“الملك بيبي” يحكم .. تكميم المحكمة العليا الإسرائيلية

محمد عبد الدايم

رؤية – محمد عبدالدايم

في إطار مساعيه لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة يتحرك بنيامين نتنياهو لسن قوانين تصبح جاهزة للتصويت عليها في الكنيست الجديد، على رأسها قانون يحد من صلاحيات المحكمة العليا في إسرائيل، فيما أكد مراقبون أن الهدف من الدفع بهذا القانون هو ألا يخضع نتنياهو للمحاكمة، بعد توجيه اتهامات له بالفساد. 

مشروع القانون الذي يسعى نتنياهو لتمريره يهدف لتقليص صلاحيات المحكمة العليا فيما يخص سن القوانين والقرارات الإدارية التي تأخذها الحكومة والكنيست، كما أن هذا المشروع يركز تحديدا على تحصين نتنياهو، بأن يلغي قرار المحكمة إذا ما أمرت برفع الحصانة عنه من أجل محاكمته.

في غياب أييلت شاقيد -التي خرجت من الكنيست بعد نتائج الانتخابات الأخيرة- لم يتوقف نتنياهو عن الدفع بمشروع القانون الذي كانت تتبناه لتقليص صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية، خصوصا فيما يتعلق بفوقية قرارات الكنيست على قرارات المحكمة.

في معرض دفاعه عن مشروع القانون، قال نتنياهو إنه يسعى “لاستعادة التوازن بين السلطات، وللحفاظ على محكمة عليا قوية ومستقلة، بعيدا عن كل التفسيرات المغرضة التي وردت في وسائل الإعلام”.

تصريحات نتنياهو، وتغريداته على تويتر بشأن هذا الأمر، تأتي بعد موجة تصريحات غاضبة من قوى المعارضة الإسرائيلية، التي تتهمه بـ”تدمير النظام الديمقراطي في إسرائيل، عبر تقييد صلاحيات المحكمة العليا”.

ائتلاف اليمين يدافع عن زعيمه

يستميت نتنياهو لتحصين نفسه من المحاكمة، فرئيس الحكومة المتهم بثلاث قضايا فساد، يسعى لتعديل قانون الحصانة، بإعادته إلى نسخته القديمة التي كانت سارية حتى 2005، وكانت تقضي بأنه يتعين على المستشار القضائي للحكومة أن يقنع لجنة الكنيست بطلبه بمحاكمة رئيس حكومة أو عضو كنيست، مع اشتراط الحصول على موافقة اللجنة، وهذه اللجنة يكون معظم أعضائها هم شركاء الائتلاف الحكومي بطبيعة الحال، فحزب هاليكود الذي يتزعمه نتنياهو يبدو أنه يخطط للسيطرة على لجان الكنيست بنسبة تُضعف قوة المعارضة في مقابل سيطرة أعضاء الائتلاف اليميني الحاكم، ومن ثم فإنه إذا تم سن قانون الحصانة؛ سيفشل المستشار القضائي للحكومة في انتزاع الموافقة على تقديم نتنياهو للمحاكمة من نحو 11 عضوًا باللجنة المختصة من الائتلاف الحكومي في الكنيست مقابل 6 أعضاء من المعارضة. 

وفقا لما نقلته تقارير صحفية إسرائيلية؛ فإن نتنياهو يعمل على ضم مشاريع هذه القوانين كـ”ملحق قانوني” إلى لائحة الاتفاقيات التي يعمل على إبرامها مع أحزاب اليمين التي من المنتظر أن تصبح شريكة له في الائتلاف الحكومي، تحت مسمى “مشروع إصلاح القضاء”.

يتحرك نتنياهو في مفاوضاته مع أحزاب اليمين لتشكيل حكومة ائتلافية، وفي الوقت نفسه ينسق مع تكتل اتحاد أحزاب اليمين تحديدا مشروع قانون القضاء، ويتداول معه في هذا الشأن عضو الكنيست عن الاتحاد بتسلئيل سموريتش، أحد أبرز المرشحين لتولي حقيبة القضاء في الحكومة الجديدة، مع زيادة ضغط كتلة أحزاب اليمين للحصول على هذه الوزارة إلى جانب وزارة التعليم.
 

