النازيون القدامى والجدد يهددون أمن ألمانيا.. هكذا هو المشهد

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

يتزايد الجدل في ألمانيا هذه الأيام، حول  فرض رقابة على التيارات اليمينة المتطرفة، ومنها حزب البديل من أجل ألمانيا AfD، والذي يتمتع بالغطاء الشرعي تحت قبة البرلمان الألماني، لكن السؤال هل تنجح تلك الأصوات، في أعقاب اغتيال “فالتر لوبكه” عمدة مدينة كاسل وتهديدات إلى سياسين ألمان كبار؟

وهل أدركت الحكومة الألمانية مؤخرا حجم تهديدات اليمين المتطرف، بعد انشغالها بتهديدات الجماعات الإسلاموية والهجرة؟ هو تحدٍّ كبير تشهده ألمانيا بالوقت الحاضر، وهذا التحدي يكمن في قدرة وإستعدادات الحكومة الحالية ومدى امكانيتها بتقديم الشواهد والأدلة إلى المحكمة الدستورية للحصول على الموافقات. يذكر بان الهجرة والإسلام هما الموضوعان الرئيسيان بالنسبة إلى الأحزاب اليمينية في ألمانيا وأوروبا إذ يطالب بتقليص تأثير الاتحاد الأوروبي وتفعيل دور الأوطان الأوروبية.

وضمن ردود الأفعال السريعة، طالب وزير الخارجية الألماني بتنظيم احتجاجات ضد الإرهاب اليميني على خلفية مقتل السياسي فالتر لوبكه وتلقي آخرين تهديدات بالقتل، أعلن وزير الداخلية عزمه تكثيف مكافحة اليمين المتطرف، وأكدت شرطة مدينة كولونيا في 19 يونيو 2019، صحة تقارير أوردتها صحيفة “بيلد” الشعبية واسعة الانتشار و إذاعة “دبليو دي آر” بشأن تلقي عمدة المدينة لتهديدات بالقتل.

ودعا الرئيس الألماني إلى مزيد من التكاتف ضد الكراهية والتحريض في أعقاب مقتل مسؤول محلي داعم للاجئين. كما شدد يوم 23 يونيو 2019 على ضرورة عدم الاستهانة بخطر الإرهاب الصادر عن التيار اليميني، معتبرا إياه تهديدا للديمقراطية الألمانية

هياكل اليمين المتطرف

نقلت صحيفة “دي فيلت” الألمانية، يوم 28 ابريل 2019عن الوثيقة التي اطلعت عليها بشكل حصري أن “خطر تنظيمات اليمين المتطرف يزداد بشكل كبير في البلاد”. وأضافت الوثيقة: “حدثت تغييرات في هياكل وأساليب تنظيمات اليمين المتطرف في الآونة الأخيرة في إطار محاولة هذه التنظيمات إعادة تنظيم نفسها”، مؤكدة أن بعض الأفراد والتنظيمات الذين كانوا في السابق على الهامش، برزوا كلاعبين رئيسيين في الآونة الأخيرة.

تعد حركات الهوية، ومواطني الرايخ، والنازيين الجدد، أبرز تنظيمات اليمين المتطرف في ألمانيا، التي لا تعترف بالنظام القائم، وتعترف فقط بالنظام النازي الذي سقط بنهاية الحرب العالمية الثانية في 1945 وغالبية أعضائه يمتلك حق حيازة الأسلحة النارية، ويعتبرالحزب القومي الألماني دوما حاضرا عندما يتعلق الأمر بمعاداة الأجانب، وكان في تراجع مستمر، غير أن موضوع اللاجئين منحه دفعة منعشة، ولولا وجود حزب البديل لألمانيا وحركة “بيغيدا” لاستفاد الحزب أكثر من سياسة اللجوء التي تنتهجها الحكومة الألمانية. اليمي المتطرف أدرج 25 الف شخص ضمن قوائم أطلقوا عليها “”قوائم الأعداء”هذه القوائم تضم أسماء وعناوينهم وأرقام تلفوناتهم الى المستهدفين.

