ملكة أوروبا غير المتوجة دفعت ثمن إنسانيتها في معركة اللاجئين

هالة عبدالرحمن
كتب – هالة عبدالرحمن
 

سيشهد التاريخ أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كانت بمثابة طوق نجاة للاجئين والمهاجرين، عندما فتحت باب الهجرة أمام مليون لاجئ إنقاذّا لسمعة الأوروربيين.

لا أحد في برلين أو لندن أو بروكسل يعتقد حقًا أنها لا تزال تتمتع بالنفوذ، كما يقول كاتب المقال، أو ربما لديها القدرة على مساعدة بريطانيا في موضوع الخروج من الاتحاد الأوروبي “بريكست”. فهي، بحسب منتقديها اليمينيين، مرتبكة من تعالي النبرة القومية حولها لكنها لا يجب أن تلوم سوى نفسها.

ويرجع الكاتب السبب في ذلك كلة إلى فتحها باب بلدها على مصراعيه لأكثر من مليون مهاجر ولاجئ قبل أربع سنوات، مغيرة بذلك الخريطة السياسية للهوية الوطنية في أوروبا وما بعدها.

وأثبتت الإحصاءات أن ألمانيا أكثر دولة منحت تأشيرة دخول للمصريين؛ ٨٦٪ من المتقدمين نجحوا في الحصول على التأشيرة.

واندمج ملايين المهاجرين الذين قدموا من بلدان عدة في المجتمع الألماني وعوضوا انخفاض معدل المواليد في ألمانيا.

وأشارت صحيفة “التايمز” البريطانية إلى أن أنجيلا ميركل في الوقت الحاضر تستعد للخروج من الحكومة، وربما يتوقع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أنه سيلتقي مع ملكة أوروبا غير المتوجه في برلين، في الوقت الذي أصبحت فيه ميركل شخصية هامشية على نحو متزايد في عالم الاتحاد الأوروبي، وأنها باتت تنظر للوراء لكل ما حققته ولا تنظر إلى الأمام حيث تغادر عالم السياسة، بحسب وصفه.

وأوضحت الصحيفة أن تدفق اللاجئين لألمانيا، والشعور بالقلق الشديد بشأن عدم وجود ضمانات للقادمين الجدد كانا ضمن الدوافع الرئيسية لصعود اليمين المتشدد والشعبوية في أوروبا من السويد وحتى إيطاليا، كما كانت أحد مسببات البريكست وفوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية.

ويعتزم وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر وضع حد لزيارة لاجئين سوريين لبلدهم في إجازات، عبر سحب صفة اللجوء منهم وترحيلهم إلى خارج ألمانيا.

واقترح وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر ترحيل طالبي اللجوء السوريين إذا ما تبين أنهم عادوا إلى بلادهم في زيارات خاصة منتظمة بعد فرارهم منها.

واعتبر زيهوفر أن “من يزور بلده بانتظام بعد هروبه منه لا يمكن أن يدعي أنه تعرض للاضطهاد”.

وبالنسبة لميركل، فإن الثمن السياسي الذي دفعته هو صعود حزب البديل اليميني المتطرف عام 2017، والذي من المتوقع أن يحصد أغلب المقاعد في شرق ألمانيا في الانتخابات البلدية هذا الخريف.

وبهذا يكون عهد ما بعد ميركل (انتخابات 2021) قد بدأ بالفعل، بحسب المقال، وأنها سوف تلام على ألمانيا “المريضة” ذات الاقتصاد المتعثر وفقدان دورها الريادي في أوروبا لمصلحة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وإخفاقها في اختيار خلف لها، وعلى رأس ذلك كله دعوتها للهاربين من الحروب إلى بلادها.

لكن في الجهة المقابلة، يوضح المقال أن إحصاءات سوق العمل في ألمانيا لا تبرر الافتراضات السياسية للوبي المناهض للهجرة. إذ إن أكثر من ثلث المهاجرين، الذين قدموا من 7 دول أساسية هي العراق، وسوريا، والصومال، وإيران، وباكستان، وإريتريا، وأفغانستان، لديهم وظائف رسمية ويدفعون الضرائب.

ويعتقد أرباب العمل أن عدد الموظفين من اللاجئين سيرتفع إذا لم يحصل ركود اقتصادي، ويشير المقال إلى أنه لا توجد أدلة تثبت أن القادمين الجدد يسرقون فرص العمل من المواطنين الألمان أو أنهم يمتصون الاقتصاد الألماني بالعيش على نظام التأمين الاجتماعي.

لكن على العكس، أن المهاجرين أصبحوا جزءا من القوة العاملة واندمجوا مع زملائهم الألمان، والسبب في ذلك يعود لثلاثة أمور، أولها: صغر سنهم وقدرتهم البدنية ومستوى تعليمهم الجيد، حيث إن 42 بالمئة منهم حاصلون على التعليم الإعدادي على الأقل.

ثاني هذه الأمور كما يورد المقال هو: أن نظام التعليم والتدريب واللغة الألمانية الذي اتبع جعلهم مؤهلين للخروج مباشرة إلى سوق العمل، وثالثها حاجة سوق العمل إليهم.

ويقول المقال: إن “إرث ميركل الحقيقي قد يكون هو أنها وضعت معيارًا للاندماج الناجح”. وإذا أثبت نجاعته بالنسبة لها ولبلدها فإنها ستكون قد أجابت وبنجاح ولو جزئيا عن السؤال الذي يؤرق المشرع الألماني لعقود، وهو كيف يرفع معدل المواليد في هذا البلد.

ويرى ديتر زيتشه -رئيس مجموعة دايملر الألمانية العملاقة في صناعة السيارات والمحركات- أن اللاجئين “أساس معجزة الاقتصاد الألماني القادمة”، ولعله كان مستعجلا في حكمه هذا، بحسب الكاتب، مع وجود مخاوف من أن يتسببوا في إرباك الحياة العامة للألمان.

لكن هذا لم يحدث حتى الآن كما يشير المقال، ومقامرة ميركل بدأت تؤتي ثمارها. لكن ماذا لو بدأ الاقتصاد الألماني يعاني من الركود وبدأ التنافس الوظيفي يأخذ حيزا كبيرا. يتساءل الكاتب هنا: هل ستعود عبارة “اللاجئين يسرقون وظائفنا”؟ وما هو الثمن الاجتماعي لذلك؟

ربما يعجبك أيضا