بعد رحيل بولتون.. نتنياهو يفقد درعه الواقي!

محمد عبد الدايم

كتب – د.محمد عبدالدايم

الأمر ليس مفاجئًا، فمنذ عدة أشهر ظهر جليًا أن العلاقة بين جون بولتون مستشار الأمن القومي في الإدارة الأمريكية وبين الرئيس دونالد ترامب تقترب من نهايتها العملية.

في البداية قبل أية تحليلات سياسية وجب الذكر أن هذا نهج صار مألوفا لدى ترامب، الذي يعين أحدًا ما منصب بإدارته، ثم يقيله فجأة، أو يستقيل المُعين بعد فترة، وكأن الأمر خاضع بعض الشيء لأهواء شخصية، وميول لدى الرئيس الأمريكي الذي يرسخ لنوع جديد من السياسة الخارجية والداخلية، نوع قائم على الحب والكره، أو على القبول والرفض، وكل تصرف ينقله هكذا بنقر أصابعه على تويتر ليصيغ به تغريدة تعين أو تقيل أو تتخد قرارًا سياسيًا باسم الإدارة الأمريكية.

بعد رحيل بولتون: لقاء بين ترامب وروحاني

الآن مع الحديث عن لقاء مرتقب يجمع بين الرئيس الإيراني حسن روحاني والأمريكي دونالد ترامب أُسقِط في يد حكومة إسرائيل، أو في يد بنيامين نتنياهو على وجه التحديد، وفي الوقت نفسه جاء الإعلان الترامبي على تويتر عن إنهاء عمل مستشاره للأمن القومي جون بولتون.

في رده على سؤال حول رأيه في النبأ المتداول عن لقاء قريب محتمل بين روحاني وترامب صرح بنيامين نتنياهو بأنه يثق في أن ترامب سيكون أكثر “حسمًا وعقلًا ممن كانوا قبله في البيت الأبيض”، وأضاف بأنه حان الوقت “لممارسة الضغوط على إيران”.

رحيل متوقع منذ فترة

إقالة جون بولتون، مثلما صرح ترامب، أو استقالته، مثلما صرح مقربون منه، كانت أمرًا متوقعًا، وليست مفاجأة مدوية مثلما يتخيل البعض، فقط طريقة ترامب في إعلان التخلص من بولتون هي ما أثارت هذه الضجة.

منذ عدة أشهر والأمر متوقع ومنتظر، فالعلاقة بين ترامب وبولتون كانت آخذة في التقوض، ولم يعد وجود مستشار الأمن القومي محببًا لترامب، ففي بداية الصيف نقلت صحيفة نيويورك تايمز أن ترامب صرح لمقربين له أنه “إذا كان قد أنصت لآراء بولتون لكانت الولايات المتحدة الآن قد تورطت بالدخول في أربع حروب”.

ربما كانت الأزمة الرئاسية في فنزويلا هي القشة التي أطاحت بالعلاقة بين بولتون وترامب، بسبب ما اعتبره الرئيس الأمريكي فشلًا من بولتون في إدارة الأزمة، حيث حث بولتون ترابم على اتخاذ خطوات متطرفة ضد نيكولاس مادورو المدعوم من روسيا والصين، حتى أن بولتون أوصى بأن ترسل الولايات المتحدة قوة من سلاح الجو الأمريكي لتعمل على الإطاحة بمادورو، على غرار القوة الجوية الروسية التي وصلت إلى فنزويلا لمؤازرة مادورو ضد خوان جوايدو رئيس البرلمان الذي أعلن تنصيب نفسه رئيسا بعد الانتخابات.

المثير أن الجيش الفنزويلي قد وقف خلف مادورو، الذي وجه سخطه على بولتون واتهمه بإفساد بلاده ودفعها للحرب الأهلية.

لكن ما علاقة نتنياهو بالأمر؟

يمكن القول، بدون شك كبير، أن نتنياهو، المقبل على انتخابات عاصفة تحدد مصيره خلال أسبوع، قد فقد درعًا واقيًا له، صديقًا مخلصًا، وحليفًا وفيًا له في الإدارة الأمريكية.

عندما رد ترامب بالإيجاب على دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي دعا لتنظيم لقاء بينه وروحاني؛ فهذا أكّد أن بولتون راحل بلا عودة، لأن مستشار الأمن القومي معروف بمواقفه المتشددة تجاه طهران، حتى أنه اقترح في وقت سابق قصف أهداف إيرانية ردًا على إسقاط الطائرات الأمريكية المُسيرة في الخليج العربي، غير أن ترامب رفض اقتراح بولتون، وفضّل التريث في اللحظة الأخيرة بناء على توصيات مستشارين سياسيين من كبار الخبراء في الإدارة الأمريكية، والذين حذروه من مغبة التورط في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران آنذاك.

إذًا، كان واضحًا، والآن أصبح الأمر أكثر وضوحًا، أن ترامب لم يستأنس بتوجهات بولتون تجاه إيران، بسبب تخوف ترامب من الفشل على غرار ما حدث في فنزويلا، والفشل فيما يخص الملف الإيراني يعني نقطة أفضلية كبيرة لطهران على حساب ترامب، وبالتالي ينال نتنياهو نصيبه من نتيجة هذا الفشل في معالجة الملف الإيراني.

خسر نتنياهو إذًا حليفه بولتون، الذي كان يحث الإدارة الأمريكية على اتخاذ تدابير عسكرية صارمة بحق إيران، مما كان سيعطي نتنياهو دفعة كبيرة للأمام، تمنحه أريحية سياسية في سباقه الانتخابي والسياسي، باعتبار أن إيران تمثل الآن “الخطر الأكبر على إسرائيل”، ومن مصلحة نتنياهو أن تتراجع قوة طهران أمام الملك بيبي.

