بلا وطن بلا مستقبل.. طفل الموصل المعجزة نموذج حي لضحايا “داعش”

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

بين معضلة الإجراءات القانونية المعقدة، وأمل العودة إلى بلدانهم، يعيش أطفال عناصر تنظيم “داعش” أياما صعبة في انتظار مصيرهم المجهول.

وفي الموصل العراقية، يواجه الطفل الذي عاد من شفا الموت أثناء الحرب ضد داعش مستقبلًا قاتما في مخيم للاجئين، ففي خيمة زرقاء في جو شديد الحرارة جلس طفل صغير يدعى “سليمان” بلا حراك بينما أختاه تلهوان قربه.

منذ عامين خلال معركة استعادة الموصل من تنظيم “داعش”، كان “سليمان” يبلغ من العمر عدة أشهر، وكان يعاني من سوء تغذية حاد، وكان جسده النحيل يبدو كجسد عجوز من شدة ذبوله، وفي ذلك الوقت التقطت كلير توماس، مصورة صحيفة “التايمز”، صورته بينما كانت أمه تحاول ان تجد من يسعفه وينقذه من الهلاك.

وبحسب “التايمز”، فإن “وجوده على قيد الحياة معجزة”، وأوضحت الصحيفة أن سليمان نجا على الرغم من ضعفه الشديد، حيث أسعفه طبيب بعقاقير أنقذت حياته، وتم نقله إلى مخيم خازر للنازحين، على بعد 25 ميلا من الموصل.

وفي حديث للصحيفة، قال الطبيب مهند أكرم -الذي عالج سليمان- “كانت حالته أصعب حالة عالجتها، ليس فقط لإصابته بسوء التغذية ولكن لرد فعل أمه، فقد كانت ترفض إطعامه”.

“سليمان قد يبدو الآن في وزن طبيعي، ولكن كل الأمور الأخرى في حياته غارقة في اليأس”، وفي الخيمة التي يوجد فيها تقول أمه إنها لا تعرف عمره بالضبط ولا المدة التي عولج فيها ولا الأدوية التي تلقاها، حيث كانت أمه التي تعاني من صدمة ترفض إطعامه، بحسب الصحيفة.

وتشير الصحيفة إلى أنه لا توجد معلومات عن والد سليمان، حيث قالت أمه للأطباء إنه كان أحد مسلحي تنظيم “داعش”، وقتل في معارك استعادة الموصل، ولكنها أخبرت الصحيفة أن والده كان مندوب مبيعات للهواتف المحمولة وقتل في غارة جوية.

وتقول جماعات حقوق الإنسان: إن الكثير من أسر مسلحي تنظيم “داعش” لا يستطيعون العودة إلى ديارهم، وتقول منظمة العفو الدولية: قد وردت تقارير عن اعتداء حراس المخيمات على أرامل مسلحي التنظيم.

قنابل موقوتة

رغم هزيمة داعش والقضاء عليه، إلا أنه ترك وراءه آلاف الأطفال الذي ولدوا في عهد التنظيم، وأصبحوا اليوم بلا هوية ليثيروا المخاوف والتهديدات، حيث قدرت منظمة “اليونيسيف”، أعداد أطفال داعش بحوالي 29 ألفًا في سوريا و20 ألفًا في العراق.

وينحدر أطفال هؤلاء الأطفال من نحو 50 دولة، ويرى مراقبون أن أطفال الدواعش الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاما خطورتهم مضاعفة على الأمن الدولي، في الوقت الذي ترفض بعض الحكومات منحهم جنسية آبائهم.

فهؤلاء الأطفال استخدمهم تنظيم “داعش”، ليقوموا بدور بداية ما يعرف بـ”الكشاف” آي فرق الاستطلاع، واستخدموا أيضا جواسيس داخل المدن التي سيطروا عليها، وتم إعداد بعضهم ليكونوا مقاتلين ومفجرين وانتحاريين، وبعضهم قام بقطع رؤوس بعض الأسرى حسبما أظهرت مقاطع فيديو نشرت عبر مواقع التواصل، إضافة إلى إطلاق النار على السجناء.

