ألمانيا تتجه نحو الصين وتعطي ظهرها للولايات المتحدة

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

عندما يتحول النقاش داخل البرلمان الألماني “البوندستاج”، حول الخلافات مع إدارة ترامب إلى مسألة سيادة، وتخرج التعليقات والتصريحات خارج الأطر الدبلوماسية إلى وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، فيكون الأمر قد وصل إلى حد الأزمة.

المشكلة أن ترامب ما زال ينظر إلى برلين بانها تلك الدولة التي مازالت تعاني بين شطريها الشرقي والغربي وأن جدار برلين ما زال قائمًا، ماتعنيه إدارة ترامب هو “الوصاية” على ألمانيا، وانعكس ذلك بتصرفات السفير الأمريكي في برلين ريتشارد غرينيل” الذي اصبحت تدخلاته في الشؤون الألمانية أمر لا يطاق، ليوصف بـ”الحاكم المدني” الأمريكي هنا من قبل الكثير من الساسة، رغم الرفض الألماني إلى تصريحاته والتي وصلت إلى حد الاشمئزاز. 

السؤال هل تستطيع ألمانيا الخروج عن السيطرة الأمريكية؟

الحراك الذي تشهده ألمانيا سياسيًا واقتصاديًا على المسرح الأوروبي والدولي، تقول إن السيطرة الأمريكية على برلين وصلت حد العقدة التي  يعاني منها الألمان، وأصبح الشارع الألماني يضغط على الطبقة السياسية لاتخاذ مواقف سياسية للرد على تعليقات وتصريحات ترامب الاستفزازية.

فلا يوجد خيار أمام برلين اليوم غير التوجه إلى الصين أو موسكو بعد أن نفظت يدها من إدارة ترامب وأعطتها ظهرها. 

وتجري ألمانيا اتصالات مع الصين، حول مشاركة محتملة  لشركات صينية في توسيع شبكات الجيل الخامس، وهذا ما أثار غضب الولايات المتحدة، على لسان سفيرها في برلين ريتشارد غرينيل، مهددًا بإيقاف التعاون الاستخباري، لكن ردود حكومية أوروبية، جاء واضحا يوم 20 مارس 2019، بقوله: “ألمانيا لن تخضع للابتزاز مطلقاً أيًا كان الأمر أو الجهة التي تحاول ممارسة هذا الابتزاز”.

شبكة اتصالات الجيل الخامس

وفي هذا السياق، فقد بدأ المزاد على توزيع ترددات الاتصالات النقالة لشبكة الجيل الخامس في ألمانيا بدأ يوم 18 مارس 2019. المعلومات وفق وكالة(  د ب أ) تفيد، أنه لا يوجد على مستوى العالم سوى خمس شركات تستطيع بناء شبكات الجيل الخامس، اثنتان منها من الصين واثنتان من أوروبا وواحدة من كوريا الجنوبية. وكانت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل طالبت الصين الأسبوع الماضي بضمانات لاستخدام تقنيات هواوي في توسيع شبكات الجيل الخامس في ألمانيا.

الرئيس الأسبق لوكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية شيندلر حذر من أن الدول التي توفر حاليًا شبكات الجيل الخامس ستضطر لاستخدام أجيال الجوال الأحدث بعد ذلك، وقال “هذا يعني أننا سننزلق إلى تبعية استراتيجية للصين. يتعين أخذ كل هذه الأمور في الاعتبار عند اتخاذ القرار”.

وبينما يبدو أن الصين قد تحاول توجيه رسالة تضامن كامل مع ألمانيا في مواجهة واشنطن فإن مسؤولين ألمان يرون أن على ميركل أن تتجنب الظهور بمظهر الاصطفاف العلنى مع الصين فى مواجهة حليفتها للمدى الطويل.