الدفع بقوانين عنصرية رفضتها المحكمة العليا

قانون تقليص صلاحيات المحكمة العليا من شأنه إذا تم تمريره أن يسمح؛ إلى جانب عدم محاكمة نتنياهو، أن يفسح المجال أمام قانونين آخريْن عطلتهما المحكمة العليا في السابق، وعارضهما المستشار القضائي للحكومة، وهما قانون يقضي بطرد عائلات منفذي العمليات ضد أهداف إسرائيلية، وقانون طرد المهاجرين غير الشرعيين، الذين يُطلَق عليهم المتسللين، وهم مواطنون أفارقة ممن دخلوا لإسرائيل طلبا للإقامة واللجوء.

خلاف حول أتعاب فريق الدفاع

في السياق نفسه بدأت النيابة العامة الإسرائيلية في فحص إمكانية تقديم لائحة اتهام لنتنياهو دون شرط إخضاعه لجلسة استماع، وذلك بعد أن تبادل طاقم المحاماة الخاص بنتنياهو الاتهامات مع المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت، بعدما أعلن الأخير أنه أرسل مواد التحقيق مع نتنياهو بيد أن ممثليه رفضوا استلامها.

بعد تبادل الاتهامات علنًا، أعلن عميت حداد محامي نتنياهو أنه تسلم مواد التحقيق في ملفات القضايا، بعدما أعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء أن المحامي قد توصل إلى اتفاق مع نتنياهو على طريقة لتلقي دفعة مقدمة من أتعابه في مقابل الدفاع عنه، فيما يدرس بقية أفراد طاقم الدفاع الانسحاب بسبب عدم التوصل لاتفاق بشأن أتعابهم.

اضطر نتنياهو للإعلان – على لسان المتحدث باسمه- أنه سيدفع أتعاب محاميه عميت حداد من جيبه الخاص، وكانت مسألة الأتعاب تقف حائلا دون فحص مواد التحقيق في ملفات فساد نتنياهو، حيث كان مصرًا على ما يعتبره “حقه القانوني” في تلقي دعم مالي من الدولة لتمويل الدفاع القضائي عنه، باعتباره شخصية عامة، فيما رفض محامو نتنياهو تسلم مواد التحقيق قبل الاتفاق معه بخصوص أتعابهم.

كانت لجنة التصاريح التابعة لمكتب مراقب الدولة في إسرائيل قد رفضت مرتين طلب نتنياهو تخصيص مبلغ يقدر بـ2 مليون دولار لتمويل أتعاب الفريق القضائي المكلف بالدفاع عنه، واضطر نتنياهو في الأخير للإعلان عن دفع أتعاب محاميه عميت حداد من جيبه إلى حين الوصول لحل مع اللجنة.

تغول اليمين الإسرائيلي على المؤسسات القضائية لأهداف سياسية

يراقب المعنيون في جهاز القضاء الإسرائيلي تحركات نتنياهو بقلق بالغ، فرغم عدم صدور تعقيب رسمي من رئيسة المحكمة العليا إستير حيوت؛ فإن مصادر قضائية إسرائيلية عبرت عن مخاوفها من تغول السياسة على السلطة القضائية وتقييد صلاحيات المحكمة كي يفلت نتنياهو بجلده من المحاكمة، ويصبح الجهاز القضائي مطية للساسة بدلا من أن يكون حاكما باسم القانون، خصوصًا وأن مشروع القانون ينص، من بين مواده، على تحويل الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا إلى توصيات غير ملزمة. 

في ظل مستوى الفساد السياسي المرتفع في إسرائيل يأمل الجمهور في تدعيم جهاز القضاء، واستقلاله بعيدا عن سيطرة الساسة الذين تحوم حولهم شبهات الاحتيال والرشى والاتهامات المالية والجنسية، لكن تكتل اليمين المسيطر يسعى في المقابل لتكميم المحكمة العليا، كي يظل نتنياهو في الصدارة لآخر لحظة ممكنة، من أجل تحقيق أهداف اليمين، بالتغول في المؤسسات الإسرائيلية داخليا، وتدعيم سطوة الاحتلال دون التقيد بمبادئ متعارف عليها دوليا تخص حقوق الإنسان، ومن ثم تمارس الحكومة، بلا رقيب، قمعها بحق الفلسطينيين، بطردهم وهدم بيوتهم، والتخلص من المهاجرين الأفارقة، واستمرار الاستيطان دون عوائق، وتكميم الأفواه المطالبة بالتدقيق في الفساد السياسي.
   

ربما يعجبك أيضا