حرب العاشر من رمضان.. لماذا أصبحت نموذجًا للجهاد الحقيقي؟

بسام عباس

كتب – بسام الحومي

كان يوم العاشر من رمضان يومًا من أيام الله التي يجب أن نتذكرها ونُذكِّر بها، فنصر العاشر من رمضان كان نقطة فارقة في العسكرية المصرية، ونقطة مضيئة في تاريخ الإسلام والمسلمين، وعلينا أن نعلم دروسه لأبناء المسلمين، فهو يربط الحاضر بالماضي ويجدد عزيمة الأمة الإسلامية ويرفع من معنوياتها، فهو محطة من محطات الانتصارات الإسلامية عبر العصور منذ صدر الإسلام، فقد ارتبط شهر رمضان لدى المسلمين بالانتصارات والفتوحات، فاستهلت غزوة بدر الكبرى تلك الانتصارات الرمضانية.

ومن هنا، ارتبط الجهاد بشهر رمضان، فالصيام يربي النفس على الصبر والإيثار والمصابرة وهي صفات يتطلبها الجهاد، فالإعداد للجهاد هو إعداد للنفس, إعداد للجسد, إعداد للأمة كلها، وهكذا الصيام. فالعلاقة بين شهر رمضان والانتصارات علاقة وثيقة، والتاريخ الإسلامي يؤكد هذه العلاقة.

فرمضان شهر الجهاد، يمثل الصيام فيه قوة روحية دافعة إلى العمل والإخلاص, كما أن اعتقاد المؤمن أنه يؤدي عبادة فرضها الله– عز وجل– يمده بالروح الفتية والعزم القوي, ففي هذا الشهر المبارك تحققت انتصارات إسلامية رائعة بدءًا بمعركة بدر مرورًا بانتصارات وفتوحات كثيرة أشهرها فتح مكة والأندلس وحطين وعين جالوت، حتى جاء نصر الله في العاشر من شهر رمضان؛ لذلك كان شهر الخير والبركة محملاً على مر العصور بكبريات المعارك الحربية الفاصلة في تاريخ الإسلام.

وكما غيرت غزوة بدر مجرى التاريخ، لذا فقد سماها الله تعالى يوم الفرقان, وربطها بشهر رمضان من أجل أن يتفكر المسلمون في هذا الشهر الفضيل, ذلك لأن في هذه الغزوة وُضِعَتْ قواعد بناء الأمة الإسلامية؛ حيث عرف المسلمون أن النصر من عند الله: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 10].

كذلك كانت حرب تحرير سيناء الحبيبة، حرب العاشر من رمضان، كانت انتصارًا مجيدًا تحققت فيه كل عوامل النصر مثل بدر الكبرى؛ فالحواجز التي دمرها الجيش المصري قال عنها المؤرخون العسكريون أنها إحدى المعجزات العسكرية التي لا يمكن أن تدمر, إلا أن الروح الإيمانية كانت قد وصلت عنان السماء لدى الجيش والشعب، وأصبح الجميع يدًّا واحدة في مواجهة العدوان, وكانت النزعة والتربية الإسلامية جلية وملموسة, فنداء “الله أكبر” كان يخرج من قلب كل مسلم, والوحدة الإسلامية كانت في أزهى صورة.

والإسلام إذ يأمرنا بالقوة من أجل الحفاظ على السلام، يأمرنا أيضًا بإعداد القوة التي تردع الأعداء وترهبهم لكي لا تكون الأمة الإسلامية مهيضة الجناح، قال تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]، والإعداد هنا يكون في كافة المجالات العسكرية منها والاقتصادية والصناعية والعلمية وغيرها، كما أنها أمة لا تعتدي على الآخرين بغير حق، ولكنها تدافع عن حقوقها، وترفض اغتصاب أراضيها قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190 ].

فالجهاد الحقيقي هو دفع الظلم والعدوان ذودًا عن الأوطان، وهذا المفهوم تحقق عبر التاريخ الإسلامي كله،لذا فعندما وعى المسلمون هذا المفهوم للجهاد، وتزودوا بعوامل النصر، واغتنموا شهر الصيام والجهاد، كان النصر حليفًا لهم، وقد كانت حرب العاشر من رمضان حربًا لإخراج العدو من الأرض. وهذا الجهاد يعد فرض عين على كل مسلم ومسلمة، قال الإمام الجصاص: “إن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم من المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة، إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم”، [أحكام القرآن:3/114]، و قال القرطبي: “إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار، أو بحلوله بالعقر، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافًا وثقالاً، شبابًا وشيوخًا، كل على قدر طاقته” [تفسير القرطبي 8/151]

والجنوح إلى السلم يعتبر قوة من أجل الإعداد الجيد للمجتمع، لشد أزر  الأمة الإسلامية، والأخذ بأسباب العلم والتدريب لتكون الأمة دائمًا على استعداد للدفاع عن حقوقنا، ومع كوننا أمة سلام لكننا لا نقبل الضيم على أنفسنا ونرفض احتلال أراضينا والدنية في ديننا، قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم- : “المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير” [رواه مسلم: 2664].

