د. أحمد يوسف يكتب: ذكرياتٌ مع الرئيس عباس ودحلان

علاء الدين فايق

رؤية
 
تناول د. أحمد يوسف، الكاتب والمحلل السياسي، اليوم الأحد، مقالًا بعنوان “ذكرياتٌ مع الرئيس عباس ودحلان”.
 
وافتتح الكاتب مقاله قائلًا: “شهادتي للتاريخ! ” للتحدث عن شخصية كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) والنائب محمد دحلان (أبوفادي)، على خلفية لقاء جمعهما والكاتب بفندق الـ”ريتزكارلتون” بالعاصمة الأمريكية واشنطن في يونيو 2003، خلال اجتماع لقيادات الجالية العربية، و40 شخصية مثّلت واجهات دينية ومنظمات المجتمع المدني.
 
وحول هدف اللقاء قال المحلل السياسي الفلسطيني، إنه كان للتعرف على “أبومازن”، رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد وقتها، وكان معه في ذلك الاجتماع عددٌ من قيادات السلطة السياسية والأمنية، إلا أن الأبرز بينهم حضورًا واللافت إعلاميًا كان وزير الشؤون المدنية وقتها محمد دحلان.
 
وتحدث عن الدور النضالي لمحمد دحلان، قائلًا: كنت قد سمعت عن الناشط في الشبيبة الفتحاوية محمد دحلان من أخي (عز الدين)، وعن الجهد الذي بذله لمساعدته عندما تمَّ اعتقالهما معًا في مصر عام 1987، في زنزانة واحدة لستة أشهر.
 
وأشار الكاتب إلى الدور السياسي للنائب محمد دحلان في عام 2005، عندما بدأ الحديث عن انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة، حيث تولى ملف الانسحاب في حينه، والتواصل مع حركة حماس للتنسيق للتغيير القادم على المشهدين السياسي والأمني، والتقى وقتها د. موسى أبومرزوق سرًّا بالأخ محمد دحلان، حيث جرى بينهما حديث طويل يتعلق بمستقبل معبر رفح، والتفاهمات المطلوبة بين الطرفين بعد رحيل الاحتلال.
 
الانتخابات التشريعية بدايات مشرقة ونهايات محرقة
 
وفيما يتعلق بموقف كل من النائب محمد دحلان و”أبومازن” من نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية في العام 2006، التي كانت صادمة -أو كما وصفها الكاتب بـ”تسونامي”!- بعد فوز حركة حماس.
 
أوضح د. أحمد يوسف -في مقاله- أن رد فعل الطرفين أظهر موقفهما من الحرص على الوحدة الوطنية، والحيلولة دون حدوث الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، وهو ما ظهر في طريقة التعاطي من جانب دحلان و”أبومازن” في هذا الصدد.
 
وتابع: بعد أن تسلمت حركة حماس مقاليد السلطة رسميًّا في 27 مارس 2006، بدأت المناوشات تظهر وتتعالى وتيرتها يومًا بعد يوم، وتبدَّى أننا مقبلون على مواجهات أكثر من اغتيال شخص هنا أو هناك.
 
وثمّن الكاتب موقف “دحلان” في التعامل مع التحديات التي تواجه السلطة الفلسطينية، بعد أن تواصل معه شخصيًّا، وتعرف على رغبته في إيجاد صيغة للتعايش والتآخي سياسيًّا، والعمل معًا من أجل مشهد فلسطيني آمنٍ ومستقر يخدم الجميع، وعلى قاعدة “الوطن للجميع؛ نحرره معًا ونبنيه معًا”.
 
وتعرض الكاتب لحجم التحريض الذي تعرض له النائب محمد دحلان، حيث نالت منه الكثير من الاتهامات وأشكال التشهير والتشويه، والتي كانت تُخرج المرء –أحيانًا- عن صوابه،  وتدفعه للرد بانفعال وتهور، نظرًا للمكانة القيادية والكاريزما التي كان يتمتع بها، وهذا ما كان يفرض عليه ويلزمه دائمًا بأن يرد، ويضع نفسه في “بوز المدفع” وصدارة جبهة المناكفة السياسية مع حركة حماس.
 
