ما قصة أسعار الفائدة التي تحرك أسواق العالم؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

اجتاحت أسواق الأسهم العالمية أمس الجمعة، موجة من الهبوط، بفعل تراجع الآمال بشأن توجه المركزي الأمريكي “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” صوب خفض كبير لأسعار الفائدة هذا الشهر، وذلك عقب الإعلان عن نمو الوظائف بالولايات المتحدة خلال يونيو وتراجع البطالة إلى 3.7%.. وكانت التوقعات السابقة تفيد بتوجه المركزي الأمريكي وعدد من بنوك أوروبا المركزية صوب خفض أكبر للفائدة خلال يوليو، لكن يبدو أن ذلك لن يحدث.

فور الإعلان عن تقرير الوظائف لـ”يونيو” بأمريكا، ساد اللون الأحمر مؤشرات “وول ستريت”، فتراجع مؤشر ستاندرد آند بورز500 الأوسع نطاقا بنحو  0.2%، والمؤشر داو جونز الصناعي بـ 0.61%، فيما  أغلق “ناسداك المجمع” متراجعا بـ0.1% فقط.
في أوروبا، قطعت الأسهم موجة خضراء استمرت لـ 6 جلسات متتالية، ليغلق المؤشر ستوكس 600 الأوروبي متراجعا بـ0.7%، ليتخلى بذلك عن أعلى مستوياته في أكثر من 12 شهرا التي سجلها في الجلسة السابقة.

كما هبطت أيضا أسعار الذهب العالمية بـ2%، لتسجل أول خسارة في سبعة أسابيع، واستقرت بالأمس عند 1386.91 دولارا للأوقية.
 فيما صعد مؤشر الدولار الأمريكي أمس، إلى أعلى مستوياته في أكثر من أسبوعين أمام سلة من ست عملات رئيسية، ليستقر عند مستويات 97.311 مرتفعا 0.6%، بدعم من تراجع توقعات خفض الفائدة، والتي إن صحت سيحافظ الدولار على جاذبيته الاستثمارية بالأسواق.

لكن لماذا يهاجم ترامب المركزي الأمريكي، إذا كان موقف الدولار قويا على هذا النحو؟.. أمس جدد الرئيس الأمريكي دعوته إلى خفض أسعار الفائدة بلهجة غاضبة، قائلا: الاحتياطي الفيدرالي هو مشكلتنا الأكثر صعوبة، وليس منافسي واشنطن.. تقرير الوظائف القوي، التضخم المنخفض، والدول الأخرى في جميع أنحاء العالم تفعل أي شيء ممكن للاستفادة من الولايات المتحدة، مع العلم أن الاحتياطي الفدرالي لدينا ليس لديه أدنى فكرة!، لقد رفعوا الأسعار منذ وقت قريب جدا، وفي كثير من الأحيان ضيقوا، في حين فعل الآخرون عكس ذلك.

وأضاف أن ثروة إضافية ضخمة كانت ستنشأ، لو لم يقم البنك المركزي بتشديد سياسته. 

ما هو سعر الفائدة؟
يعرف سعر الفائدة على أنه العائد على رأس المال المستثمر، ودور البنوك المركزية في أي دولة هو تحديد سعر الفائدة الأساسي ويقصد به السعر الذي يدفعه البنك المركزي على إيداعات البنوك التجارية، ويعد هذا السعر مؤشرا لأسعار الفائدة لدى البنوك التجارية في تعاملاتها مع المؤسسات والأفراد، أي أنه يمثل تكلفة الاقتراض أو السعر الذي يحصل عليه الشخص جراء تنازله لصالح البنوك عن التصرف في أمواله المودعة لديها.

كيف تتحرك أسعار الفائدة؟
أسعار الفائدة هي في الأساس وسيلة لضبط معروض النقد أو العملة بالأسواق، وبالتالي هي تتأثر مباشرة بحركة العرض والطلب، بمعنى في حالة الانتعاش الاقتصادي وزيادة طلب المؤسسات على الاقتراض من أجل الوفاء بحاجة الأسواق وزيادة الإنتاج ترتفع أسعار الفائدة، والعكس صحيح.