وفي اطار الاغتيالات،اغتالت الخلية السرية النازية بين 2000 و2007 تسعة مهاجرين وشرطية ألمانية ونفذت 43 محاولة اغتيال وثلاثة اعتداءات بمتفجرات وأعمال سرقة متعددة، وبالتالي فإن اغتيال سياسيين لأسباب سياسية يشكل “بعدا جديدا”.

ودعا حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي المعادي للمهاجرين الحكومة الألمانية إلى الانسحاب من ميثاق الأمم المتحدة.

ويرى ” كلاوس – بيتر سيك” -المؤرخ والمفكر السياسي وفقا لصحيفة الشرق الأوسط فى 14 يناير 2019- أن “حزب البديل لألمانيا يسعى إلى إعادة تأهيل موقف قومي ألماني” من خلال هذا النقاش. وتابع سيك: “يُعتبر هذا التموضع اقترابا لهذا اليمين القومي مما يحصل في الدول المجاورة مثل إيطاليا أو فرنسا. ومن خلال مناورته في هذا المجال، يختبر البديل لألمانيا نفسه وقاعدته الانتخابية لمعرفة ما إذا كان هذا الطرح يحظى بالدعم”.

وفي هذا الاطار، كشف تقرير للاستخبارات البلجيكية فى 22 مارس 2019  أن “اليمين المتطرف في أوروبا بدأ بتغيير نمط أنشطته، وأن قيادات بعض مجموعاته المتطرفة بدأت تأمر عناصرها بالتدرب على الرماية وحيازة أسلحة بطرق قانونية أو غير قانونية”. وأكد التقريروجود اليمين المتطرف ببلجيكا وبقية دول غرب أوروبا، بالإضافة إلى تغييرات جذرية في بنيته. وأن أنصار اليمين المتطرف لا يخفون إعجابهم بالنازية. وأوضح أن المجموعات المدنية مثل حركة “جنود أودين”، التي تتخذ من فنلندا مركزا لها، هي نموذج للمجموعات اليمينية المتطرفة. العنف”.

مواطنيو الرايخ

يبلغ عدد نشطاء مواطني الرايخ في ولاية بادن فورتمبرغ 3500 شخص، فيما تخضع الحركة لرقابة هيئة وقالت الصحيفة: “عملية مراقبة هؤلاء الأفراد غير المعروفين، صعبة للغاية.. هناك دلائل على أن اليمين المتطرف يتدرب على سيناريو الحرب الأهلية”. ولا تعترف حركة “مواطني الرايخ” في ألمانيا بسلطة النظام الحالي للحكومة.وبحسب تقرير الاستخبارات الداخلية الألمانية خلال شهر يونيو 2018، بلغ إجمالي عدد المنتمين إلى التيار اليميني المتطرف بنهاية عام 2017 نحو 24 ألف شخص.



“اليمين المتطرف” ينجح باختراق الاستخبارات والجيش

كشف تقرير صحفي في سبتمبر 2017 أن جهاز المخابرات العسكرية الألماني لديه قائمة بـ391 من رجال الجيش، ممن يشتبه بانتمائهم لليمين المتطرف،وخلال عام 2017 كشف جهاز المخابرات العسكرية عن 286 حالة اشتباه جديدة. ونقل التقرير عن المتحدث باسم جهاز مكافحة التجسس أن المخاوف تصاعدت بعد ضبط أكثر من 20 متشددا في صفوف القوات المسلحة “Bundeswehr”، وسط استمرار التحقيقات في 60 حالة مماثلة.

كشفت الاستخبارات الداخلية الألمانية “BfV” ، في نوفمبر 2016، القبض على أحد العاملين بالهيئة بعد ان تبين أنه “إسلاموي” متطرف، وإنه أفشى أسراراً خاصة بعمله، واكتشفت المخابرات الداخلية أن “متطرف” بين صفوفها كان يعتزم شن هجوم على المقر الرئيسي للهيئة. واتهمت” فرانسيسكا شرايبر، العضو السابق في الحزب ، صاحبة كتاب “حزب البديل، معلومات من الداخل” رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية الألمانية السابق ماسن بتقديم نصائح “للبديل” الشعبوي.

