إمبراطورية الفساد في عهد نتنياهو.. جريمة منظمة أم عصابات مافيا؟

أشرف شعبان

رؤية – أشرف شعبان

عصف الفساد المالي والإداري والأخلاقي  بكبار المسؤولين السياسيين في إسرائيل، من بينهم رؤساء ورؤساء حكومات ووزراء فضلا عن حاخامات ومرجعيات الدينية، بعض هؤلاء سجنوا بعد إثبات تورطهم في قضايا فساد، وبعضهم الآخر أجبروا على التنحي عن مناصبهم.

كان آخر هؤلاء الساسة هو رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بينامين نتنياهو، الذي لم يكن استثناءً، حيث دخل قائمة المسؤولين الذين تطاردهم فضائح الفساد.

يعتبر نتنياهو ثالث رئيس حكومة في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي يخضع للتحقيق رسميًا معه في قضايا فساد بعد كل من آرييل شارون وإيهود أولمرت، الأمر الذي دفع وزير الحرب الإسرائيلي السابق موشيه يعالون إلى التحذير من خطورة هذا الوضع، قائلا: إن هذه القضايا “تجعلنا أمام دولة فاسدة”.

عصابات مافيا

لكن الأمور اختلفت في ظل حكم نتنياهو، حيث تطورت منظومة الفساد في إسرائيل وتحولت من حالات فردية من الرشوة والاحتيال الشخصي، وأصبح أكثر شبهاً بعمليات عصابات المافيا، بدءاً من الموظفين المنتخبين، والضباط العسكريين، وكبار المحامين، ومجموعات الشركات الضخمة، بالإضافة إلى شبكات واسعة ومعقدة من الطبقة السياسية العليا المترابطة فيما بينها بشبكة مصالح متبادلة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.

ليست المرة الأولى التي يتهم فيها نتنياهو بالفساد، ففي عام 1997 اتهم أثناء ولايته الأولى رئيسا للوزراء بالاحتيال وخيانة الثقة، وأوصت الشرطة باتهامه لكن النيابة العامة رفضت توجيه اتهامات له.

وفي عام 1999 كان نتنياهو قيد التحقيق مرة أخرى، إذ اتهم هو وزوجته سارة بأنهما دفعا من خزائن الحكومة مقابل وظائف خاصة في منزلهما، لكن لائحة الاتهام لم توجه إليه هذه المرة أيضاً.

إلا أنه في عام 2018، وضع الفساد مستقبل نتنياهو السياسي في موضع الشك، إذ أبلغت الشرطة الإسرائيلية نتنياهو أنها قررت رفع توصيات إلى النيابة العامة تتضمن التوصية بمحاكمته بتهم في صلبها تلقي الرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال في قضيتين تحقق فيهما الشرطة منذ أكثر من عام.

هدايا ثمينة

تعرف إعلاميًا بـ “القضية 1000” أو ما تسمى بقضية الهدايا، وتشمله وعائلته بسبب تلقيهم هدايا ثمينة جداً من كبار أثرياء العالم، مثل نوع معين من السيجار والشمبانيا باهظة الثمن ومجوهرات لزوجته.

ومن بين هؤلاء الأثرياء، منتج هوليوود المعروف عالمياً أرنون ميلشان وكذلك رجل الأعمال الأسترالي جيمس باكر.

وبحسب صحيفة الجارديان البريطانية فإن أسرة نتنياهو طلبت السيجار والخمور مجانا من الشركات الإسرائيلية.

وقالت الشرطة في بيان لها أن نتنياهو استلم من ميلشان هدايا تتجاوز قيمتها 208 الف دولار، و من باكر أكثر من 112 ألف دولار. وفي المقابل حصل ميلشان من نتنياهو على إعفاءات ضريبية اسرائيلية وتأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة.

” يديعوت أحرونوت “

تعرف إعلاميًا بـ “القضية 2000” وهي قضية تتعلق بمحادثات سرية تسربت إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية، جرت بين نتنياهو و أرنون نوني موزيس، صاحب إحدى الصحف الإسرائيلية الرائدة، “يديعوت أحرونوت”، والتي تنتقد بشكل دوري رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وتقول الشرطة إن الرجلين بحثا تقييد انتشار صحيفة “إسرائيل هايوم” المنافسة التي يملكها الملياردير اليهودي الامريكي شيلدون أديلسون من خلال تشريعات وطرق أخرى مقابل تخفيف لهجة أحرونوت ضد نتنياهو “.

وقال كل من نتنياهو وأرنون أن تلك المحادثات لم تكن جادة بل محاولة لكشف النوايا، وأن الاتهامات الموجهة له لا أساس لها من الصحة.

