عبث بالحديقة الخلفية لواشنطن.. جنود روس في كاراكاس

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي

ربما حان الوقت لدق طبول الحرب في فنزويلا بين القوى العظمى، إذا ما أصرت روسيا على الوجود العسكري بها، إذ إن واشنطن تعتبر أمريكا اللاتينية هي الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، وترفض وجود أي قوى عسكرية دولية بداخلها.

تصاعد حدة الصراع بين واشنطن وفنزويلا إبان إعلان خوان غوايدو، رئيس البرلمان في فنزويلا، نفسه رئيسًا انتقاليًا في البلاد، متحديًا سلطة الرئيس الحالي نيكولاس مادورو؛ الذي حاز على أغلبية الأصوات بالانتخابات الرئاسية، شكك الكثير في مصداقيتها واتهامها بالتزوير، معتبراً الولايات المتحدة وراء الهجوم الدولي عليه ولا سيما الدول الأوروبية والأمريكتان، فيما عارضت روسيا والصين وعدد من الدول تصريح ترامب بالاعتراف بغوايدو بديلاً عن مادورو.

أكدت روسيا أن إرسال قوات إلى فنزويلا يجري بموجب اتفاقية للتعاون العسكري تجمع بين البلدين، ويأتي ذلك عقب احتجاج الولايات المتحدة الأمريكية على هذه الخطوة التي اعتبرتها تهدد “بإطالة معاناة” الفنزويليين.

اعترفت روسيا بأنها أرسلت عسكريين إلى فنزويلا إذ أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن قرار موسكو إرسال خبراء عسكريين إلى كراكاس يراعي القانون الفنزويلي، بعد أن قامت طائرات عسكرية روسية بإنزال جنود ومعدات في هذا البلد في خطوة نددت بها واشنطن.
 
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا في بيان إن موسكو “تطور تعاونها مع فنزويلا وفقا لتطبيق دقيق لدستور هذا البلد مع الاحترام الكامل لقوانينه”، وأضافت أن “وجود اختصاصيين روس على الأراضي الفنزويلية يخضع لاتفاق بين الحكومتين الروسية والفنزويلية حول التعاون العسكري والتقني تم توقيعه في مايو 2001”.
 
في المقابل، اعتبر زعيم المعارضة في فنزويلا خوان غوايدو الذي يحظى بدعم حوالي خمسين دولة، الثلاثاء، أن وجود عسكريين روس في فنزويلا ينتهك الدستور.

وصرّح غوايدو أمام البرلمان وهو الهيئة الرسمية الوحيدة الخاضعة لسيطرة المعارضة، “يبدو أن (حكومة الرئيس نيكولاس مادورو) ليس لديها ثقة في عسكرييها، لأنها تستقدم (عسكريين) من الخارج، إنهم ينتهكون الدستور من جديد”.

وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قد حذر نظيره الروسي سيرغي لافروف من أن الولايات المتحدة لن تبقى “مكتوفة الأيدي” إذا استمرت روسيا “في مفاقمة التوتر في فنزويلا”.

وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان بعد محادثة هاتفية بين الرجلين أن “استمرار تدخل العسكريين الروس لدعم النظام غير الشرعي لنيكولاس مادورو في فنزويلا يهدد بإطالة معاناة الشعب الذي يدعم بغالبيته الساحقة الرئيس المؤقت خوان غايدو”، الذي تعترف به الولايات المتحدة وأكثر من خمسين دولة أخرى.

صراع روسي أمريكي

ما إن تصاعدت حدة الأزمة السياسية في فنزويلا مع تمسك طرفي النزاع بمواقفهما، حتى تحولت إلى صراع جيوسياسي دولي، تنخرط فيه مباشرة الولايات المتحدة، من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، ولكل طرف حلفاؤه على ساحة أمريكا اللاتينية ودوليًّا. وتحظى فنزويلا بأهمية كبرى لدى كل هذه الأطراف؛ فهي بالنسبة إلى الولايات المتحدة، تُعدّ ضمن ساحة خلفية لا تسمح لأحد بالاقتراب منها. ووفق “مبدأ مونرو”، نسبة إلى الرئيس جيمس مونرو، الصادر عام 1823، فإن واشنطن لن تسمح لأي قوة بإنشاء مناطق نفوذ في القارتين الأمريكتين، الشمالية والجنوبية. وقد تدخلت واشنطن مرارًا في شؤون جيرانها في أمريكا اللاتينية لتقويض أي نظام حكم يعارض سياستها في القارة، سواء أكان ديمقراطيًّا أم ديكتاتوريًّا.
 
وقد تضاعفت أهمية أمريكا اللاتينية بالنسبة إلى الولايات المتحدة خلال سنوات الحرب الباردة، خاصة بعد سقوط كوبا بيد الثوار الماركسيين الموالين للاتحاد السوفياتي عام 1959. وفي عام 1962، كادت مواجهة نووية أمريكية – سوفياتية أن تندلع بسبب محاولة الاتحاد السوفياتي نصب صواريخ نووية متوسطة المدى في كوبا، تغطي معظم الأراضي الأمريكية، وذلك ردًّا على مشاريع أمريكية مماثلة في أوروبا تهدد الاتحاد السوفياتي.

وقد احتفظت قوى اليسار بمواقع لها في القارة، ومنها فنزويلا، على الرغم سقوط الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينيات. فقد تمكن الرئيس الراحل، هوغو تشافيز، من الوصول إلى السلطة في انتخابات عام 1998، ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف محاولات واشنطن تغيير نظام الحكم في فنزويلا، بما في ذلك الانقلاب العسكري.

وفضلًا عن أن فنزويلا دولة مصدرة للنفط، تسعى واشنطن إلى منع روسيا والصين من امتلاك نفوذ لهما فيها، خصوصًا أن فنزويلا طورت على مدى العقدين الماضيين علاقات سياسية واقتصادية واستثمارية وعسكرية قوية مع الدولتين المنافستين للولايات المتحدة، وقد حطت قاذفتان حربيتان روسيتان قادرتان على حمل أسلحة نووية في فنزويلا أواخر عام 2018، في رسالة رأت فيها الولايات المتحدة تحديًّا روسيًّا لها.

منذ اكتساب الصراع الفنزويلي بصبغة دولية، وتعقد الأمور كثيراً ما يتسبب في إطالة أمد النزاع بين الأطراف الدولية، فأصبح الوضع الداخل مرتهن بالتوافقات الخارجية، وربما يتطور ليصبح أكثر حدة في حالة اللجوء للخيار العسكري، فواشنطن ترى أن وجود قوى روسية على مقربة منها من مخاطر الأمن القومي لها، ولا يبعد عن أذهاننا الرعونة السياسية التي يمتاز بها ترامب،فمن الممكن أن يلجأ للأمر لاستخدام القوة العسكرية في تلك الحالة، بينما يظل خيار التسوية على طاولة المفاوضات وبخاصة في ظل صراع القوتين على أكثر من جهة مثل أوكرانيا وسوريا.

ربما يعجبك أيضا