وتناول أيضًا، آلية تعاطي الرئيس الفلسطيني مع حالة الصراع والتدهور بين حركتي فتح وحماس، والتي كانت تتدحرج فيها الأمور من السيئ إلى الأسوأ، واصفًا السلطة بانها بدت باهتة وعاجزة؛ وأخفقت في تحقيق أية مكاسب ملحوظة على المستوى الوطني في ظل سيطرة الاحتلال على المشهد السياسي منذ توقيع أوسلو عام 1993.
 
وانتقد الكاتب قناعات الرئيس الفلسطيني بشأن القضية الفلسطينية، والقائمة على أن الإدارة الأمريكية هي من بيدها كل أوراق اللعب والتأثير في المعادلة السياسية مع الاحتلال، ومن ثم لم ينشط كثيرًا في تثبيت أركان حكمه بالرهان على شراكة سياسية حقيقية مع حركة حماس؛ لأن إسرائيل ومن خلفها بالطبع أمريكا كانا يرفضان تعزيز فرص بقائها والتمكين لها في الحكم.
 
وبرهن الكاتب على تلك الرؤية التحليلية لموقف السلطة، حيث كان الرئيس (أبومازن) يبدو دائمًا عابسًا ومتجهم الوجه في لقاءاته التي كان يلتقي فيها إسماعيل هنية؛ رئيس الوزراء في الحكومة العاشرة، لأسباب ربما كانت داخلية وأخرى خارجية، متشجعًا للتمكين لحكومة هنية، وترك باب الصراع معها مفتوحًا، ولم يُظهر حرصًا كافيًا على حسم الأمور واستتبابها، وكانت الحرب الإعلامية من الجانبين مستعرة.
 
كما كان يبدو أن الرئيس يراهن على أن الصراع بين حركة حماس والأجهزة الأمنية، التي كانت أغلب مقاليدها بيد دحلان، سوف يؤدي إلى إضعاف الطرفين واستنزاف قواهما معًا، لذلك لم نشهد له دورًا حقيقيًّا بارزًا في رأب الصدع، والتحرك لتخفيف حدة الخلاف وإطفاء جذوته.
 
وأرجع الكاتب سبب الارتباك -الذي شهدته الساحة الفلسطينية حتى بعد اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في فبراير 2007، والذي منح جميع الأطراف بعض التفاؤل- إلى الرئيس “أبومازن”، وإصراره الدائم على ضرورة الحصول على موافقة الإدارة الأمريكية في كل ما كان يتخذه من سياسات أو يقوم به من تحرك مع حركة حماس!
 
وأشار إلى أن “دحلان” كان مستشارًا للأمن القومي، قائلا: من باب الأمانة، فإن الإشكالية الحقيقية لم تكن في دحلان وموقعه الأمني، ولكنها كانت في الرئيس، وذلك عندما تشبث بموقفه، وأصرَّ على أن تعطي أمريكا رأيها وتمنح موافقتها على البرنامج السياسي للحكومة.
 
وتناول الكاتب موقف “أبومازن” بعد حدوث الانقسام منذ يونيو 2007 وحتى اليوم، منتقدًا موقفه في السعي لإعادة الأمور إلى نصابها، وتابع: وبدلًا من ذلك استمر في حملته بإصدار “المراسيم الرئاسية” وإجراءاته العقابية لحركة حماس وحكومتها بطريقة لا توحي بأننا سنلتقي ونتغافر، بل سارت الأمور باتجاه “أن لا تلاقيا”!
 
وعلى الجانب الآخر فنّد الكاتب الاتهامات التي وُجّهت إلى النائب محمد دحلان، حيث قام البعض بتحميله مسئولية كل ما وقع من أحداث مأساوية، وأشاعوا أنه كان العقل المدبر وراء الكارثة! بينما كان بعيدًا عن تفاصيل كل ما جرى، مشيرًا إلى أن التقرير الذي صدر عن لجنة التحقيق التي شكلتها السلطة قد أكد براءته كذلك.
 
وأشاد الكاتب، بحالة النضج السياسي للنائب محمد دحلان ووعيه بأهمية الشراكة السياسية والتوافق الوطني، وأن الخلاص لن يتأتى مع حالة التشرذم القائمة.
 
