إشكالية عودة أطفال عناصر تنظيم داعش إلى أوروبا

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

بعد أكثر من عامين على خسارة تنظيم داعش معاقله في الموصل والرقة في نوفمبر 2017، والجدل ما زال قائما حول عودة مقاتلين تنظيم داعش، خاصة أطفال “الدواعش”.

حذر جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، يوم 17 أبريل 2019، من أن نحو 1500 إرهابي أجنبي تورطوا في القتال بالشرق الأوسط، أصبحوا موجودين الآن في أوروبا.  وقال مدير الجهاز، أليكساندر بورتنيكوف، خلال مؤتمر مكافحة الإرهاب الدولي: “نحو 1500 من 5000 من عناصر داعش غادروا سابقًا إلى الشرق الأوسط وصلوا بالفعل إلى الاتحاد الأوروبي، وفق تقديرات الخبراء”.

وأشار بورتنيكوف إلى أن عددًا كبيرًا من أولئك، هم مسلحون وتم إرسالهم من قبل قادتهم إلى أوروبا لشن هجمات إرهابية، حسب ما ذكرت وكالة الأنباء الروسية “تاس”.

رغم الخلافات الشديدة داخل دول أوروبا حول استعادة مقاتليها من بين صفوف تنظيم داعش والجماعات المتطرفة، ما بعد تطهير قرية الباغوز شرق سوريا خلال شهر مارس 2019، لكن هناك إجماع لدى أوروبا، بضروروة استعادة الأطفال دون سن العاشرة. لكن عمليًا، نجد دول أوروبا، حتى بعد موافقتها على ذلك، فإن الخطوات التي تتخذها على الأرض، لم تأت بنتائج بعد، ورغم تحفظ دول أوروبا على أسماء وبيانات عائلات تنظيم داعش، يبدو أنه لم يتم استعادة إلا عدد قليل ربما بعدد أصابع اليد.

يتضمن الإجماع، قيام الحكومة بتسهيل إعادة الأطفال الأقل من عشر سنوات من أبناء الدواعش، بعد تحديد أماكنهم، ووجود إثبات أن أحد الوالدين يحمل الجنسية الأوروبية، ووجود أدلة قاطعة على ذلك، مثل وجود أحد الوالدين على قيد الحياة، ويتعرف على الطفل. وعلى سبيل المثال، قررت محكمة بلجيكية إلزام الحكومة بالعمل على إعادة ستة من أطفال الدواعش، وأيضًا أمهاتهم، خلال شهر ديسمبر من عام 2018.

انتقادات لدول أوروبا

انتقدت الإدارة الذاتية الكردية في سورية، رفض الدول الأوروبية استقبال رعاياها من عناصر تنظيم داعش لدى المقاتلين الأكراد. أما أطفال عناصر تنظيم داعش، المحتجزين مع أمهاتهم في بغداد، فما زالوا محط جدل.

وكانت صدرت تصريحات عن مسؤولين عراقيين يقولون: إن بغداد تريد التفاوض مع سفارات النساء والأطفال الأجانب لإعادتهم (النساء والأطفال). ولكن لا يبدو أن كل السفارات تتجاوب مع هذه المطالب.

وعلى عكس الحكومتين البريطانية والفرنسية اللتين تفضلان القضاء على المقاتلين البريطانيين والفرنسيين المنتمين لـداعش في سوريا والعراق على عودتهم إلى أراضيهما، تعتمد الحكومة الألمانية مقاربة مختلفة. وتقدم حتى الخدمات القنصلية للمقاتلين الألمان في العراق وسوريا.

صرحت “ناتاشا بيرتو” -ممثلة المفوضية الأوروبية وفقًا لوكالة”سبوتنيك” فى 22 فبراير 2018 – بأن أجهزة حماية القانون التابعة لدول الاتحاد الأوروبي تعتبر ملزمة بشكل مباشر بإقرار إمكانية عودة مواطنيها الذين شاركوا في العمليات العسكرية في سوريا بصفتهم عناصر  في صفوف تنظيم ” داعش” وتابعت أنه وفقا للتشريع الجديد للاتحاد الأوروبي، قد أصبحت دول ومجتمعات الاتحاد الأوروبي منذ ديسمبر  2018، ملزمة بتسجيل جميع المعلومات المتعلقة بالأشخاص المرتبطين بالأنشطة الإرهابية في قاعدة بيانات نظام شنغن للمعلومات، بما في ذلك عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي.

نشرت صحيفة “الحياة ” تقريرًا في 19 فبراير 2019 بعنوان “الأكراد يطالبون الأوروبيين بتحمل مسؤوليتهم تجاه قنابل داعش الموقوتة” أكدت فيه السلطات الكردية رفضها الإفراج عن نحو (800) مقاتل أجنبي.

وذكر “عبد الكريم عمر” أحد مسؤولي شؤون العلاقات الخارجية في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد أن نحو (800) مقاتل أجنبي محتجزون في السجون إضافة إلى قرابة (700) زوجة و(1500) طفل في مخيمات للنازحين مشيرًا إلى أن العشرات من المعتقلين وأقاربهم يصلون يوميا، رغم أن تقارير أممية ذكرت رقم 2500 طفل ما زالوا عالقين في سوريا، مخيم الهول.

أوروبا تتخذ خطوة إيجابية

اتخذت فرنسا خطوة جديدة خلال شهر مارس 2019 بوجوب استعادة المقاتلين من صفوف تنظيم داعش في سوريا، قامت فرنسا  بإعادة أطفال من مخيمات في شمال سوريا، وذكرت مصادر دبلوماسية أنه تمت استعادة خمسة أطفال، أحدهم في حالة صحية سيئة، مضيفة أن الأطفال العائدين، الذين تم تسليمهم للسلطات القضائية و”لأقاربهم المعنيين”، سيتم إخضاعهم لمتابعة طبية ونفسية خاصة.

