تسليح ودعم مليشيا طرابلس.. أدوات التدخل التركي في ليبيا

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي 

يومًأ تلو الآخر، يظهر الوجه القبيح لأنقرة في دعمها للمليشيات الإرهاب والتنظيمات المسلحة بمنطقة الشرق الأوسط، ولم تكتف بدعم تنظيم داعش والقاعدة في سوريا ومحاولة لبناء حاجز من مليشيا الإرهاب عوضًا عن التمركزات الكردية، وراحت لتعيث في المنطقة فسادًا لدعم مليشيا طرابلس في ليبيا، لمجابهة الجيش الوطني. ومن المعلوم أن تركيا باتت مصدر قلق لدول المنطقة بدعمها تنظيمات لا نظامية، لا تهدد الأمن القومي الداخلي فقط، بل والأمن العالمي بزيادة رقعة الإرهاب.

لم يعد خافياً على أحد، منذ بدء الأزمة في ليبيا عام 2014، أن تركيا ليست بعيدة عن المشهد الليبي، حيث أن أنقرة تدخلت ولا زالت تتدخل في الشأن الداخلي الليبي سياسياً وعسكرياً.

ومساء أمس الجمعة، أمر المشير خليفة حفتر، في مسعى للجم التجاوزات التركية، قواته بضرب السفن التركية في المياه الإقليمية الليبية وكافة “الأهداف الاستراتيجية التركية” على الأراضي الليبية من شركات ومقار ومشروعات، وذلك رداً على “غزو تركي غاشم” تتعرّض له ليبيا.

وأعلن أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، الذي يقود عملية عسكرية منذ 4 أبريل الماضي لتحرير العاصمة طرابلس من قبضة الميليشيات، إصدار أوامر باستهداف السفن التركية في المياه الإقليمية الليبية، وحظر هبوط الطائرات التركية في ليبيا، معتبراً أن القرار يأتي للرد على إساءات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لدعمه للميليشيات بالأسلحة.

وأشار المسماري إلى أن الشركات والمقرات التركية وكافة المشروعات التي تعود إلى الدولة التركية تعتبر “أهدافاً مشروعة للقوات المسلّحة رداً على العدوان، والقبض على أي تركي داخل الأراضي الليبية”.

مدينة غريان

والمسماري خلال مؤتمر صحافي، مساء أمس، أفاد أن “تركيا وفرت غطاء جوياً لميليشيات الوفاق بطائرات مسيرة خلال اقتحامها مدينة غريان، غرب طرابلس”.

ووفقاً لتقارير إعلامية، تمثل مدينة غريان الواقعة على بعد 100 كلم جنوبي غرب طرابلس، مركزاً مهماً جداً لعمليات الجيش الوطني الليبي الذي اتخذها منذ سيطرته عليها مطلع أبريل الماضي، مقراً لقيادة عملياته العسكرية بالمنطقة الغربية، تقدم الدعم العسكري لقواته في محاور القتال جنوب العاصمة طرابلس، كما تضم مهبطاً للطائرات العمودية يستخدمه الجيش في توفير غطاء جوّي لتقدّم قواته نحو العاصمة طرابلس.

ويستعد الجيش الليبي لشن عملية عسكرية كبرى خلال الساعات القادمة، لاستعادة السيطرة على مدينة غريان من جديد، في وقت تتواصل فيه الاشتباكات على أطراف المدينة التي تعتبر مركزاً لعمليات الجيش.

وكانت قوات حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الميليشيات المسلحة في طرابلس، أعلنت أنها بسطت نفوذها على مدينة غريان، التي يسيطر عليها الجيش منذ بداية عمليته العسكرية لتحرير العاصمة طرابلس قبل أكثر من شهرين ونصف، وذلك بعد معارك دامية أسفرت عن مقتل وجرح عشرات العناصر من الجانبين.

دعم إخوان ليبيا

والمسماري، أكد أمس أن الجيش سيسقط مشروع تنظيم الإخوان في ليبيا، موضحاً أن القوات ستقتحم مدينة غريان وستواصل تدمير قدرات الميليشيات فيها، كما أكد أن هناك تدخل تركي مباشر في معركة طرابلس من البحر والجو والبر.

ولا يخفي أردوغان دعمه للميليشيات في ليبيا بالسلاح، حيث أعلن مؤخراً ذلك صراحة، عل اعتبار أنه يتعامل مع حكومة شرعية في العاصمة معترف بها دولياً، وحتى لو كانت حكومة الوفاق الليبية هي المعترف بها دولياً، فإن الممارسات التركية تأتي بمخالفة صريحة لقرارات مجلس الأمن الدولي بحظر التسليح على ليبيا.

ولجأت حكومة طرابلس إلى أردوغان بحثاً عن الدعم السريع لوقف انهيار قوات حكومة الوفاق في طرابلس والمتحالفة مع الإخوان وميليشيات مصراتة، وجميعها مدعومة من أنقرة.

