مؤشرات “تشريعية تونس” تربك المشهد السياسي.. و”النهضة” في مأزق

محمود طلعت

رؤية – محمود طلعت

يبدو أن الطريق إلى تشكيل حكومة جديدة في تونس سيكون شاقا، وذلك بعد أن أظهرت المؤشرات الأولية لنتائج الانتخابات البرلمانية التونسية عدم فوز أي حزب بأغلبية مريحة تتيح له تشكيل حكومة بمفرده.

ووضعت النتائج غير الرسمية للانتخابات البرلمانية، القوى السياسية التونسية في مأزق، تبدو حياله عملية تشكيل حكومة جديدة أمرًا صعبا يحتاج إلى تحالفات “مرة”، وفق مراقبين للشأن السياسي في البلاد.

وستعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج الأولية الرسمية للانتخابات التشريعية يوم الأربعاء 9 أكتوبرالجاري على أن يُفتح بعدها باب الطعون والتقاضي لفترة قد تمتدّ لأسابيع، لتعلن الهيئة بعدها عن النتائج النهائية، ويتم على أساسها التكليف.

مؤشرات بالنتائـج الأوليـة

وبحسب النتائج التي تم إعلانها مساء أمس الأحد، حصلت حركة “النهضة” على 17.5%، وحصل حزب “قلب تونس” على 15.6%، فيما حصل “الحزب الدستوري الحر” على 6.8%، يليه “ائتلاف الكرامة” القريب من حركة النهضة بنسبة 6.1%.

وأشارت أحدث الاستطلاعات إلى أن النتائج متقاربة بين حزبي “قلب تونس” الذي يتزعمه المرشح الرئاسي نبيل القروي، وحزب “حركة النهضة” بزعامة راشد الغنوشي.

وكان حزبا “قلب تونس” و”حركة النهضة” قد أعلنا تصدرهما في الانتخابات التشريعية، التي أجريت الأحد، فيما سيتم الإعلان عن النتائج خلال أيام.

تنافر النهضة وقلب تونس

حتى الآن يبدو خطاب “النهضة” من جهة و”قلب تونس” من جهة أخرى متنافرين، فضلاً عن إعلان حركة النهضة دعمها للمرشح قيس سعيد في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، ما يعني ضرب منافسه نبيل القروي، رئيس “قلب تونس”.

القيادي في حزب “قلب تونس” حاتم المليكي، جدد تأكيده على أن حزبه منفتح على كل القوى الوطنية والعائلات السياسية، لكنه لن يتحالف مع “النهضة” التي حمّلها مسؤولية التدهور الاقتصادي والاجتماعي الذي عاشته تونس طيلة السنوات الماضية.

على الجانب الآخر وصف رئيس مجلس شورى حركة “النهضة” عبدالكريم الهاروني، حزب القروي، بأنه تحوم حوله شبهات فساد وبأن النهضة اختارت قوى الثورة، ما يجعل التقارب في هذه المرحلة أمرًا مستبعدًا“، بحسب مراقبين.

وسبق أن أكدت أحزاب “قلب تونس” و”الدستوري الحر” و”التيار الديمقراطي”، عدم الانضمام إلى أي حكومة تضم حركة النهضة.

حركـة النهضـة في مأزق

ووسط أجواء عدم الثقة بين عدد من الأحزاب التونسية من جهة، وحركة النهضة من جهة أخرى، يبدو تشكيل حكومة ائتلافية هو أمر في غاية الصعوبة.

وإذا ما تم تثبيت هذه النتائج الأولية المعلنة حتى الآن سيتم تكليف “النهضة” بتشكيل الحكومة الجديدة، وستضطر الحركة للبحث عن تحالفات لتتمكن من ضمان أغلبية النصف زائد واحد (109 أصوات) لنيل ثقة الحكومة في البرلمان.

ويرى مراقبون أن حركة النهضة ستجد نفسها في مأزق، لأنها ستعمل على إرضاء شق دون آخر داخلها، بمعنى أن تحالفها مع قلب تونس سيُغضب الثوريين الذين يرغبون في القطع مع من يعتبرونهم رموز الفساد والتأسيس لحكومة ثورة، أما إذا اختارت الخيار الثاني فقد تفقد قوى أخرى داخل البرلمان قد تسندها لإيجاد الأغلبية اللازمة لتمرير حكومتها.

