إرث داعش المنسي.. قنابل موقوتة تؤرق العراق

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

رغم هزيمة داعش والقضاء عليه تكتيكيًا، إلا أنه ترك وراءه إرثًا منسيًا تمثل في آلاف الأطفال الذي ولدوا في عهد التنظيم، وأصبحوا اليوم بلا هوية ودون وثائق رسمية، ليثيروا المخاوف والتهديدات من تحولهم مُستقبلًا لجيل جديد من الانتحاريين، فتصبح قنبلة موقوتة قد تنفجر من العراق لمختلف دول العالم.

قنبلة موقوتة

وُلد ما يقرب من 45 ألف طفل إبان سيطرة تنظيم داعش على بعض المدن والمناطق العراقية، لكنهم حُرموا من الجنسية لأنهم كانوا في مناطق يسيطر عليها داعش، ومن ثم فهم مُعرضون ليصبحوا “الجيل الجديد من الانتحاريين، بحسب ما ذكرت صحيفة “التايمز” نقلًا عن رئيس مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي.

ووفقًا للصحيفة، فقد تم منح الأطفال شهادات ميلاد من قبل داعش قبل سقوط الخلافة المزعومة، لكن الوثائق تعتبر الآن لا قيمة لها من قبل الحكومة العراقية، وهذا يعني أنه قد يتم حرمانهم من التعليم والرعاية الطبية وكذلك الوظائف والحق في الزواج عندما يكبرون.

من جهتها، قالت جيل دي كيرشوف، منسقة مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، “هذه قنبلة موقوتة” في وقت بات فيه تجنيد المتطرفين أمرًا رئيسيًا لشن المزيد من الهجمات في أوروبا.

وبحسب بعض التقارير فإن عدد الأطفال الذي لا يحملون أي جنسية في العراق قد يتضاعف عن 45 ألف في القريب العاجل، لأن هناك ما يربو عن 30 ألف عراقي عادوا من مخيمات اللاجئين في سوريا.

قوائم سوداء

ولفتت الصحيفة أيضًا، إلى أن 100 ألف شخص وضعتهم ​الحكومة العراقية​ على القوائم السوداء، لأنها تشتبه في أن لهم علاقات مع تنظيم “داعش”، وبالتالي سيجدون صعوبة في الحصول على وثائق هوية لأولادهم.

وحذر الأمين العام لمجلس اللاجئين، النرويجي يان إيغلاند، من أن هؤلاء الأطفال، الذين يعيش معظمهم في مخيمات للنازحين اليوم، هم “قنابل بشرية محتملة”.

ولد هؤلاء الأطفال خلال الفترة من 2013 إلى 2017، عندما كان تنظيم داعش المتطرف يسيطر على نحو ثلث العراق. وتعتبر الحكومة العراقية شهادات ميلادهم مزورة، لأنها صادرة من داعش.

وقالت المجموعة، التي تتخذ من النرويج مقرًا لها، إن فريقها القانوني يتلقى في المتوسط 170 طلبًا شهريًا بالمساعدة لحالات أطفال غير مسجلين، أو آبائهم غير مسجلين، وهم إما على قواعد بيانات حكومية أمنية، أو ينظر إليهم على انهم على صلة بداعش.

وأضاف إيغلاند أن فرصة الحصول على وثائق هوية لأطفال عائلات تتهم بالصلة بداعش شبه مستحيلة، مما يعني عقابًا جماعيًا لآلاف الاطفال الأبرياء.

ضغوط دولية

من جهة أخرى، يواجه العراق، ضغوطًا كبيرة من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لاحتضان ما يعرفون بـ”أطفال الدواعش”، الذين ولدوا من النساء اللواتي تعرضن للسبي من عناصر التنظيم.

المنظمات الإنسانية تعي خطورة هذا الأمر، لكنها في نفس الوقت لا تريد أن تحمل الدول الأوروبية مسؤولية هؤلاء، أو بمعنى أصح، أنها لا تريد نقل هذه القنابل الموقوتة إلى بلدانها، لذا فهي تضغط على العراق من أجل استقبال هؤلاء.

لكن هناك الكثير من من العراقيل التي تمنع استقبال العراق لهؤلاء، منها التركيبة الاجتماعية التي تملك أعرافًا وتقاليد، تمنع من استقبال هؤلاء في المجتمع العراقي، فضلًا عن أن الدستور العراقي، يمنع بشكل قاطع بأن يمنحوا هؤلاء الجنسية العراقية، إذ أن مواد الدستور تنص على أن العراقي، هو من أبوين عراقيين.

ويزداد الضغط تعقيدًا على المكون الإيزيدي، الذي تعرض لهجمة لا مثيل لها في التاريخ، إذ تعرض الإيزيدي للقتل من قبل الدواعش، ونهبت أملاكه وسُبت نساءه بشكل يندى لها جبين الإنسانية.

والذي لا يعرف المجتمع الإيزيدي، فإنه مجتمع يملك أيضًا تقاليد وعادات إيزيدية خاصة به، تمنع من استقبال أطفال من غير صلبهم، وهذا أيضًا ما تحدثت عنه الديانة الإيزيدية.

مصير مجهول

وفقًا للإحصاءات، فهناك 870 ألف طفل نازح في جميع أنحاء العراق، بما في ذلك 225 ألف منهم يعيشون في المخيمات، بينهم 45 ألف يفتقدون لشهادات ميلاد.

الحالات الأكثر تعقيدًا هم الأطفال الذين ينتمون إلى العوائل التي يفتقد فيها الوالدان للهويات والأوراق الرسمية أو أسماؤهم مسجلة في إحدى قواعد البيانات الأمنية التابعة للحكومة أو يُنظر إليهم على أنهم من المنتمين لتنظيم داعش مثل هذه الحالات يكاد يكون من المستحيل مساعدتهم.

وإلى جانب أطفال مقاتلي داعش، هناك عوائل أخرى فقدت وثائقها أثناء النزوح فلم يعد بإمكانهم امتلاك شهادات ميلاد، الأمر الذي استصعب معه الرعاية الصحية ومن ثم ظهور أمراض جديدة بين الأطفال.

وإذا لم تتم معالجة هذه المشكلة، فإن الأطفال غير المسجلين سيعيشون على هامش المجتمع وهذا يقوض بشكل خطير الآفاق المستقبلية لجهود المصالحة في العراق.

وإلى جانب فقدان الهوية، قامت السلطات العراقية بمحاكمة الأطفال المشتبه في صلتهم لداعش وفق أليات تشوبها “عيوب كثيرة”، مستخدمة اتهامات أو اعترافات حصلت عليها تحت التعذيب، وفقًا لتقرير منظمة “هيومان رايتس ووتش”.

ويرى مختصون أن دمج هولاء الأطفال بالمجتمع يتطلب شجاعة سياسية والتزامًا كونهم أطفالًا، لكنهم نشأوا في بيئة أعدتهم كأرهابيين وربما تعلم البعض منهم فنون القتال، خاصة وأن مصير هؤلاء الأطفال أصبح قضية مؤرقة للكثير من الدول التي سافر مواطنوها للانضمام للتنظيم كونها ترفض عودتهم.

ربما يعجبك أيضا