الحكومة الألمانية تتوقع عودة أكثر من 100 طفل ورضيع ولدوا لمقاتلين ألمان منتمين لداعش في العراق وسوريا خلال الأعوام الماضية، وفقا لإحصائيات عام 2018. وتواجه السلطات الألمانية مشاكل أكبر بسبب امتناعها عن تخزين معلومات عن القاصرين تحت سن الـ14، لأن قوانين البلاد تمنع ذلك.

كشف البرلماني الروسي دميتري سابلن -نائب رئيس رابطة “الأخوة القتالية”- عن إعادة ثلاثة من الأطفال الروس من أبناء مقاتلي تنظيم داعش المحتجزين في سوريا، لافتاً إلى أن ممثلي الرابطة، نظموا إعادة 3 أطفال روس من سوريا إلى بلادهم. وسبق أن كشفت وسائل إعلام سعودية، عن استعادة الأمن السعودي طفلين سعوديين خطفهما والدهما من أمهما والتحق بهما بتنظيم “داعش” منذ سنوات.

وسبق أن أعادت السلطات الروسية، خلال شهر ديسمبر 2018 من بغداد إلى موسكو، الأحد، 30 طفلا من أبناء متطرفات روسيات، محكومات في العراق، وقتل أزواجهن في صفوف تنظيم “داعش” الإرهابي.

الجهود العائلية، كان لها دور أكبر ربما من جهود الحكومات، عندما سافر بعض افراد عائلات تنظيم داعش في أوروبا الى سوريا، لاستعادة أحفادهم من قوات قسد الكردية في سوريا.بعض الأسر التي تمتلك احفاد أو أبناء في صفوف تنظيم داعش، لجأت إلى المحاكم الأوروبية، لتحقيق ذلك، باعتمادهم النهج القضائي، باستعادة أبنائهم وأحفادهم، خصوصًا في بروكسل ولندن.

النتائج

ماذا تريد موسكو من نشر هذا التحذير؟ وهل من جديد في محتوى التحذير؟

بدون شك الأرقام الواردة في التحذير لم تكن جديدة، وللأسف هذه الأرقام يتداولها الإنتربول الأوروبي ودول أوروبا منذ عام 2017، وبدون تعديلات، وهذا يتطلب من الاستخبارات الأوروبية، الإعلان عن الأرقام الجديدة وألا تتحفظ عليها، ربما لأسباب سياسية.

تحذيرات موسكو يمكن اعتبارها رسالة مباشرة لدول أوروبا، بسبب موقفها غير الواضح إزاء استعادة المقاتلين الأجانب وخصوصًا أطفال عناصر التنظيم.

هناك إجماع لدى المراقبين والمعنيين في حقوق الإنسان وسياسات مكافحة الإرهاب، أن الأطفال هم ضحايا تنظيم داعش، ويجب ألا نحملهم وزر آبائهم، وأن تركهم في ظروف سيئة، تزيد من الحرمان وتزيد أيضًا من الحقد والكراهية، ويمكن أن تعيدهم من جديد إلى التطرف، وهذا ما يجب الانتباه له.

المشكلة تكمن ربما في الموقف السياسي لدول أوروبا أكثر من المشكلة الفنية والإدارية باستعادتهم، فقد أعلنت غالبية دول أوروبا صراحة، رفضها استقبال العائدين من صفوف داعش، واستثناء الأطفال دون سن العاشرة.

المشكلة التي تواجهها دول أوروبا في سوريا في استعادة أطفال عناصر داعش وخاصة من سوريا، بدون شك معقدة، بسبب قضية النسب وزواج النساء من أكثر من أب وفحوصات جنائية مطلوبة لإثبات هويتهم.

الخطوة الأوروبية، أيضًا جاءت في أعقاب تصريحات ترامب مطلع هذا العام 2019 الذي هدد -في وقت سابق- الأوروبيين بأن بلاده قد تضطر إلى إطلاق سراح مقاتلي تنظيم داعش، في حالة عدم سماحهم بعودة المئات من أبناء التنظيم إلى بلادهم.

وتشكل عودة أبناء الجهاديين من سوريا معضلة  كبيرة للحكومات الأوروبية. المخاوف الأوروبية لم تتحدد في الأطفال الذين تلقوا التدريبات في معسكرات داعش، والتي كانت تبدأ من عمر السادسة أو حتى قبل، بل أيضاً من الأطفال والرضع. 

الجدل القائم الآن يتمحور حول من سيربي هؤلاء الأطفال. هل سيتركون مع أمهاتهم اللواتي يحملن أفكارًا متطرفة؟ أم يوضعون مع أقارب أو في دور دعاية خوفًا من أن يشكلوا تهديدًا في المستقبل في حال تربّوا في كَنَف عائلة متطرفة؟

التوصيات

ينبغي على دول أوروبا استعادة أطفال تنظيم داعش في سوريا والعراق، وأن المطاولة لا تخدم سياسات مكافحة الإرهاب، كون بقاء الأطفال أكثر، يعني وجود تغيير في الأعمار وفي التصنيفات والفحوصات، وهذا ما يتطلب تسريع الإجراءات الفنية لاستعادتهم.

الأطفال هم ضحايا تنظيم داعش، أكثر ما يكونون، مادة للتنظيم ودعايته، أما مسألة نزوحهم إلى التطرف من جديد، فهذا يعتمد على السياسات الحكومية، في إعادة تأهيلهم ورعايتهم في المجتمع، من خلال اعتماد برامج مجتمعية بالتعاون مع الأسرة والمدرسة والبلديات.

ربما يعجبك أيضا