الليرة تواصل الانهيار.. الحصار يشتد على نظام الأسد

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

واصلت الليرة السورية انهيارها، وقد انخفضت قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي بشكل حاد، سجلت الليرة السورية، رقماً جديدا وغير مسبوق في هبوط سعر صرفها أمام الدولار وباقي العملات الأجنبية، وقد وصل الدولار في السوق السوداء إلى 700 ليرة، لتصل العملة السورية إلى أدنى مستوياتها عبر التاريخ.

فيما كان سعر الدولار قبل اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، يساوي 47 ليرة سورية فقط، في حين بلغت احتياطات البنك المركزي –الشحيحة حاليا- آنذاك  17 مليار دولار.

تلك الضربات التي تلقاها اقتصاد نظام الأسد في دمشق جاءت بفعل زيادة تفعيل قانون سيزر (قيصر) الأمريكي حيث تلقى قبل أشهر قليلة صدمة اقتصادية مصرفية قوية هزته من جهة لبنان وهي منع تمرير الحوالات المالية إلى سوريا بالقطع الأجنبي خصوصاً الدولار، ما يعني حرمانه من ملايين الدولارات شهرياً وبطريقة لا يمكن لمليشيات “حزب الله” الإرهابية أن تتدخل لمنعها رغم هيمنتها على مفاصل الدولة اللبنانية.

قانون “قيصر” المخصص لحصار نظام الأسد اقتصادياً، هو قانون لحماية المدنيين في سوريا، وفرضت بموجبه عقوبات جديدة على أي شخص أو جهة تتعامل مع النظام السوري، أو توفر له التمويل، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن السورية، أو المصرف المركزي السوري.

وبالرغم من تغلب نظام الأسد على أزمته الاقتصادية في الأشهر الماضية بفعل الدعم الإيراني اللا محدود عبر ناقلات تهريب النفط، إلا أن الحصار عليه بدا يشتد مجددا، حيث تم التضييق ومنع ناقلات النفط الإيرانية من الوصول للموانئ ما جعل نظام الأسد عاجزًا عن تأمين الغاز والكهرباء والماء وخاصة البنزين، مجددا مثلما جرى في شهر أبريل الماضي.

الموقف الأمريكي

من جانبه أكد “جول رايبورن” نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى والمبعوث الخاص لسوريا، أن اقتصاد نظام الأسد أصبح ضعيفا جدا، ولم يعد يملك احتياطيا يذكر من العملات الأجنبية، لافتا إلى أن قيمة الليرة السورية تراجعت كثيرا، وأصبحت تساوي 662 مقابل الدولار (وصلت فيما بعد هذا التصريح لـ700 ليرة).

وأشار “رايبورن” في اجتماع عقده بإسطنبول، بحضور عدد من الصحفيين، إلى أن “مختصين اقتصاديين وأشخاصا من داخل مناطق نظام الأسد، أكدوا أن الليرة السورية ستنهار أكثر، وقد تصل قريبا إلى 700 ليرة مقابل الدولار”.

التحويلات بالليرة السورية

وقد تغيرت طريقة تعامل مراكز الحوالات في بعض الدول الخليجية ضمن نظام الحوالات المالية إلى سوريا.

إذ بدأت مراكز الصرافة في كل من السعودية وبلدان اخرى بتحويل الحوالات إلى سوريا بالليرة السورية حصرياً أو ما يعادلها من العملة المحلية، ليستلمها البنك المركزي السوري بالعملة السورية، ويسلمها لأصحابها بنفس العملة والقيمة.

ويأتي هذا الإجراء بتوجيه من الولايات المتحدة الأمريكية لمنع وصول عملة “الدولار” إلى النظام السوري، ومنع جميع الجهات من التعامل معه بالدولار، حتى ضمن الحوالات المالية صغرت أم كبرت.

