صدع أوروبي جديد.. إيطاليا عاجزة عمليًا منذ 2008

حسام عيد – محلل اقتصادي

المعضلات الإيطالية لا تنتهي فحسب، بل آخذة في التشعب والتفاقم، فمع استقالة رئيس الوزراء جوزيبي كونتي بعد سحب الثقة منه، وانهيار حكومته بعدها، أصبحت إيطاليا أمام معضلة سياسية جديدة بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية الهيكلية الحالية.

حكومة كونتي تنهار

جاءت استقالة رئيس الوزراء الإيطالي اعتراضًا على السياسة الخاصة بنائبه ماتيو سالفيني، والذي كان يحاول تمرير أجندته الخاصة ولم يأبه للاقتصاد الإيطالي ووضعه، وبالتالي قام جوزيبي كونتي الذي كان يريد أن يسبق نائبه سالفيني بعدة خطوات، بتقديم استقالته حتى تعود الكرة بشأن هذا الائتلاف الحكومي إلى الرئيس الإيطالي ماتاريلا والذي عليه أن يقرر إذا ما كان يريد أن يشكل حكومة جديدة أو يتجه لانتخابات مبكرة.

وبسبب ماتيو سالفيني أيضا، انتهى التحالف الذي كان موجودا في الحكومة الإيطالية بين حزب رابطة اليمين وحركة الخمس نجوم، فنائب كونتي لطالما وضع نظره على مقعد رئاسة الوزراء، ففي الآونة الأخيرة مضى حثيثًا نحو حجب الثقة عن حكومة جوزيبي كونتي، حتى يستطيع الدعوة لانتخابات مبكرة جديدة، فهو يراهن على أنه يملك الشعبية الكافية ليحل محل رئيس الوزراء السابق، لكن كونتي كان يفهم أجندة سالفيني جيدا، لذلك قام بتقديم استقالته وإعادة سلطة تشكيل الحكومة الجديدة إلى الرئيس الإيطالي.

تجربة شعبوية مخيبة للآمال

يعود ذلك التحالف إلى مارس 2018 حينما فاز كل من حزب رابطة اليمين وحركة الخمس نجوم بالانتخابات الإيطالية، وكان لديه وعودًا واضحة.

الوعود تعلقت بإنقاذ إيطاليا من الركود الاقتصادي، ومعاداة الهجرة غير القانونية، وعدم الرغبة في الاستمرار داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، لكن لم يتحقق منها شيئًا.

ركود وعجز

بالنظر إلى البيانات الإيطالية الحديثة، فقد عانى الاقتصاد كثيرًا منذ فترة حكم التحالف الشعبوي، ففي خلال الربع الثاني من 2018 انكمش بنسبة 0.1%، وبحلول يناير 2019 سجل ركودًا بنسبة 0.1%، وفي الربع الثاني من هذا العام نما فقط بـ عشر النقطة المئوية.

وبالنظر أيضًا إلى عامل آخر يراقبه الاتحاد الأوروبي عن كثب، وهو العجز في الموازنة الإيطالية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، فإيطاليا سجلت عجزًا بـ 2.1% في 2018، مع توقعات بأن يصل إلى 2.5% في 2019، و3% بالعام 2020.

ويتوقع الاتحاد الأوروبي اليوم أن تلامس الموازنة الإيطالية عجزًا بنسبة 3.5%.

وبتلك النسب من العجز، تتحدى إيطاليا قواعد الاتحاد الأوروبي، والذي شدد على ألا تتجاوز أرقام العجز الـ 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وأيضا أن لا تتجاوز نسبة الديون من الناتج المحلي الإجمالي الـ 60%، على الرغم من أن معظم الدول الأوروبية باستثناء 3 دول تجاوزت هذه النسب، ولكن مستويات الديون الإيطالية كبيرة للغاية إلى حد بلوغها 132.1% من حجم الاقتصاد في عام 2018، وبما يعادل 2.4 تريليون دولار.

كما أن التوقعات تشير مواصلة الديون الإيطالية وتيرة الارتفاع لتسجل 133.8% في 2019، و134.8% في 2020.

تصادم مع الاتحاد الأوروبي

الحركة الشعبوية التي فازت في الانتخابات الإيطالية في 2018 كانت تعول على أنها ستقوم بإعطاء تحفيزات مالية للاقتصاد، لكن هذا لم يحدث.

وعلى الرغم من أن ماتيو سالفيني يعد الشعب الإيطالي بمزيد من التحفيز إلا أن الأرقام الاقتصادية لإيطاليا ومستويات الديون قد لا تساعده على فعل ذلك.

ويمكن القول إن إيطاليا عمليًا لم تتعاف حتى الآن من الأزمة المالية العالمية التي حدثت في 2008، فاقتصادها لا يزال ضعيف جدا، وهذا ما قد يدخلها في تصادم مع الاتحاد الأوروبي.

في سبتمبر المقبل، سيكون هناك مناقشة لموازنة عام 2020 بمحاولات الامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي على صعيد مستويات الإنفاق العام، وتجميد زيادة الضرائب.

ولكن التوقعات الاقتصادية لا تبدو جيدة، فمصرف باركليز يرجح دخول إيطاليا في موجة تباطؤ الانفاق الاستهلاكي والاستثمار، فيما يتوقع صندوق النقد الدولي نموًا بنسبة 0.9% لاقتصاد إيطاليا في 2020.

ربما يعجبك أيضا