رأب الصدع: محاولات ومواقف وتساؤلات
 
وحول الجدل الذي أثير حول سرِّ العلاقة بين حماس ودحلان، والتساؤلات التي طرحها البعض فيما يخص مغزى هذا التلاقي والعناق! أشار الكاتب الفلسطيني إلى أن السياسة لا تعرف خصومات دائمة، وأن المصلحة اقتضت مثل هذا التفاهم والمصالحة، هذا من ناحية.
 
ومن جهة أخرى، فإن قيادات الطرفين قد بلغت درجة من النضج السياسي، وأن بإمكانهما التحالف مع “خصم الأمس” لاستنقاذ الحالة الوطنية، وإخراجها من أوجاع “المحنة والانقسام” التي طالت الجميع، وأطاحت بالجمل وما حمل.
 
واستشهد الكاتب بحديث “دحلان” له خلال زيارة خاصة، بعد توقيع اتفاق المصالحة في مايو 2011، قائلًا : “يا أخ أحمد.. إنهما يتكاذبان، والرئيس لا يريد مصالحة، وستثبت لك الأيام صدق توقعاتي”.
 
وتابع: بعد أن هدأت الأمور، بدأت حركة حماس تعاود علاقاتها مع مصر، وأخذ دحلان يظهر في المشهد بلقاءات يجريها رفيق دربه سمير المشهراوي بوفود حركة حماس في القاهرة، ولعبت هذه اللقاءات دورًا في تخفيف درجة الخصومة والعداء السياسي بين الطرفين.
 
الانفتاح على الآخر: دحلان ورقة أم خيار؟
 
وحول دور دحلان في الانفتاح على الآخر، أضاف الكاتب أنه في الوقت الذي لم يكن فيه الرئيس متحمسًا وحريصًا على المصالحة، وهو بحديثه عنها كان يُظهر ما لا يُبطن، كانت حماس تتبنى مقاربة جديدة تعتمد سياسة البحث عن بدائل وخيارات أخرى يمكنها أن تتحمل معها أعباء الحالة الفلسطينية في قطاع غزة ومنعها من الانهيار، فجاءت فكرة الانفتاح على التيار الإصلاحي في حركة فتح.
 
وكانت التصريحات الإيجابية والمبادرات الوطنية التي كان يتقدم بها النائب محمد دحلان كانت مشجعة، ووجهت رسائل لحركة حماس كانت كافية لتلقفها وفتح الطريق باتجاه التعامل معه. وقد تحقق ذلك فعلًا باللقاء الذي جرى بالقاهرة بينه وبين يحيى السنوار؛ مسئول الحركة في قطاع غزة، وذلك على هامش جولة تفاوضية لوفد أمني من حماس مع قيادة جهاز المخابرات العامة.
 
 كان هذا اللقاء بمثابة “تسونامي”؛ لاعتبارات كثيرة، ولكنه في الحقيقة كان خطوة -على خطورتها- لا بدَّ منها.
 
الرئيس عباس ودحلان: بين مشهدين
 
وثمّن الكاتب الجهود التي بذلها محمد دحلان مع الجانب المصري كانت وراء ما تحقق من انفراج في العلاقة مع القاهرة، وأن هذا التحسن في مستوى بناء الثقة ساهم في عودة الجهود المصرية لتسلم زمام المبادرة في ملف المصالحة الفلسطينية.
 
وبين الكاتب أنه بعد اللقاء “التسونامي” في القاهرة بين دحلان والسنوار -والهجوم على دحلان والتيار الإصلاحي في إعلام السلطة، وعلى ألسنة العديد من رجالاتها، ومحاولة البعض وضع حركة حماس أمام معادلة “إما نحن أو دحلان”!- كان دحلان يؤكد في تصريحاته أنه لن يكون حجر عثرة في وجه العلاقة بين السلطة وحماس، ويدعم قيادة حماس في أن تمضي قدمًا في علاقاتها مع الرئيس “أبومازن”؛ لأن الهدف هو إنهاء الانقسام.
 
ووفقًا للمعطيات السابقة، كشف الكاتب أن كل ما تعرض له قطاع غزة من حصار وتضييق وتوتر في العلاقة مع مصر، كان يقف خلفه وبدرجة كبيرة الرئيس (أبومازن) وليس محمد دحلان، وذلك في سبيل تركيع حركة حماس.
 
