لماذا تتملص إسرائيل من مشروع “قناة البحرين” مع الأردن؟

محمد عبد الدايم
رؤية – محمد عبدالدايم
نقلت وسائل إعلامية إسرائيلية خبرا مفاده أن وزير الطاقة والمياه الإسرائيلي يوفال شطاينتس قد عقد لقاء مع نظيره الأردني رياض أبو سعود لبحث أزمة المياه، ويعود تاريخ اللقاء إلى نوفمبر الماضي، بموافقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي أرسل وزير الطاقة ليقنع الأردنيين بقبول خطة بديلة لمشروع قناة المياه المعروفة بـ”قناة البحرين”.
أشارت التقارير إلى أن يوفال شطاينتس قدم لأبو سعود مقترحات بديلة لحل أزمة “قناة البحرين”، تتمثل في تزويد الأردن بمياه مُحلاة من إسرائيل، بدلاً من إنشاء محطة لتحلية المياه في الأردن، أو إناء محطة تحلية كبيرة في مدينة العقبة الأردنية تزود الأردنيين بنحو مليون متر مكعب من المياه المحلاة كل عام.
في الوقت نفسه عرض شطاينتس أن تتكفل إسرائيل من جانبها بنقل الملح الذي يترسب بعد تحلية المياه إلى البحر الميت، في محاولة لوقف جفافه، خصوصا مع التقارير البيئية التي تؤكد انحساره وقرب اضمحلاله تماما.
هذه المقترحات ليست قليلة التكلفة بالطبع، لكنها أقل تكلفة بالطبع من مشروع “قناة البحرين”، الذي تسعى حكومة نتنياهو الآن للتملص منه، بعد سنوات من الإعلان عنه.
على الجانب الآخر؛ لم يخرج رد فعل رسمي من الحكومة الأردنية، لكن المصادر الإعلامية قد نقلت أن حكومة الأردن أبدت انزعاجها من الأنباء التي تتواتر حول نية إسرائيل التملص من المشروع، غير أن مقترح بناء محطة تحلية مياه في العقبة قد أثار بعض الحماس لدى الأردنيين، لأنه بمثابة حل جيد إلى حد ما لمشكلة نقص مياه الشرب.
خلفية المشروع

بدأ الحديث عن مشروع “قناة البحرين” عام 2004، وبعدها بتسعة أعوام تم توقيع اتفاقيةفي واشنطن برعاية البنك الدولي في ديسمبر 2013 تقضي بالبدء في مشروع لمد أنبوب مياه بين البحرين الأحمر والميت، في محاولة لإنقاذ الأخير من الجفاف، إضافة لإقامة محطات تحلية للمياه المالحة تستفيد بها الأطراف الثلاثة فلسطين وإسرائيل والأردن في الشرب والزراعة، وكذلك إقامة محطات لتوليد الكهرباء.

طبيعة المشروع

يقضي المشروع بشق قناةتربط بين البحر الميت والبحر الأحمر الذي يرتفع فيه منسوب المياه بفرق يصل إلى 400م، مما يسمح بتدفق المياه من البحر الأحمر إلى الميت لمنع جفافه، وكذلك استخدام تدفق المياه في توليد الكهرباء، إضافة لإنشاء محطة لتحلية المياه المالحة في العقبة تنتج ما يقرب من 80 مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب والزراعة.