وقال الموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، إن الشرطة جمعت أدلة كافية لإدانة نتنياهو في القضيتين المعروفتين بـ”الملف 1000″ و”الملف 2000”. وذلك بعدما استجوبت نتنياهو ثماني مرات.

شراء غواصات ألمانية

تتعلق هذه القضية بشراء صفقة غواصات ألمانية وزوارق هجومية كلفتها مئات الملايين من الدولارات. وتم التعاقد على هذه المشتريات خلال فترة رئاسة نتنياهو، لكن هذه القضية محاطة بالسرية باعتبارها قضية أمن قومي، وتعرف إعلاميا بالقضية “3000”
وأعلن متحدث باسم الشرطة الإسرائيلية، عن استجواب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن هذه الصفقة، وأوضح المتحدث أن نتنياهو استغرق عدة ساعات في الإدلاء بأقواله.

وقال النائب العام إن نتنياهو ليس هدفاً للتحقيق في هذه القضية ولكن تم استجواب الكثيرين من دائرته الداخلية، وبعضهم من المشتبه بهم.

ودعا “إيهود باراك” رئيس الوزراء السابق، نتنياهو إلى تجميد صلاحيته، كما خاطب الائتلاف الحاكم باختيار بديل عنه، مضيفاً أن “الفساد عميق بشكل مرعب” وهذا ليس إلا رشوة.

وخلال هذه القضية تعرض نتنياهو لضغوط بسبب تحقيقات تتعلق بالفساد جرت مع مقربين منه، ويواجه اتهاما بإبرام الصفقة ضد إرادة الجيش ووزارة الحرب الإسرائيلية.

شركة الاتصالات “بيزك”

حقق طاقم التحقيق الخاص من الشرطة الإسرائيلية، مع نتنياهو في مقر إقامته، بالتزامن مع تحقيقات منفصلة في نفس قضية الفساد مع زوجته، ومستشار كبير لهما، ومالك شركة بيزك للاتصالات، شاؤول ألوفيتش، والذي يعتبر أحد حلفاء نتنياهو السياسيين، هؤلاء بالإضافة إلى وكيل وزارة الاتصالات شلومو فيلبر، الذي تحول إلى شاهد إثبات، أبطال قضية فساد ـ تعرف بالقضية “4000” التي تلاحق نتنياهو.

وتشتبه الشرطة في أن نتنياهو سهل إجراءات لحساب صديقه مالك شركة الاتصالات مقابل تجنيد الأخير وكالة أنباء يملكها لصالح نتنياهو وعائلته.

وأشار شلومو فيلبر، إلى أن نتنياهو أمره بمنح تسهيلات إجرائية وقانونية لـ”بيزيك” عندما كان المدير العام لوزارة الاتصالات مقابل تغطية إعلامية إيجابية في الموقع الإخباري “والا”.

أخيرا، لا يقتصر الفساد المنظم على البطانة المحيطة بنتنياهو فقط، بل يشمل ذلك أيضًا حلفاءه السياسيين؛ حيث ارتبطت أبرز قضايا الفساد بحلفاء نتنياهو في حزب “إسرائيل بيتنا”، ففي أغسطس 2017، قدمت النيابة العامة لوائح اتهام ضد فاينا كيرشنباوم، نائبة وزير سابقة (من عام 2013 وحتى 2015)، وتسعة مسؤولين آخرين في الحزب بتهم تتعلق بالفساد والرشوة والاحتيال وغسيل الأموال في القضية التي عُرفت باسم “قضية رقم 242″، في واحدة من أكبر قضايا الفساد في تاريخ إسرائيل.

وشملت الاتهامات أيضًا الوزير السابق في “إسرائيل بيتنا”، ستاس ميسجنيكوف ودافيد غودوفسكي أحد مسؤولي الحزب. وتتمحور الاتهامات حول تمويل جمعيات وسلطات محلية بمبالغ كبيرة من أموال الدولة وبصورة غير شرعية تحت إشراف كيرشنباوم وغودوفسكي.

في مقابل هذا التمويل، يتم إعادة جزء من تلك الأموال إلى المسؤولين في الحزب ومقربين منهم على شكل هدايا أو أموال نقدية.

واعتبرت وزارة العدل الإسرائيلية أن تحقيقاتها تعتبر “واحدة من أكبر تحقيقات الفساد العام التي تم الكشف عنها في إسرائيل، من حيث الطريقة المعقدة واتساع الأنشطة وعدد الأشخاص المتورطين”.

زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” ووزير الحرب، أفيغدور ليبرمان، وهو ليس غريبًا عن الفضائح، تورط في تحقيقات فساد في الجزء الأكبر من السنوات الـ17 الأخيرة.
 

ربما يعجبك أيضا