وعبر التاريخ الإسلامي، خاض الرسول– صلى الله عليه وسلم– وأصحابه والأمة الإسلامية مواقع شتى بدءًا من يوم الفرقان في بدر ونهايةً بالعاشر من رمضان, وكان انتصارهم في كل معركة راجع إلى أخذهم بأسباب النصر وعوامله المادية والمعنوية.

وأول هذه الأسباب هو صدق الإيمان بالله، والتوكل عليه؛ وتغلغل العقيدة في قلوب المسلمين، فقد كان الصحابة– رضي الله عنهم– يعانون الذل والهوان والتعذيب من أهل مكة وكانوا تواقين لرد العدوان الواقع عليهم، إلا أن الله لم يأذن لهم بذلك؛ لأنها كانت فترة إعداد وتربية وترسيخ الإيمان في النفوس حتى إذا ما تشبعت نفوسهم بالإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، وأقاموا دولتهم في المدينة، أذن الله لهم بالقتال، قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]، وعندما تمكن الإيمان من قلوب الصحابة وترسخت العقيدة في صدورهم رأينا قوة الإيمان تسحق الأعداء الذين لم يستطيعوا مواجهة هذا اليقين الراسخ، بل صاروا هباءً منثورًا يلوذون بكل مَهْرَب، وكان ديدن معسكر  الإسلام في جميع معاركه أنه لا يعتمد على كثرة العدد، بل يعتمد على اليقين بالله ورسوخ الإيمان، كذلك في حرب العاشر من رمضان؛ حيث تحلَّى الشعب المصري بمعاني الإيمان الحقيقية، وأدرك أن النصر بيد الله وحده، فكان النصر مؤزرًا.

ومن أبرز أسباب النصر أيضًا الوحدة وعدم التنازع والفرقة، حيث يعتبر الإسلامُ الفردَ جزءًا لا ينفصم من كيان الأمة وعضوًا موصولاً بجسدها لا ينفك عنها، وحث على ائتلاف القلوب والمشاعر  وعدم التنازع، قال تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46]، وقال تعالى: {ولا تكُونُوا كالّذِين تفرّقُوا واخْتلفُوا مِنْ بعْدِ ما جاءهُمُ الْبيِّناتُ وأُولئِك لهُمْ عذابٌ عظِيمٌ} [ال عمران: 105]، كما حذر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من عواقب الاختصام والفرقة والتنازع، فعن سعيد بن المسيب– رضي الله عنه– قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “الشيطان يهم بالواحد والاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم” [مؤطأ مالك: 2/978]،  حيث توحيد الصفوف واجتماع الكلمة هما الدعامة الوطيدة لبقاء الأمة ودوام دولتها ونجاح رسالتها، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4].

وقد تحققت هذه الوحدة بين المسلمين في حرب العاشر من رمضان،حيث شهدت وحدةً نادرة في الداخل المصري والخارج العربي والإسلامي؛ فداخليًّا لم نجد صراعًا، ولا تنابذًا، بين مختلف التيارات والمذاهب الموجودة وقتها، بل ظهر التعاون والاتحاد بديلاً للفرقة والتنازع، وعلى المستوى العربي والإسلامي كانت الوحدة من أبرز العوامل التي ساعدت على تحقيق النصر؛ حيث سارعت الدول الإسلامية بتقديم شتى المساعدات المعنوية والمادية لمصر.

لقد كان نصر العاشر من رمضان عام 1393هـ نتيجة لتوافر أسباب النصر  في الحروب، كذلك كانت انتصارات المسلمين التي شهدها شهر رمضان المعظم، فهو بحق شهر الانتصارات والفتوحات، فلا يأتي هذا الشهر الكريم إلاَّ ونتذكر هذه الانتصارات, وهذه من نعم الله التي مَنَّ بها علينا، فرفعنا رءوسنا وفرحت قلوبنا بعد الانتصار على الأعداء، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) [يونس:58].

ربما يعجبك أيضا