قدرت الدراسات أن منسوب البحر الميت يتناقص سنويا بنسبة تصل إلى 120سم، وبالتالي فخطر الجفاف التام يقترب يوما بعد يوم، وهو ما سيؤدي إلى مشاكل بيئية، وانتكاسة اقتصادية خطيرة، مع الحديث عن اختفائه بحلول العام 2050، ومن ثم فإن إمداد البحر الميت بنسبة محددة من مياه البحر الأحمر سيساهم في منع جفافه، مما يعطي فرصة للاستفادة المثلى منه اقتصاديا في مجالات تحلية المياه وتوليد الكهرباء والزراعة والتوطين وإقامة مناطق سكانية ومنشآت سياحية.
خلفية تاريخية
هذا المشروع يحمل خلفية تاريخية كبيرة، فقد تبنى الفكرة البِكر لهذا المشروع الأميرال البريطاني وليام ألن (1792- 1864) في محاولة لتأمين ممر مائي يصل إلى الهند، لأن قناة السويس كانت آنذاك تحت سيطرة الفرنسيين، كما عاود التفكير في المشروع اللواء البريطاني تشارلز جوردون (1833- 1855) المُلقب بـ “جوردون الصين”.
في ثلاثينيات القرن الماضي ظهرت فكرة المشروع مجددا على يد مهندس معماري صهيوني يُدعى موشيه يتسحاق بلوخ(1893- 1949)، أعاد عرضها على قادة بريطانيا آنذاك، في ظل مسعاها المستمر لإيجاد بديل لقناة السويس.
منذ ذلك الوقت صار حلم شق قناة منافسة لقناة السويس بمثابة هوس لدى الصهاينة، حيث تبناها مهندس صهيوني آخر يُدعى يونا قرمنتسكي (1850- 1934)، أحد المختصين في مجالات البنى التحتية والكهرباء.
بعد قيام إسرائيل تفاقمت مشكلة مياه الشرب بين الكيان الصهيوني والأردن، خاصة بعدما نفذت إسرائيل “النظام الناقل للمياه”، والذي يقوم على نقل المياه العذبة من بحيرة طبريا إلى المناطق العطشى في جنوب الأرض المحتلة، فقامت الولايات المتحدة بالتدخل في الأمر وعرضت عن طريق مبعوثها إريك جونسون مقترحا لتقسيم المياه بين الأردن وإسرائيل وذلك عام 1955، وهو المقترح الذي لاقى قبولا من الطرفين آنذاك، لكن الجامعة العربية رفضته لأن سوريا اعتبرت اتفاقا كهذا بمثابة اعتراف بدولة إسرائيل، غير أنه ظل اتفاقا ساريا.

استمرت إسرائيل في محاولات مستمرة لإحياء منطقة النقب كي تحقق أهدافها الاقتصادية بتهيئة المنطقة للاستيطان الكامل وإيجاد مصادر للمياه العذبة، إضافة للهدف الاستراتيجي الخفي الجلي، المتمثل في محاربة قناة السويس أحد أهم مصادر الدخل القومي المصري، عن طريق مجرى ملاحي تجاري وعسكري تفرض به إسرائيل سيطرتها بشكل كبير على خليج العقبة، فتتمركز في نقطة استراتيجية بين مثر والأردن والسعودية، وتسيطر على طريق ملاحة تجاري دولي.

توفير التكلفة لأهداف أخرى
إذا المشروع كان حلما صهيونيا وإسرائيليا، لكن نتنياهو يفكر الآن في التكلفة الاقتصادية الباهظة التي سيدفعها لشق هذ القناة، في الوقت الذي يسعى لتخصيص أكبر جزء ممكن من ميزانية بلاده لصالح خطة النهوض بقدرات الجيش، إضافة إلى التحرك الاقتصادي الكبير الذي يمضي فيه خصوصا منذ العام الماضي، حيث يعمل حثيثا على تنشيط الاقتصاد الإسرائيلي عن طريق تجارة الأسلحة، حيث أبرم اتفاقات لتصدير تقنيات عسكرية لدول في أمريكا الجنوبية، وكذلك الهند، والفلبين، ومؤخرا تشاد، إضافة إلى تحركه لتدشين “السلام الاقتصادي” مع دول عربية، حيث زار سلطنة عمان، وقريبا يزور البحرين.
هذا التحول الإسرائيلي قد حول بوصلة نتنياهو الاقتصادية والسياسية بعيدا عن مشروع “قناة البحرين” التي ستستنزف مبالغ هائلة من موازنة بلاده، في الوقت الذي يمكن الحصول على مكاسب أسرع من العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية التي يوطدها حاليا مع دول لاتينية وأفريقية وأسيوية.

كذلك كان من المأمول لدى الإسرائيليين أن تكون قناة البحرين بمثابة منافس لقناة السويس، لكن الدراسات أكدت أن هذا الأمر لن يؤتي ثماره، سواء كان الممر مائيا ممثلا في “قناة البحرين”، أو بتدشين خط قطار بضائع سريع، وهي فكرة كانت مطروحة وبقوة لربط البحرين الأبيض بالأحمر، ناهيك عن تدشين الصين لطريق الحرير الذي سيحقق فوائد أكثر من “قناة البحرين” التي لا تعدو كونها محاولة لإيقاف جفاف البحر الميت، وبطبيعة الحال لا تنشغل إسرائيل في الوقت الحالي بمشكلة بيئية كهذه.

ربما يعجبك أيضا