السلطان ومليشيا الإرهاب

ويحاول أردوغان إنقاذ الإخوان من ضربات الجيش الليبي، بنقل العتاد ومقاتلي داعش والنصرة عبر الأراضي التونسية، في محاولة أخيرة لوقف زحف قوات المشير خليفة حفتر، الذي انطلق بداية أبريل الماضي، باسم “طوفان الكرامة” لتحرير طرابلس.
وكشفت كالة “بلومبرغ” الأمريكية، في تقرير لها، تفاصيل خطة نظام أردوغان، إرسال الدواعش إلى ليبيا، وقالت إن “ليبيا من بين الدول التي يستهدف تنظيم داعش إعادة صفوفه فيها من جديد، بعد دحره في سوريا والعراق”.

ويربط التقرير الأمريكي بين غياب الاستقرار السياسي في الدول التي وردت في التقرير، والعودة التدريجية للتنظيم الذي تقول الوكالة الإخبارية إنه فقد الكثير من قدراته وإمكاناته، التي تتيح له العودة بالصورة التي عرفها العالم قبل سنوات.

و”بلومبرغ” واجهت وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشا آغا الموالية لتركيا، بسبب الاتهامات الكثيرة التي تطال حكومته، وكذلك أنقرة، بأنهما محركا داعش في ليبيا، وادعى باشا آغا أن حكومته لا تستطيع إيقاف تدفق الإرهابيين، قائلاً: “من الصعب الحد من تدفق عناصر إرهابية إلى ليبيا، عبر سوريا والعراق، بعد تلقي التنظيم فيهما هزيمة شبه كاملة”.

ورصدت سائل الإعلام الليبية الأسبوع الماضي وجوداً مكثفاً لعناصر داعش في ليبيا، وكشفت صحيفة “المرصد” أن سرايا الصحراء، التابع لتنظيم داعش، والمتمركز في مدينة سرت غرب البلاد، يتحرك لجمع الفصائل والميليشيات المقاتلة، لحماية حكومة الوفاق الإخوانية، ووقف تحركات الجيش الليبي.

تخريب تركي 

وبحسب تقارير ووسائل إعلامية عديدة، أفادت أن مؤامرة تركيا على ليبيا انكشفت، حيث تم توثيق ما قام به من قاده جيش أتراك وتدريباتهم للميليشيات المسلحة، بأوامر مباشرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

والدعم التركي للميليشيات له أهداف ومصالح، وسر هذا الدعم، بحسب خبراء في هذا الشأن، هو طمع تركيا في بترول ليبيا، وقد انكشفت المؤامرة حين اقترح الأدميرال، جيهات يايشي، وهو مسؤول عسكري تركي كبير وخبير في القانون البحري، خلال حديثه في جامعة أنقرة، خطوتين “عاجلتين” يجب على تركيا اتخاذهما لحماية حقوقها المشروعة في شرق البحر المتوسط. بحسب ما نقلت صحيفة “حرييت” التركية، التي نقلت عن المسؤول قوله إن “على تركيا ضرورة الإعلان عن مناطقها الاقتصادية الخالصة دون تأخير، ثم توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا”.

وتمكن الجيش الوطني الليبي من ضبط سفناً تركية تنقل أطناناً من الأسلحة والذخائر للتنظيمات الإرهابية في العاصمة طرابلس. ففي مايو الماضي، نشرت وسائل إعلامية، صوراً التقطت من على متن السفنية التي تحمل اسم “أمازون” والتي وصلت إلى طرابلس، قادمة من ميناء سامسون التركي، محملة بآليات عسكرية وأسلحة متنوعة، وتمثل الأسلحة التركية أبرز علامة على الدعم التركي للميليشيات المتطرفة في العاصمة الليبية طرابلس.

ولم يوضح المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي، خلال المؤتمر الصحافي مساء أمس، كيف ستتمكن قواته من فرض حظر طيران في منطقة غير خاضعة لسيطرتها، لكنه أكد على أن أنقرة تقوم بالتدخّل “في المعركة مباشرة: بجنودها وطائراتها وسفنها”، وأن قرار استهداف المصالح التركية يأتي رداً على ما تتعرّض له “الأراضي الليبية من غزو تركي غاشم”.

وكشفت صحيفة “واشنطن إكزامينر” في تقرير لها تحت عنوان “حان الوقت لتصنيف تركيا كدولة راعية للإرهاب”، عن دعم أنقرة المستمر للإرهاب، عبر شحنات الأسلحة وعلاقتها المباشرة مع الجماعات الإرهابية المتطرفة، وتقديمها مختلف أشكال الدعم لها.
ويذكر أن أكثر من 75 ألف شخص نزحوا من منازلهم خلال المعارك الأخيرة، بحسب منظمة الصحة العالمية.

وصرح المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، محذراً: “المعارك الدائرة في طرابلس مجرد بداية لحرب طويلة ودامية”، ودعا إلى اتخاذ إجراءات فورية لمنع وصول الأسلحة إلى أطراف القتال في ليبيا، كما حذر المسؤول الأممي من أن النزاع الليبي ينحدر إلى ما وصفه بحالة من الفوضى “الجميع ضد الجميع”.

ربما يعجبك أيضا