وتشدد منظمة إنقاذ الطفولة، على ضرورة إرجاع أطفال مقاتلي داعش الأجانب، وخاصة غير المصحوبين منهم إلى بلدانهم، وإعادة تأهيلهم في المدارس حتى لا يتحولوا إلى قنابل موقوتة في هذه المخيمات.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة، يوجد 335 طفلا داعشيا غير مصحوب في مخيمات شمال شرق سوريا، التي تفتقر إلى الرعاية المطلوبة من المنظمات الدولية ويعاني فيها الأطفال من صعوبة الاندماج مع غيرهم.

ويدفع حوالي ستة آلاف من أطفال مقاتلي داعش الأجانب في مخيمات الهول وروج وعين عيسى، ضريبة أفكار آبائهم المتطرفة ونشاطاتهم الإرهابية.

وضع معقد

ودعت المفوضة الأممية السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، دول العالم إلى استعادة زوجات وأطفال مواطنيها من مقاتلي الدواعش قائلة: “يتعين إعادة أفراد المقاتلين الأجانب، إلا إذا كانت ستتم محاكمتهم عن جرائم وفقاً للمعايير الدولية، وأشارت إلى أنه على الدول أن تتحمل مسؤولية مواطنيها الذين انخرطوا في التنظيم.

وأضافت، “هؤلاء الأطفال قد عانوا على وجه الخصوص من انتهاكات جسيمة لحقوقهم، بما في ذلك أولئك الذين يتم تلقينهم أو تجنيدهم من قبل تنظيم “داعش” لتنفيذ أعمال عنف، كما ترى باشليه أنه يجب فتح أولوية لإعادة تأهيلهم وحمايتهم.

وكانت البلدان الأوروبية قد أعلنت رفضها التام لرجوع البالغين إلى بلدانهم، مع استثناءات قليلة للغاية، في الوقت الذي أعلنت فيه السلطات الكردية، المعنية بالإشراف على مخيمات اللاجئين في سوريا، موقفها بكل وضوح بأنها لا ترغب فصل الأطفال عن ذويهم، كما أنها لا ترغب كذلك في ترك الأطفال بلا جنسية محددة.

وحملت هذه القضية زخمًا سياسيًا في أوروبا؛ إذ يُنظر إليهم، حتى الأطفال منهم، من زاوية التهديدات المستقبلية المحتملة على أمن البلاد.

من جانبه ندد مساعد وزير الخارجية البلجيكي الأسبق لشؤون اللجوء والهجرة ثيو فرانكين، بإجراءات الإرجاع إلى الوطن المتخَذة أخيرا في بلاده، محذرا من أنها قد تكون بادرة لإعادة جميع أطفال داعش إلى بلجيكا، قائلا: “كلا، كلا، كلا، لا يمكنهم العودة، لم يعد آباؤهم من مواطني البلاد”.

وهناك دول قليلة، مثل كازاخستان وكوسوفو، قد سمحت باستعادة كثير من مواطنيها الدواعش، بمن في ذلك البالغون منهم.

وفي الآونة الأخيرة، استقبلت تركيا وروسيا، وبلدان أخرى، أعدادا كبيرة من الأطفال، أغلبهم من الأيتام، برغم بقاء المزيد منهم قيد الاحتجاز في مخيمات اللاجئين.

لكن أغلب دول أوروبا، ما زالت تعتمد موقفا متصلبا، حيث اتجهت بريطانيا إلى حد إلغاء جنسية المواطنين الذين يرغبون في العودة إلى بلادهم، وكثير من البلدان الأوروبية الأخرى، في أعقاب قرارات الرفض المبدئية، قد أعلنت أنها ربما تستقبل بعض الأطفال من رعاياها، غير أن الإجراءات تستغرق وقتا طويلا.

ربما يعجبك أيضا