقي وخطير للغاية فيما يتعلق بتكنولوجيا تحرير الجينوم، وبالنظر إلى الشكوك الكبيرة المتعلقة بالسلامة، بما في ذلك احتمال حدوث آثار جانبية ضارة غير مقصودة، فمن السابق لأوانه محاولة القيام بذلك.”

ودعا بعض العلماء إلى إدخال معاهدة دولية حول أبحاث الأجنة، لوقف التجارب المماثلة في المستقبل.

اليوجينيا.. أجنة حسب الطلب

لك أن تتخيل أن خطوة التعديلات الجينية على الأجنة قد تصل إلى ولادة أطفال حسب الطلب، وهي صورة أخرى من المخاطر التي قد تصل إليها تقنيات التعديل الوراثي، فتعديل الجينات في الكروموسومات في البويضة أو الحيوانات المنوية، قد ينتج أطفالا بمواصفات معينة، أو التفكير في تخليق أطفال بمواصفات خارقة، وهذا يقودنا إلى علم “اليوجينيا” التي تمثل مجموعة من المعتقدات والممارسات تهدف إلى تحسين التركيب الوراثي للجنس البشري، ظهرت للمرة الأولى على يد العالِم البريطاني فرانسيس جالتون في القرن التاسع عشر، لكنها استُخدمت بشكل خاص لتبرير السياسات العنصرية خلال الحكم النازي، هذه المخاوف هي التي دفعت بولاك -في بحثه المنشور في مجلة الأخلاق في علم الأحياء والهندسة والطب- إلى الدعوة إلى التمهل في تطبيق هذه التقنية، مع استمرار محاولات مخططة للتجريب تخضع للمعايير الأخلاقية.

ربما يعجبك أيضا