وخلال شهر سبتمر 2018 إزداد الجدل في ألمانيا بشأن فرض رقابة الاستخبارات الألمانية الداخلية على حزب البديل من أجل ألمانيا المعادي للأجانب والمسلمين بعد أن شارك الحزب في تظاهرات مدية كيمنتس ضد أسلمة الغرب” وضد استبال اللاجئين.

وقالت روزا غيرتس- تشيفلر -المتحدثة باسم المخابرات الداخلية في ولاية ومدينة بريمن- إن مسؤولي الأمن بدأوا قبل أيام مراقبة جناح الشباب في حزب البديل. وتراقب وكالات المخابرات الداخلية بالفعل أعضاء اليسار واليمين المتطرفين في ألمانيا، فضلا عن الإسلاميين الذين يشتبه في أنهم ربما يخططون لشن هجمات.

وينتهج حزب البديل  AfD من أجل ألمانيا استراتيجية  تقوم على اساس “الثقافة العليا” ، “واستخدام الصور التاريخية لحملة انتخابية كان خطوة جديدة، كما يشرح رونالد غليزر حملة حزب البديل من أجل ألمانيا، وصورة “سوق العبيد” تكشف إلى أين قد يؤدي المجتمع المتعدد الثقافات.ويسمي مراقبون هذا التوجه نوعا من “العنصرية الثقافية” المتجذرة في الحضارة الغربية التي تخاطب الكثير من أنصار حزب البديل من أجل ألمانيا الرافضين للإسلام.

النتائج

ـ شهدت ألمانيا أنشطة إرهابية ممنهجة عبر عقود، ما بعد الحرب العالمية الثانية 1945، وهناك سلسلة عمليات إغتيالات ممنهجة، ضد الأجانب وكذلك ضد ساسة ألمان داعمين الى الاجانب وقضايا الهجرة واللجوء. النازيون القدامى والنازيون الجدد اليوم يستيعيدون قوتهم ويعززون صفوفهم تحت شعارات مختلفة لكنهم يتوحدون تحت شعار سياسي ظاهري” اوروبيون قوميون”، محاولة منهم لاضفاء الشرعية السياسية على انشطتهم بالتوازي الى انشطتهم السرية.

ـ المشهد في ألمانيا اصبح واضحا، إن اليمين المتطرف يمثل بالفعل خطرا حقيقيا في ألمانيا الى جانب دول اوروبا، هم لايعترفون بالنظام السياسي الديمقراطي الحديث، ويرفضون “ذوبان” دول أوروبا داخل الأتحاد الأوروبي، ويطالبون بالعودة الى الدولة القومية، واعادة العمل بالحدود مابين دول اوروبا.

ـ أهم ما يميز التيارات اليمينية في ألمانيا، أنها تحصل على حق حيازة الاسلحة، والاخطر، انها تمتلك” مؤيدين ومتعاطفين، بل حتى أعضاء في مؤسسات الاستخبارات والدفاع، يحصل خلالها الأعضاء على التدريب. المعلومات كشفت أن اليمين المتطرف أعطى توجيهاته إلى مؤيديه وأعضائه، بتقديم طلبات الانضمام إلى مؤسسات الأمن والدفاع في ألمانيا.

ـ إن موجات الهجرة غير الشرعية التي ضربت ألمانيا منذ عام 2014، أعطت اليمين المتطرف، الكثير من الأسباب إلى أن يعيد تنظيم نفسه من جديد، بشكل سريع، داخل ألمانيا وخارجها، ويعزز قوته خاصة “السياسية” فرغم اختلاف أجندات وأهداف اليمين المتطرف في ألمانيا، لكنه يتوحد في إعطاء أصواته في الانتخابات إلى حزب البديل من أجل ألمانيا، والذي حصل فعلا على “الشرعية” للعمل السياسي داخل البرلمان.