أسباب الهبوط

وكانت وكالة رويترز قد نشرت تقريرا شرحت فيه أسباب الهبوط الحاد والسريع لليرة السورية أمام الدولار وباقي العملات، رغم التقدم الذي أحرزته ميليشيا أسد مؤخرا على الأرض، حيث استولت على مناطق جديدة في إدلب وحماة، كانت تحت سيطرة قوات المعارضة.

وأرجع تقرير الوكالة التراجع الكبير في سعر الليرة إلى 3 أسباب، أولها الأضرار التي لحقت بصناعة البلاد جراء القتال فضلا عن إرسال السوريين المذعورين أموالهم للخارج، والثاني إلى العقوبات الغربية على نظام الأسد وشخصيات مقربة منه.

وأما السبب الثالث فيعود وفق التقرير إلى تخلي البنك المركزي لنظام الأسد إلى حد بعيد عن جهوده في الأشهر الأخيرة لدعم قيمة الليرة وذلك من أجل حماية احتياطياته النقدية الأجنبية المتبقية.

وتوصل التقرير إلى أن أسباب عدم انهيار العملة السورية بشكل تام حتى الآن يعود إلى تحويلات المغتربين السوريين لأقاربهم وتدفق المساعدات من إيران، الحليف الإقليمي الرئيسي لنظام الأسد.

شلل اقتصادي

انخفاض الليرة السورية، أثر بشكل مباشر في القوة الشرائية الضعيفة، لدى الأهالي القاطنين في مناطق سيطرة الأسد، التي تعاني من ارتفاع كبير في المواد الغذائية واللحومات والمحروقات.

الخبير الاستراتيجي الموالي للنظام “الدكتور كمال الجفا” قال: إن “سوريا تتجه نحو الشلل الاقتصادي التدريجي شئنا أم أبينا وما يجري حاليا هو كارثة حقيقية في كل المجالات”.

وأضاف الجفا: إن من سماهم “رجال الحرب، لا يصلحون للسلم. هي قاعدة قانونية يعرفها الصغير والكبير”، فيما يبدو إشارة إلى تجار الحرب الذين أوجدهم نظام الأسد ومسؤولوه، مؤكداً أن “الأنظمة والقوانين وتفصيلات القوانين التي تتم صياغتها على قياس البعض هي جزء أساسي من الكارثة”.

في حين أن حليفته الأخرى إيران، أوقفت الخط الائتماني، الذي كان يزود نظام الأسد بجزء كبير من احتياجاته النفطية، منذ 15 آذار/ مارس عام 2018، لأسباب متعلقة إلى حد كبير بالأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران والعقوبات الأمريكية القاسية.

صحيفة “وول ستريت جورنال” قالت: إن العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران تسببت في خسائر غير مسبوقة في تدفق الخام النفط إلى سوريا، مما أدى إلى قطع شريان الحياة الذي كان يغذي نظام الأسد طوال سنوات الحرب ويساعده في الاستمرار.

اقتراحات بدون جدوى

وقد طالب عضو “لجنة مشروع قانون حماية الليرة السورية” عمار يوسف، التابعة لـ”نظام الأسد”، ضبط سوق الصرف بشكل عاجل وفوري وجاد عبر: “تجريم حيازة وتداول الدولار خارج القنوات الرسمية، وفقا للقوانين التي كان معمولا بها خلال ثمانينيات القرن الماضي”.

كما دعا يوسف إلى “إغلاق شركات ومكاتب الصرافة، وحصر التعامل بالدولار للحاجة الأساسية، عن طريق الدولة، بشكل كامل، وضبط من يهرب الدولار، لأي كمية كانت”.

ويخفي النظام عن أنصاره حقيقة ما يعانيه اقتصاده الهش، خصوصًا أن خزان الوقود في أكبر منشاة نفطية له قارب على الانتهاء.

وكل المؤشرات تؤكد أن زيادة الحصار الاقتصادي على نظام الأسد، إما سيعجل بثورة في مناطق سيطرته، أو “انقلاب عسكري” من قبل بعض عناصر قواته، أو بتنازله عن السلطة ورضوخه للحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، ولا يوجد خيار رابع.

 
 

ربما يعجبك أيضا