وتلجأ البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة من أجل كبح “التضخم”، فعندما ترتفع تكلفة الاقتراض أو سعر الأموال، تتراجع المؤسسات والأشخاص عموما عن الاقتراض وبالتالي تقل معدلات الإنفاق والاستهلاك فيتراجع التضخم.

أما في حالة “الركود”، تتجه البنوك المركزية إلى خفض سعر الفائدة”، من أجل انعاش الأسواق عبر التشجيع على الاقتراض بسعر رخيص، وبالتالي تزيد معدلات الإنفاق والاستهلاك وتدور عجلة الإنتاج بوتيرة أعلى وينتعش الاقتصاد.

عمليا رفع سعر الفائدة بالنسبة للمستهلك يعني رفع تكلفة الاقتراض من البنوك سواء القروض الاستثمارية أو العقارية أو قروض السيارات وغيرها، والعكس يحدث في حالة الخفض.

لماذا “الاحتياطي الفيدرالي” محط اهتمام؟
كون الاقتصاد الأمريكي هو أكبر اقتصاد بالعالم، وعملته هي عملة أساسية وعالمية تُقيم بها العديد من السلع -كالنفط والذهب- وترتبط بها عملات آخرى، يجعل الأنظار دائما تترقب خطوات المركزي الأمريكي في موضوع “الفائدة”، فرفع سعرها يعني زيادة جاذبية الدولار وبالتالي انسحاب الأموال من بورصات الأسهم والمعادن إلى أسواق العملات، والعكس صحيح، فضلا عن أمور أخرى كزيادة تكلفة الاستيراد من أمريكا أو انخفاض تكلفة التصدير إليها.

يبدو أن بورصات العالم أمس، دفعت ثمن الرهان على تخفيض الفائدة، بعد أن أظهر الاقتصاد الأمريكي مؤشرات متانة تمثلت في انتعاش غير متوقع بسوق الوظائف، بإضافة 224 ألف وظيفة جديدة في القطاعات غير الزراعية خلال يونيو، في حين كانت تشير التوقعات إلى زيادة قدرها 160 ألف وظيفة فقط.

الشهر الماضي فتح المركزي الأمريكي الباب أمام الآمال في مزيد من خفض الفائدة، فارتفعت التوقعات إلى خفض بنحو 6 نقاط أساس هذا الشهر، قبل أن تتراجع إلى نصف نقطة مع صدور بيانات وظائف يونيو.

بعد بيانات الجمعة، توقعت “جولدمان ساكس جروب” أن يتجه المركزي الأمريكي صوب حفض بمقدار ربع نقطة هذا الشهر، غير مستبعدة أن يأخد المركزي خطوة أكبر ولكن باحتمال لا يتعدى 15%، في مؤشر إلى احتمالات أن يرجئ المركزي الأمريكي أي خطوة لتخفيض الفائدة على غرار ما حدث الشهر الماضي.

في العموم قد يضطر المركزي الأمريكي بالفعل لخفض الفائدة بنصف نقصة على الأقل خلال ما تبقى من العام، نتيجة عدة عوامل أهمها استمرار الحرب التجارية مع الصين – ثاني أكبر اقتصاد بالعالم- وتأثيراتها على آفاق النمو الاقتصادي الأمريكي والعالمي على حد سواء.

في أوروبا وتحديدا داخل ألمانيا -أكبر اقتصاد بالقارة- حذرت وزارة الاقتصاد أمس، من احتمالات استمرار تراجع عقود السلع المصنعة في ألمانيا بأكثر من المتوقع خلال الأشهر المقبلة، بعد أن سجلت تراجعا حادا في يونيو وصل إلى 2.2%، بما يعزز المخاوف من شبح الركود ويزيد الضغط على المركزي الأوروبي للتخلي عن سياساته المشددة حيال أسعار الفائدة.

ربما يعجبك أيضا