ففي حين كان الأول، وعبر أجهزته الأمنية، يقوم بعملية التحريض على حركة حماس وتشويه صورتها، بهدف تشديد قبضة الحصار على قطاع غزة، من خلال الإبقاء على “معبر رفح”، الذي يمثل المتنفس الوحيد وشريان الحياة لأهالي قطاع غزة، دائم الإغلاق، تحت ذرائع وحجج واهية!
 
كان الآخر؛ أي محمد دحلان، يسعى مع الجانب المصري لفتح المعبر، بل وحتى توسعته، للتسريع في الإجراءات والتخفيف من المعاناة التي كان يلقاها المسافرون في الذهاب والإياب، وقد كان صاحب فضل في توفير مبلغ مالي كبير من دولة الإمارات بغية تحقيق هذا الهدف.
 
ورصد الكاتب -من خلال قراءة المشهد- التحول الكبير في ولاءات الشارع الفلسطيني، وخاصة بين الشباب في قطاع غزة، باتجاه النائب محمد دحلان، حتى الإسلاميون بدأت تتغير نظرتهم للرجل وصار يحظى بينهم بالقبول.
 
وحسب المؤشرات الحالية توقّع الكاتب أن التوسع والانتشار للتيار الإصلاحي الذي يقوده دحلان، في أوساط الشباب والمرأة، يحمل أكثر من مؤشرٍ مستقبلي بأن هذا التيار يوشك أن يكون هو التمثيل الحقيقي لحركة فتح بعنوانها التاريخي والعرفاتي المجيد.
 
وعلى الجانب الآخر من المشهد، سوف نجد رئيسًا يعاقب شعبه بإجراءات تمسّ حياتهم المعيشية، حيث أضعفت مقدراتهم الوطنية بتساوقها مع سياسات نتانياهو تجاه حصار قطاع غزة، وتنسيقها الأمني مع الاحتلال بالدرجة التي تضعها في دائرة الاتهام وطنيًّا.
 
في الزاوية الثانية للمشهد؛ نرى فيها دحلان الذي أبدى تعاطفه الكبير مع قطاع غزة، وتحرك ليوفر الدعم للمحتاجين، وانشغل بالهمِّ الإغاثي والإنساني لأهالي القطاع، ودعم الكثير من المشاريع التي تخص الشباب والمرأة عبر اللجنة الوطنية الإسلامية للتنمية والتكافل الاجتماعي، والتي غدت تقدم شهريًّا حوالي 15 مليون دولار مساعدات إنسانية، يتم جمعها من أكثر من دولة خليجية، وعلى رأسها دولة الإمارات.
 
وتابع: إن إطلالة منصفة على المشهدين، تعطيك جوابًا لا يختلف عليه اثنان، وهو أن سلطة بهذا الضعف والغياب، والتهرب من التزامات المشروع الوطني، لن تلقى قبولًا شعبيًّا؛ لا في الضفة الغربية ولا في قطاع غزة، وإذا ما جرت انتخابات حرة ونزيهة وبمراقبة دولية فلن يحظى من هم في مشهد التمثيل لها أي قبول لدى الشارع الفلسطيني، وأنا اليوم كشابٍ يهيم على وجهه فقرًا وبلا مستقبل لو خُيِّرت في أي انتخابات قادمة ما بين أبومازن أو دحلان، فإن الخيار سيكون -وبلا تردد- لصالح دحلان.
 
واختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على الروح الوطنية التي يكتب من خلالها عن كل من النائب محمد دحلان والرئيس الفلسطيني، على الرغم من الاتهامات الموجهة إليه بأنه يغرد خارج السرب، قائلا: تناولت ما يتعلق بالرئيس ما له وما عليه، ولم أجامل أحدًا أو أنافقه، وبالمثل فعلت مع النائب محمد دحلان. إضافة لذلك، كانت رؤيتي النقدية حتى للتيار الإسلامي الذي التزم معه تنظيميًّا.
 
إن تجربتي الطويلة في الغربة ومعرفة الناس؛ علمتني أن يكون الحب “هونًا ما”، وأن تكون البغضاء كذلك؛ لأن المعايير قد تتغير، ولا ينفع –حينئذٍ- ولات حين مندم.
 

ربما يعجبك أيضا