“هبة خفاجي”.. وداعًا للنور الذي أضاء القلوب

مها عطاف

رؤية – مها عطاف

ملهمة في موتك كما كنت في حياتك يا هبة، فلروحك الرحمة وعلى أرواحنا السلام.. توفيت بالأمس الدكتورة المصرية هبة خفاجي، أستاذ الأورام بمستشفى قصر العيني، واستشاري علاج الأورام ومدرس بكلية الطب جامعة القاهرة، وذلك بعد تعرضها لأزمة قلبية مفاجئة في ساعات متأخرة من الليل، وأوجع رحيلها الكثير ممن يعرفها أو لا، لم تكن مجرد طبيبة، بل كانت نموذجًأ للإنسانية في زمن أصبحت مهنة الطب تجارة، ولم تخش لومة لائم في قول الحق، ومواقفها تقولها علنًا، فمصلحة المريض هي سبيلها الأول، وتخفيف آلامه ووجعه ومساعدته على الشفاء، حتى لو لم يكن ضمن تخصصها، فلنهتد بروحها الطيبة، ولنستدل على الدرب المضيء بنورها، حتى نصل إلى مبتغانا.

“محدثتكم طبيبة بشرية.. بعضكم سينظر لسطوري متهكما وقد لا يكمل قراءة بقية السطور، فلقد أصبح لمهنتي الحبيبة سمعة ليست مشرفة ولم تصبح المهنة مدعاة للفخر، لم أختر مهنتي لأحصل على لقب أو أشعر بالفخر لكوني “الدكتورة”، اخترتها لإيماني بأهمية خدمة الناس، كنت أبحث عن وسيلة لتخفيف آلامهم والانتصار في حربنا ضد الأمراض، خاصة الغير قادرين منهم، ولذا تحملت العمل في مستشفى قصر العيني منذ عام 2002 رغم ضعف الإمكانات وقلة الموارد والبيروقراطية”.. هكذا تحدثت “هبة” عن نفسها وعن مهنتها التي وقعت في حبها من جديد.

عرفت هبة بدكتورة “الغلابة”، وكانت دائما تبحث عن علاج للمرضى بدون مقابل، وتسعى لعمل الخير وجمع أدوية السرطان لغير القادرين، وشراء أجهزة للمستشفيات، وتعد هبة أحد مؤسسي جمعية روح التنموية الخيرية، وكانت تتخذ من حسابها على موقع التدوين المصغر تويتر، منصة للمرضى، تنشر قوائم الأدوية الناقصة، وتدخل في معارك من أجل حقهم في العلاج.

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” و”تويتر”، بعد وفاة الطبيبة المصرية، ولاحقتها كلمات النعي والوداع والرثاء تباعًا، بل ورافقتها أحرف الود والحب في مرقدها الذي يأكل جسدها ويرقي روحها، وروى أحد أصدقائها المقربين أنه كان يتصل بها في اليوم مرات عدّة من أجل إنقاذ حالة مرضية أو توفير دواء أو غرفة عناية مركزة وطوال الوقت كان يزعجها بطلبات المرضى واحتياجاتهم حتى في ساعات متأخرة من الليل فلا تنام ولا يهدأ لها بال، وتحارب مع مديري المستشفيات حتى توفر لهم المكان المناسب وتنجح، وحين كان يعتذر لها على الإزعاج المستمر، وفي كل مرة كان يأتي ردها المهذب بكلمات حفرت بداخله “ادوشني طالما في الخير ولصالح الناس”.

وكتب آخر: “بعد سفري لأمريكا من شهرين، أمي مرضت بالسرطان، وطبعاً لما قالولي حسيت إن كل حاجة سودة، دكتورة هبة خفاجي وقفت معايا وماما راحت لها وفضلت تتابعها وكانت تطمني دايما لحد فعلاً ماما ما خفت كليا، وبقت تسأل عليها كل فترة وتطمن، دا موقف من مواقف كتير عملتها، ربنا يرحمك ويغفرلك”.

ونعى الفنان أحمد السعدني، “هبة خفاجي” على موقع “تويتر” قائلًا: “الملاك بنت الحلال، ألف رحمة ونور يا ست البنات يا طيبة يا بنت الحلال، بحبك في الله”، وقال الفنان نبيل الحلفاوي: “هبة خفاجي، ملاك الرحمة والعطاء، نبع الخير والنقاء، رحيلك الصادم أوجع القلوب وأدمع الأرواح، والله ما أنتِ إلا هذا كله، فهنيئا لك يا طيبة بالجنة بإذن الله”.

وكتب عنها نجم الأهلي والمنتخب السابق، محمد أبوتريكة: “إنا لله وإنا إليه راجعون رحم الله الدكتورة هبة خفاجي وغفر لها وأدخلها فسيح جناته وألهم أهلها وأصدقاءها ومرضاها الصبر والسلوان وجعل مجهودها في علاج مرضى الأورام ومساعدة المحتاجين في العمل الخيري التطوعي في ميزان حسناتها”.

خطت هبة وصيتها قبل شهور من مغادرة تلك الحياة فتعجلت الرحيل لحياة العدل والرحمة: “وصيتي.. العزاء يقرأ سورة مريم وإياه وآيات العذاب وذكر جهنم، وقدموا عصير بلاش شغل شاي وقهوة ومياه.. وبلاش نكد دي مش شخصيتي.. عاوزة أكتبها وألزمهم بيها”.

رحم الله هبة خفاجي بحق كل هذا الحب والاحترام لها، هذا النور الراقد الآن تحت التراب ونحن فوقه، الذي يجعلك تُعيد حساباتك من جديد، فبعد أن فقدناها رأينا الأثر الطيب، وبعد أن لفها اللحد أدركنا وجودها في أرواحنا، وكانت آخر كلماتها: “الجنة طيبة لا يدخلها إلا الطيب”.. فارقدي في سلام يا طيبة.

ربما يعجبك أيضا