ألمانيا والصين في مواجهة ترامب

وجدت ألمانيا والصين، وكلاهما بلد مصدر ولديه فائض تجاري كبير مع الولايات المتحدة، نفسيهما في مرمى نيران ترامب ويكافح البلدان للحفاظ على النظام متعدد الأطراف المستند إلى قواعد والذي يقوم عليه ازدهارهما.

وتبين إن سياسة “أمريكا أولا” التجارية التى يطبقها ترامب وازدراء إدارته لمنظمة التجارة العالمية وانسحابه من الاتفاق النووي الإيراني قربت مواقف الصين وألمانيا على نحو أوثق.

ودعا رئيس مجلس الدولة الصيني، “تشيانغ لي” إلى تعزيز التعاون الصيني- الألماني في الرقمنة والابتكار، خلال زيارة ميركل إلى بكين في  24مايو 2018 مقترحا توطيد التعاون في الصناعات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي ومركبات الطاقة الجديدة وشبكة إنترنت للمركبات ومركبات ذاتية القيادة، من أجل تعزيز محرك جديد للتعاون الثنائي.

السفير الأمريكي في برلين.. يثير الجدل

طالبت الأحزاب اليسارية الألمانية  خلال عام 2018 بطرد السفير الأميركي الجديد في برلين “ريتشارد غرينيل” المقرب من الرئيس دونالد ترامب، متهمين اياه بالتدخل في شؤون البلاد الداخلية والتسبب بتفاقم التوتر في العلاقات الثنائية.  وقالت لصحيفة “دي فيلت” “لا يمكن لشخص مثل السفير الأميركي ريتشارد غرينيل الذي يعتقد أن بإمكانه الهيمنة على أوروبا وتحديد من سيحكم فيها أن يبقى في ألمانيا كدبلوماسي”.

وقال الزعيم السابق للحزب الاشتراكي الديموقراطي والبرلمان الأوروبي مارتن شولز لوكالة “دي بي إيه” الألمانية إن “ما يقوم به هذا الرجل غير مسبوق في الدبلوماسية الدولية”.

ودعا غرينيل إلى مغادرة ألمانيا وقال: “إن ما فعله السفير الأمريكي فريد في الدبلوماسية الدولية فبدلا من أن يكون حياديا تجاه الدولة المضيفة يعمل ممثلا لحركة سياسية”.

وقال المتحدث المسؤول عن الشؤون الخارجية في تكتل ميركل اليميني الوسطي يورغن هارت، إن غرينيل يسعى ببساطة إلى إضعاف الاتحاد الأوروبي.

ولاقت تصريحات السفير الأمريكي الجديد في برلين ريتشارد غرينيل بخصوص ما سماه تمكين المحافظين في أوروبا استياء واسعا من قبل الأوساط الألمانية التي طالبت بإبعاده بعد إعلان دعمه لليمين المتطرف. تجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتجاوز فيها غرينيل اللياقة الدبلوماسية بإطلاق تصريحات مثيرة للجدل.وحسب المصادر حكومية المانية، فإن السفير الاميركي في برلين”غرينيل” يتصرف وكأنه عضو في حزب يميني متطرف.

قاعدة “رامشتاين”

تعتبر قاعدة “رامشتاين” الجوية بولاية “راينلاند بفالتس” الألمانية، أكبر قاعدة أمريكية خارج الولايات المتحدة، كما أنها مركز لتجمع القوات العسكرية الأمريكية المتوجهة إلى الشرق الأوسط.وتثير قاعدة “رامشتاين” Ramstein Air Base  جنوب غرب المانيا الكثير من الجدل، حول انشطتها، السرية، بالتدخل في مناطق النزاع، ابرزها سوريا، وتورطها، بتحويلها الى محطة “ترانزيت”اعادة تصدير المعدات والذخيرة الى الجماعات المسلحة في سوريا ومناطق نزاع اخرى، رغم نفي الحكومة الالمانية ذلك. وكشفت صحيفة”زود دويتشه إن الجيش الأمريكي أرسل عبر قاعدته العسكرية في “رامشتاين” بجنوب غرب ألمانيا أسلحة وذخائر إلى معارضين سوريين.

