بعد الانسحاب الأمريكي.. روسيا تستنكر وتتوعد وشبح الحرب الباردة يلوح بالأفق!

حسام السبكي

حسام السبكي

تعليق يعقبه انسحابٌ كامل، هكذا قررت الإدارة الأمريكية، وفق إعلان الرئيس دونالد ترامب، أمس الجمعة، تعليق التزام الولايات المتحدة الأمريكية بمعاهدة الحد من الصواريخ النووية متوسطة المدى، والشروع في عملية الانسحاب الكامل من المعاهدة، في غضون 6 أشهر، وهو ما قوبل بترحيب ودعم من حلف شمال الأطلسي “الناتو”، فيما عارضته كلًا من روسيا والصين بشدة.

انسحاب القطبين الأمريكي والروسي من معاهدة الصواريخ، يعد نذير شؤوم، بعودة أيام “الحرب الباردة” العجاف، التي كانت الخطر الأكبر الذي يتهدد القارة الأوروبية العجوز، بعد أهوال الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث قد يترتب على القرارين الأمريكي والروسي، عودة “سباق التسلح النووي”، وصراع الهيمنة على العالم بين المعسكرين من جديد.

ترامب.. الانسحاب العاشر!

لم يكن قرار الانسحاب الأمريكي من معاهدة الصواريخ النووية، الأول من نوعه من قبل إدارة الرئيس ترامب، فقد سبقه 9 انسحابات أخرى، أبرزها “اتفاقية باريس للمناخ”، و”الاتفاق النووي المبرم مع إيران”، و”اليونسكو”، ما يجعل ترامب بحق “بطل العالم في الانسحاب من الاتفاقيات الدولية”، تحت شعار “أمريكا أولًا”.

قرار الإدارة الأمريكية، جاء وفق في بيان بثه “راديو سوا” الأمريكي، حيث حدد، اعتبارًا من اليوم السبت، أن الولايات المتحدة ستعلق كافة التزاماتها بمعاهدة الحد من الصواريخ النووية المتوسطة، والبدء في عملية الانسحاب من المعاهدة والتي ستكتمل خلال ستة أشهر.

واشترطت واشنطن، عودة موسكو – على حد وصف البيان – للالتزام بها وتدمير جميع الصواريخ والمنصات والمعدات التي تنتهكها.

وأوضح البيان أن “الولايات المتحدة التزمت بالمعاهدة بشكل كامل لمدة تزيد عن 30 عاما، ولكننا لن نبقى مقيدين ببنودها فيما لا تفعل روسيا ذلك”، مضيفا “طالما انتهكت روسيا معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى بحصانة وتطور وتنشر خفية نظاما صاروخيا محظورا والذي يشكل تهديدا مباشرا على جنودنا وحلفائنا في الخارج”، مؤكدا تأييد أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو) لهذا الانسحاب.

وأكد ترامب استمرار إدارته بالتحكم بالأسلحة بما يتوافق وتطور الولايات المتحدة وحلفائها ممن يأدون التزاماتهم.

يُشار في هذا السياق، إلى أن المعاهدة الموقعة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1987، في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجن، والزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشيف، الصواريخ التي تطلق من البر ويبلغ مداها بين 500 و5500 كلم، ووضعت حدا لنشر رؤوس حربية في أوروبا.

الناتو يرحب.. ويخاطب روسيا

تناغم القرار الأمريكي بالانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية، المعروفة بـ “آي إن إف”، بترحيب من حلف شمال الأطلسي الناتو، الذي انسجم مع الموقف الأمريكي الرامي لتجحيم القوة الروسية من تهديد العالم.

في هذه الأثناء، بعث الحلف، رسالة هامة إلى موسكو، مفادها الدعوة إلى استغلال روسيا لمهلة الستة أشهر الأمريكية، من أجل إنقاذ المعاهدة.

وأصدر الحلف بيانًا، أمس الجمعة، جاء فيه: “ندعو روسيا لاستغلال الأشهر الـ6 المتبقية على انسحاب واشنطن الكامل من المعاهدة للعودة إلى الامتثال الكامل والقابل للتحقق، للحفاظ على معاهدة الأسلحة النووية”.

وأضاف البيان: “تتحمل روسيا وحدها المسؤولية عن انتهاء المعاهدة، ما لم تقم بالتزاماتها تجاهها، وتُدمر جميع أنظمة صواريخ (9 إم 729) قبل سريان انسحاب الولايات المتحدة فى غضون 6 أشهر”.

