“اليمين المتطرف” يقود موجات العنف شرقًا وغربًا

عاطف عبداللطيف

رؤية – عاطف عبداللطيف

بات “اليمين المتطرف” خطرًا كبيرًا ليس على المسلمين وحدهم، إنما استفحل الأمر إلى خطر داهم أصبح يهدد أوروبا كلها في المرحلة القادمة في ظل دعوات من تنظيمات متطرفة ومتشددة مثل داعش وغيرها إلى الذئاب المنفردة بشنّ عمليات انتقامية في الغرب ردًا على الجريمة النكراء التي ارتكبها إرهابي في نيوزيلندا قبل يومين، بعدما فتح النار من بندقيته الآلية أثناء صلاة الجمعة على مصلين في اثنين من المساجد متسببًا في استشهاد نحو 50 شخصا وإصابة العشرات، كما هاجم متطرف آخر مسجدًا في نيوزيلندا اليوم الأحد وهاجم المصلين بألفاظ عنصرية.

ونتيجة لهذا الخطر الداهم وتمدد اليمين المتطرف في الغرب، يجب سن قوانين ضد التحريض اليميني ضد أي دين أو عرق حتى لا يتسبب اليمين المتطرف الذي يتواجد فكريًا وحزبيًا في الكثير من الدول الأوروبية في موجات عنف ودماء لن تنتهي.

إرهاب ومبررات

ويرى طارق أبوهشيمة -رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء المصرية- أن ما حدث في نيوزيلندا عمل إرهابي من الدرجة الأولى، ومن الظلم تصنيفه على أنه حادث إجرامي كما يحلو للبعض؛ لأن الحادث ارتكب على خلفية دينية، وعليه لا بد من وضع الأمور في نصابها.

وأضاف، من الإجحاف توصيف ظاهرة الإسلاموفوبيا بأنها ردة فعل لتطرف داعش والقاعدة فقط، بل هناك أسباب أخرى ساهمت بشكل كبير في تضخم الظاهرة؛ منها عدم تفعيل قوانين تجريم العنصرية والعداء ضد المسلمين، هذا بجانب القصور في تعزيز قيم التسامح والتعايش وتعزيز قيم الاندماج الإيجابي في المجتمعات.

وقال أبوهشيمة -في تصريحات خاصة لـ”رؤية”- إن تبرير عنف الإسلاموفوبيا -على أنه مجرد رد فعل لتطرف القاعدة وداعش- يعطي شرعية للجاني الحقيقي لهذا العنف ويجعله يفلت من العقاب، ويعطيه أيضًا مبررًا لكل أفعاله الإجرامية بحق العزل والمسالمين.

أيضًا مثل هذه الجرائم النكراء من قبل اليمين المتطرف تستغلها التنظيمات المتطرفة كتبرير لأعمالهم الإرهابية التي تُلصق زورًا بالإسلام، فينفذون أعمالًا أكثر دموية في بلداننا والبلدان الغربية، تحت زعم ما يسمى بــ”دفع الصائل” عن إخوانهم المستضعفين في هذه البلاد، فيجعل بحور الدماء تسيل بغزارة.

وتابع، وبالفعل استغلت تنظيمات القاعدة وداعش الحادث في تبرير أعمالهم الإرهابية، وهذا ما كنا نخشاه. وعليه لا بد من تفعيل قوانين تجريم العنصرية والإسلاموفوبيا أو العداء ضد المسلمين في الغرب، حتى لا تتكرر مثل هذه الأحداث مرة أخرى، وبالفعل تكرر حادث بعد ساعات من العملية الإرهابية، حيث اصطدم رجل بسيارته في أبواب أحد مساجد كوينزلاند بنيوزيلندا، وقام بإلقاء الشتائم على المصلين بالداخل. مؤكدًا أنه لتقديم علاج للظاهرة أيضًا لا بد من تفعيل القيم الإيجابية؛ مثل: تعزيز قيم التسامح والتعايش وتعزيز الاندماج الإيجابي القائم على المساواة في الحقوق والواجبات.

وكل هذا لا بد أن يكون وفق مبادرات رسمية ترعاها الدول وليس الأفراد لضمان تنفيذها على الوجه الأكمل ولتجنب الاحتكاك ومزيد من العنف.