 وأفادت الصحيفة أن “رامشتاين” كانت على ما يبدو محطة مؤقتة في طريق نقل الأسلحة من شرق أوروبا والبلقان إلى معارضين للنظام السوري وجماعات أخرى من أجل دعمها في حربها على تنظيم داعش.

النتائج

الفجوة ما بين أدارة ترامب ودول أوروبا، بدئت تتكشف أكثر، من خلال سياسات ومواقف ترامب تجاه المانيا ودول أوروبا، ويبدو ان مهمة السفير الاميركي في برلين، ستكون صعبة للغاية ومثيرة الى الاشمئزاز عند الحكومة الالمانية. ولم يعد سرا، ان المانيا بدئت تنظر الى ترامب  ب “الخصم”، وهذا مادفع المستشارة الالمانية وبشكل مبكر الى التوجه الى الصين، بديلا عن الولايات المتحدة، وهذا مايثير غضب ترامب.

لقد أدركت الحكومة الالمانية وحتى الشارع الالماني، ان دور الولايات المتحدة الداعم الى المانيا ودول أوروبا قد انتهى. وما موجود من تعاون امني بين البلدين يجب ان يقوم على اساس “العدالة” وليس على اساس “الوصاية”. نظرة الالمان الى الولايات المتحدة هي الاخرى، تشهد انخفاض بشعبيتها الى حد تصاعد المطالب، بانها مهام القوات الاميركية في قاعدة رامشتاين” وسط المانيا، هذه القاعدة اصبحت مركز للقيادة الاميركية ، لادارة عمليات نقل السلاح وتنفيذ عمليات درون وقتل، في مناطق النزاع خارج القانون.

مايزعج الالمان، هو “اختراق” الولايات المتحدة الى امن المانيا القومي، فما كشفه العميل الاميركي في وكالة الامن القومي “ناسا” من معلومات حول تنصت االاميركان حتى على هواتف واتصالات المستشارة الأمريكية، أثار الكثير من السخرية، ودفع ألمانيا أن تعيد النظر بإستخدام المحركات الأمريكية للإنترنيت. يذكر أن دول أوروبا في الكامل لا تملك محركات الإنترنت وفي الغالب هي أمريكية، وهذا ما دفع الألمان إلى إعادة النظرباستخدامه إلى تلك المحركات.

الزيارات المتبادلة ما بين ألمانيا والصين خلال الأعوام الأخيرة، تكشف توجه ألماني إلى إيجاد بديلا للولايات المتحدة، أو على الأقل، تخفيض درجة اعتماد ألمانيا على واشنطن، خاصة في قضايا الأمن القومي.

ألمانيا في ذات الوقت ، تحرص على علاقتها الجيدة مع موسكو، رغم مطالبها بفرض العقوبات الاقتصادية على موسكو، يذكر أن أصوات من الحزب الاشتراكي في ألمانيا طالبت مرارا بإعادة النظر في العقوبات على موسكو، وليس مستبعدا أن تتصاعد الأصوات في أعقاب “التهديدات” الأمريكية إلى أمن واقتصاد ألمانيا.

الخلاصة

العلاقات الأمريكية الألمانية سوف تشهد فتورا كبيرا في عهد ترامب، وتوجه برلين إلى الصين وربما موسكو أكثر من واشنطن، السياسة الخارجية الألمانية ما زالت “محافظة” وتتسم بالبطئ في اتخاذ خطوات في المسرح الدولي خاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا، رغم ما تبذله من جهود في الوقت الحاضر، بعد الانتقادات الموجهة لها، لأن تأخذ دورًا سياسيًا يوازي وزنها كقوة اقتصادية دولية.

ربما يعجبك أيضا