روسيا.. استنكار ووعيد

لم يُتوقع، أن يتأخر الرد الروسي كثيرًا، أو يكون أقل من تحدي الرغبة الأمريكية في قطب عالمي أوحد، فجاءت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتضع النقاط على الحروف في الأزمة.

فعلى غرار القرار الأمريكي، أعلن بوتين، اليوم السبت، تعليق مشاركة بلاده في معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة.

وقال بوتين إن “شركاءنا الأمريكيين أعلنوا تعليق مشاركتهم في الاتفاق وسنعلق نحن كذلك مشاركتنا”.

وأكد بوتين خلال لقاء جمعه بوزيري الخارجية والدفاع سيرجي لافروف وسيرجي شويجو أن روسيا لن تباشر أي محادثات جديدة مع الولايات المتحدة بشأن مسألة نزع الأسلحة، حيث قال “سننتظر إلى حين نضوج شركائنا بما يكفي لإجراء حوار متساو وذي مغزى بشأن هذا الموضوع المهم”.

وخلال الاجتماع، قال بوتين إن روسيا ستسعى لتطوير صواريخ متوسطة المدى ردا على ما وصفها بأنها مشاريع مشابهة في الولايات المتحدة. لكنه أكد أمام الوزيرين أن روسيا “لن تنخرط في سباق تسلح جديد مكلف”.

وتابع أن موسكو ستكتفي بنشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في أوروبا وغيرها ردا على تحركات مشابهة من قبل الولايات المتحدة. فيما هدد بوتين سابقا بتطوير صواريخ نووية تحظرها معاهدة “آي إن إف” في حال تم إلغاؤها.

قلق أوروبي.. وتدخل صيني

فيما يبدو أن القارة الأوروبية، باتت على موعدٍ مع تهديدٍ جديدٍ، ومحطة أخرى، لصراع أزلي، بين المعسكرين الشرقي والغربي، إبان الحربين العالميتين، في القرن الماضي، ربما يدق طبول الحرب الباردة، التي ذهبت بمعاهدات مثل “آي أن أف” في عام 1987، وقبلها اتفاقية الحد من الأسلحة الاستراتيجية “سالت1 ” في 1972، واتفاقية الحد من القاذفات الجديدة للصواريخ الباليستية “سالت 2” في 1979.

فقد أعرب القادة الأوروبيون عن قلقهم من تداعيات انهيار المعاهدة، وحضوا روسيا على التعامل مع المسائل التي تشكل مصدر قلق بالنسبة لواشنطن قبل انسحاب الأخيرة رسميا منها في أغسطس المقبل.

وفي أولى ردود الأفعال الأوروبية، وصفت صحيفة “زيكسيشه تسايتونج” الألمانية، في مقالها الافتتاحي اليوم السبت أن قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى مع روسيا “يوم أسود” للسيطرة على الأسلحة.

وقالت الصحيفة:
“هذا اليوم سيسجل في التاريخ كيوم أسود للسيطرة على الأسلحة ونزع السلاح. كما كان يخشى الكثيرون، أكدت الولايات المتحدة انسحابها من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى”.

وتابعت الصحيفة “لا يمكن تجاهل أن المعاهدة بها عيوب. لقد عكست ترتيبات السياسات الأمنية التي هيمنت على المرحلة الأخيرة من الحرب الباردة. وبالنظر إليها من هذا المنطلق، فإنها لم تعد مناسبة للوقت الحالي”.

وقالت الصحيفة “ولهذا، يجب القيام بمحاولات لتجديدها، إنهاءها يعد مسارا خاطئا، لأنه بدونها تتم إزالة العائق أمام سباق تسلح نووي”.

وأضافت “إذا استؤنف السباق، ستكون سلامة الأوروبيين مهددة- مثلما كان الحال في ثمانينيات القرن الماضي عندما وضعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي صواريخ متوسطة المدى على الأراضي الألمانية”.

ورغم أن الصين ليست طرفا في المعاهدة، وأنفقت أموالا كثيرة على الصواريخ التقليدية، فقد عارضت انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة، داعية واشنطن وموسكو لإجراء حوار بناء.

وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، “جين شوانج”، أن “انسحاب الولايات المتحدة أحادي الجانب من معاهدة الطاقة النووية قد يثير سلسلة من العواقب السلبية.. وستتابع الصين عن كثب التطورات ذات الصلة”.

ربما يعجبك أيضا