ـ مهما حاول حزب البديل من أجل ألمانيا AfD النأي بنفسه عن التطرف وأعمال العنف، فإن تقارير الإستخبارات الألمانية كشفت عن تورط الحزب في “فبركة” الأخبار الكاذبة، حول الأجانب والمهاجرين، من أجل كسب أنصار ومؤيدين جدد. ولم يتردد حزب البديل من اجل ألمانيا أيضا في استثمار أحداث تورط فيها مهاجرون أو لاجئون، ليحشد  المسيرات في المدن الألمانية.

وما يزيد مخاطر اليمين المتطرف، هو  التحقق من تعاطف أفراد في الشرطة الألمانية والاستخبارات والدفاع، لكن في نفس الوقت، لم يكن رئيس الاستخبارات الداخلية السابق  هانس ـ غيورغ ماسن بعيدا عن الشبهات، والذي تم عزله بسبب ذات المشكلة.

ـ رغم أن  موضوع فرض مراقبة  على التيارات اليمينية المتطرفة يمثل مسألة حساسة في ألمانيا على خلفية الانتهاكات التي ارتكبها البوليس السري الألماني خلال حقبة النازية وجهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية خلال الحرب الباردة، فإن هناك أصواتا سياسية وشعبية تطالب بفرض نوع من المراقبة على هذه التيارات اليمينية المتطرفة. وفي هذا الإطار، أكدت المستشارة ميركل في إحدى اجتماعاتها يوم 04 سبتمبر 2018 أنه ليس من صلاحية الحكومة فرض رقابة هيئة حماية الدستور من عدمها، مشيرة إلى أن ذلك لا يشكل قرارا سياسيا، بل من اختصاص الهيئات المعنية.

ومن أجل مواجهة التحديات الأمنية في قضايا الإرهاب والتطرف، كشف وزير الداخلية الألماني زيهوفر عن عزمه لمنح جهاز الاستخبارات الداخلية المزيد من الصلاحيات لمراقبة منصات الدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي كبرنامج واتس آب. ودعت ميركل يوم 22 يونيو 2019 إلى مكافحة النازيين الجدد “من دون أي محرمات”، وذلك بعد أسابيع من مقتل فالتر لوبكه السياسي المحلي من حزب ميركل مؤيد لسياسات الهجرة على يد متعاطف مزعوم مع هذه الحركة.

الخاتمة

ما تعمل عليه التيارات اليمينية هو اعتماده استراتيجية ثقافية جديدة منها استخدم الفن من أجل الترويج لدعايته في حملات الانتخابات. وهذا يعتبر مؤشرا خطيرا يقود المجتمع الألماني نحو العنصرية ومعاداة الإسلام المتخفية وراء قناع ثقافي. 

إن مخاطر اليمين المتطرف في ألمانيا لا تقل اهمية عن إرهاب الجماعت الإسلاموية المتطرفة، بل تتعداها، كون اليمين المتطرف، نجح في الحصول على “الشرعية” من خلال العمل السياسي، بالتوازي مع العمل السري المنظم.

يبدو أن ألمانيا يبدو تعود إلى حقبة الإرهاب اليساري المتطرف الدموي الذي ضرب مدنها خلال عقد الثمانينات والسبعينيات من القرن الماضي.

بات متوقعا أن يشهد اليمين المتطرف انتشارا أكثر، في ألمانيا، في أعقاب توسع دائرة “ثقافة معاداة السامية والمسلمين والأجانب” وهذا يعني أن ألمانيا يمكن أن تشهد عمليات اغتيالات منظمة تنفذها عناصر يمينية متطرفة. ما عدا الاغتيالات فهناك توجه سياسي داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا بالاتجاه نحو اليمين اكثر من الوسط المحافظ.

التوصيات

ما ينبغي أن تعمل عليه ألمانيا، هو الحصول على موافقة المحكمة الدستورية، من أجل فرض رقابة على حزب البديل من أجل ألمانيا وحركة بيجيدا والتيارات اليمينة المتطرفة، يُمكّن الاستخبارات الألمانية من الكشف عن أي عمليات إرهابية محتملة. يبقى السلاح، وسيلة مهمة إلى الجماعات اليمينة المتطرفة، بتنفيذ عمليات إرهابية ومنها الاغتيالات التي تمثل سمة بارزة بانشطة الجماعة السرية.

ربما يعجبك أيضا