ليس وقتًا مثاليًا

ربما ليس هذا الوقت الأكثر مثالية بالنسبة لنتنياهو، أن يرحل مستشار الأمن القومي من منصبه قبل الانتخابات الإسرائيلية بنحو عشرة أيام.

استغل صديق الأمس غريم اليوم رئيس حزب يسرائيل بيتينو أفيجادور ليبرمان هذه الفرصة، في ذروة موسم الدعاية الانتخابية، وهاجم نتنياهو زاعمًا أنه فقط ظهيرا سياسيًا كبيرًا برحيل بولتون، واعتبر أن رئيس الوزراء “تلقى ضربة قاصمة، وفقد كنزه الكبير” ولم يقصد بولتون بهذا، بل قصد ترامب نفسه، فقد اعتبر ليبرمان أن رحيل بولتون من شأنه أن يغير من سياسة ترامب تجاه نتنياهو، بعد أن ظهر الرئيس الأمريكي من بداية فترة رئاسته الأولى داعمًا لإسرائيل اليمينية، ولنتنياهو شخصيًا.

غادر جون بولتون، وربما تراجعت مع رحيله فكرة شن حرب أمريكية على إيران، وهي الحرب الذي كان نتنياهو أكبر الداعمين لها، وأكثر المستفيدين منها، بأن يتخلص من التهديد الإيراني وذيوله في سوريا ولبنان، ويثبت أنه “المدافع الأكبر عن أمن إسرائيل”، ليداري مشكلته مع صواريخ غزة.

إعلان دعائي يستلزم حليفًا

اضطر أمن نتنياهو لإنزاله عن المنصة التي كان يتحدث فوقها خلال جولته الانتخابية في أشدود، بعد إطلاق صواريخ من غزة، وهو الموقف الذي لم يكن يحبذه رئيس الوزراء في هذا الوقت تحديدًا، مع تزايد هجوم معارضيه عليه باتهامه بانتهاج سياسة ضعيفة لمعالجة مسألة غزة وحماس.

على جانب آخر استغل نتنياهو حادثة إسقاط الطائرتين المسيرتين فوق لبنان بالإيجاب لصالحه، بأن استدرج حزب الله الموالي لطهران لمواجهة كلامية، أعقبها إطلاق صاروخي من حزب الله على أهداف عسكرية إسرائيلية اتضح أنها مزيفة، وُضعت للتلاعب بحزب الله، مما يمنح نتنياهو نقطة في مواجهته مع إيران، بعد أن كسب عدة جولات أخرى، بعد استهداف سلاح الجو الإسرائيلي لتجمعات وأهداف إيرانية في سوريا وفي العراق.

لكن ليس معنى أن الجيش الإسرائيلي نصب فخًا لحزب الله أن الرأي العام الإسرائيلي يبدي رضاه التام عن السياسة الأمنية لنتنياهو، فمجرد الحديث عن إطلاق صواريخ من غزة جنوبًا أو من لبنان شمالا باتجاه إسرائيل كفيل بأن يثير خصوم نتنياهو.

السياسة الأمنية هي الفيصل لدى الناخب الإسرائيلي الذي يرغب في الشعور بالأمان، حتى لو تأكد بأن رئيس حكومته متهم بالفساد والرشى، لذا فإن نتنياهو ليس مستعدًا الآن لخسارة حلفاءه في واشنطن والبيت الأبيض.

في مؤتمره الصحفي الدعائي؛ أعلن نتنياهو نيته إعلان السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت وعدد من المستوطنات المبنية على أراض فلسطينية، وهو الإعلان الذي ووجه بردود أفعال عربية غاضبة، وبالتأكيد يرغب نتنياهو في دعم كبير من الولايات المتحدة ليحقق المرجو من إعلانه الانتخابي هذا، على غرار الدعم الذي ناله بإعلان ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل والاعتراف بسيادتها على الجولان، لكنه الآن يخشى تراجع الدعم الأمريكي غير المحدود، خصوصًا وأن هذا العصر الذهبي للتحالف مع الولايات المتحدة، في عصر ترامب، بينما الأمر ليس مضمونًا فيما هو قادم، مع رحيل صقر البيت الأبيض جون بولتون، وزيادة الضغوط على ترامب لانتهاج سياسة متعقلة بعض الشيء لا تدر سخطًا علميا على الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه بدأ القلق يتسلل لإسرائيل من مغبة زيادة الشرخ بينها وبين الحزب الديمقراطي الأمريكي، خصوصًا وأن ترامب نفسه قد أثار غضب الأمريكيين اليهود في الحزب الديمقراطي بتصريحاته الهجومية عليهم، والتي اعتبروها تصريحات معادية للسامية.

من المعروف أن نتنياهو قد انتهج سياسة مضادة للحزب الديمقراطي الأمريكي خلال السنوات السبعة الأخيرة، وفي وجود ترامب ظهر التواؤم الأيديولوجي اليميني بين نتنياهو والحزب الجمهوري، لكن هذا التواؤم ربما يأخذ في التراجع، مع شعور كبار الساسة بالحزب الأمريكي الحاكم بأن هذا سياسة بولتون الصقورية، والدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل لا يمكن أن يؤمن، وحده، انتصارًا على الحزب الديمقراطي في وقت الانتخابات الأمريكية، لذا جاءت إقالة بولتون، أو استقالته، لتعطي إيحاء لنتنياهو بأن الانصهار الكلي مع الحزب الجمهوري ربما لا يعطي نتائج كبيرة مستقبلًا.

ربما يعجبك أيضا