العداء الأبيض

وقال أسامة الهتيمي -الباحث في الشأن الدولي- إن ثمة أسباب ودوافع عديدة أدت في النهاية إلى تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا والذي يتخذ موقفًا عدائيًا من كل ما هو غير أبيض وغير مسيحي ومن ثم فالعداء ليس موجهًا بشكل خاص إلى المسلمين، فهو أيضًا يستهدف غير المسلمين والملونين من البشر، ولهذا فإن الأسباب وراء تنامي وتشكيل هذه النظرة العدائية لا تقتصر فحسب على الأسباب الدينية، فمنها ما هو سياسي أو اقتصادي، وهو الأمر الذي تشي به أدبيات ومقولات قيادات وكوادر هذا اليمين في كل الدول الغربية غير أن الواقع الفعلي كشف عن أن المستهدف الرئيسي من هذا العداء والذين يعانون الويلات من جراء سلوكه المتطرف والمهين هم المسلمون دون غيرهم، ما يؤكد أن تصاعد وتنامي هذا اليمين ليس إلا شكلًا جديدًا من أشكال معاداة الغرب للإسلام والمسلمين إذ لم يعد يكفي هؤلاء ما تمارسه سلطات وأنظمة دولهم من هيمنة على بلدان العالم العربي والإسلامي فتبتزهم وتفرقهم وتمتص ثرواتهم وتختلق الصراعات وتجند العملاء.

وأضاف الهتيمي: إن اليمين المتطرف وظف ردود فعل بعض المسلمين المقيمين في الغرب والذين أثارتهم النظرة التمييزية والشعارات المعادية لهم ولعقيدتهم توظيفا سيئًا، يصب في نهاية الأمر في صالح تزايد شعبيتهم واستقطابهم لقطاعات وفئات متنوعة أقنعتهم بدعاوى الخطر الإسلامي، رغم أن نظرة تأملية ولو سريعة تكشف عن أن سلوك بعض المسلمين في الغرب لم يكن إلا نتاج لتلك الشعارات واللافتات المعادية للإسلام والمسلمين والتي ما فتئ يرفعها ويرددها اليمين المتطرف في فاعلياته وتظاهراته من مثل “صلوا من أجل هولوكوست إسلامي” و”المهاجرون خارج أرضنا” وغير ذلك من العبارات المسيئة التي لم يتم اقتصادرها على الدول المتواجد بها نسب معتبرة من المسلمين بل وشملت دولًا أخرى ليس بها أعداد كبيرة مثل بولندا التي شهدت منذ سنوات مظاهرة حاشدة لليمين المتطرف شارك فيها أكثر من 60 ألف شخص رفعوا شعارات معادية ومنها “بولندا نقية” و”بولندا بيضاء” وغير ذلك، الأمر الذي يؤكد أن هذه العدائية ليس ما يبررها إلا الخطاب العدائي والعنصري لدى قيادات هذا اليمين.

وتابع: الحقيقة أن هذا الخطاب العدائي لليمين المتطرف بدأ يلقى قبولًا في الشارع الأوروبي والغربي بشكل عام، وهو ما تعكسه نتائج مشاركة الأحزاب والتنظيمات اليمنية المتطرفة في الانتخابات البرلمانية في الدول الأوروبية؛ إذ استطاعت هذه الأحزاب أن تحقق قفزات في عدد المقاعد التي حصلت عليها في الانتخابات التي أجريت خلال السنوات الأخيرة، ومنها مثلًا حزب الفجر الذهبي باليونان، وحركة بوبيك في هنغاريا، والحزب القومي الديمقراطي، وحركة ببغدا في ألمانيا، وحزب الجبهة القومية بزعامة مارين لوبان في فرنسا، وحزب استقلال بريطانيا، وحزب من أجل الحرية الهولندي بقيادة غيرت فليدز، وحزب الحرية النمساوي، وحزب الشعب الدنماركي.

مشيرًا إلى أن حادثة نيوزيلندا تنضم لغيرها من الشواهد العديدة الكاشفة عن حقيقة الموقف العدائي من الإسلام والمسلمين، والذي يتخذ سلوكًا عمليًا دائمًا ومستمرًا، يختلف شكله بحسب الظروف والملابسات غير أننا -وضمن انسحاقنا لمنظومة الغرب- لم نعد نتفاعل إلا مع بعض المظاهر السلوكية كقيام أحدهم بالقتل المباشر لمصلين في مسجد، رغم أن هناك ما هو أسوأ من ذلك بكثير، ومن ثم فإنه وجب أن تكون مثل هذه الحادثة وغيرها منطلقا للمسلمين والمعنيين بملف حقوق المسلمين في دول الغرب في ألا يألوا جهدهم في الاستفادة من هذه الحادثة والعمل من خلالها على تفعيل الحراك الإسلامي في داخل الدول الغربية أو حتى عبر المسلمين في الدول العربية والإسلامية لانتزاع الكثير من الحقوق المهدرة للمسلمين وسنّ تشريعات تكفل لهم حرية العبادة وتحقيق تكافؤ الفرص ومحاكمة المعتدين والمسيئين لهم ولعقيدتهم.

ربما يعجبك أيضا