يقول المحلل السياسي فتحي العيادي، إن حركة النهضة ستحدد موقفها على الأرجح بعد إجراء جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، الأحد المقبل 13 أكتوبر، بين المرشح المستقل قيس سعيد، ورئيس حزب “قلب تونس” نبيل القروي.

ويضيف “أمام الحركة فرضيتين، فإن فاز قيس سعيد الذي تدعمه علنًا فستمضي فيما تسميه النهج الثوري والتقارب مع ائتلاف الكرامة وشتات من المستقلين لتضمن الأغلبية اللازمة، وإن فاز القروي قد يكون لزامًا عليها فتح مشاورات شاقة معه ومع بعض مكونات العائلة الوسطية ومنها تحيا تونس والتيار الديمقراطي وبعض المستقلين.

والأمر حينها لن يكون سهلاً، في ظل التنافر الكبير بين التوجهات السياسية لمختلف القوى الصاعدة في المجلس، وفي ظل ضعف تمثيل شق كبير من هذه المكونات.

الموقـــف في الدســــــتور

وبحسب الدستور التونسي، إذا فشل البرلمان الجديد خلال شهرين، في التصديق على تشكيلة حكومية تتزعمها شخصية يرشحها الحزب الفائز، يكلف الرئيس شخصية من خارج الحزب لتشكيلها.

أما في حال فشلت الشخصية الثانية في الفوز بثقة أغلبية النواب خلال شهرين أيضا، يُحل البرلمان وتتم الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة.

المحلل السياسي المختص في الشأن البرلماني سرحان الشيخاوي، يرى أن فرضية حل البرلمان ممكنة، باعتبار صعوبة اصطفاف كتل متناحرة وراء حكومة واحدة، مشيرا إلى أنه حتى وإن تم جمع الأغلبية اللازمة لدعم الحكومة فسيكون سندها السياسي غير مستقر وقابلا للانفجار في أي وقت.

النهضة تغازل الأحــزاب

زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وفي تعليقه على النتائج الأولية، بدأ مغازلة معارضيه، بالقول إن الحركة بـ”حاجة إلى شركاء لتشكيل الحكومة القادمة”، إلا أن عدة أحزاب أكدت أن التحالف مع هذه الحركة الإخوانية في الأيام المقبلة سيكون أمرا مستحيلا.

وفي مسعى لتغيير موقف حزب “قلب تونس”، أكد الغنوشي أن النهضة ليست مسرورة باستمرار وجود رئيسه نبيل القروي في السجن، غير أن هذا التعاطف قوبل بردة فعل مخيبة للآمال من قبل الحزب الذي أعلن أن التحالف مع حركة النهضة أمر مستحيل، والحوار معها مرفوض أيضا.

وقبل أيام، أكد القروي في رسالة وجهها إلى راشد الغنوشي، أن حزبه لن يتحالف مع النهضة، لما لاحقها من ارتكابها جرائم خطيرة بحق الوطن والشعب التونسي جراء الاغتيالات التي ذهب ضحيّتها سياسيون معارضون وجنود ومدنيون عزّل، وكذلك لتورطها في التغرير بشباب تونس وتسفيره إلى بؤر التوتر للقتال مع التنظيمات الإرهابية.

وفي السياق ذاته، أعلن حزب “التيار الديمقراطي” الذي حصل على 14 مقعدا، أنه سيكون في المعارضة وأنه لن يتحالف مع النهضة، لأن مشروعه يتناقض مع مشروعها، وهو الموقف نفسه الذي اتخذه الحزب “الحر الدستوري”، حيث أكدت زعيمته عبير موسي أنها لن تضع يدها مع الإخوان وأنها ستصطف وراء المعارضة.

النهضة وخسارة شـعبيتها

كشف الباحث عمرو فاروق أن حركة النهضة الإخوانية عقب خسارتها في الانتخابات الرئاسية على يد عبدالفتاح مورو، تؤرقها بشدة الخسارة الشعبية والجماهيرية لاسيما أنها تقدم نفسها على أن النسخة الأكثر رقيا وانفتاحا من جماعة الإخوان المتطرفة فكريا وسياسيا، التي هي جزء منها.

وأكد فاروق، أن رجال الغنوشي سيستخدمون مختلف الأساليب والطرق للحصول على المغالبة البرلمانية التي تمكنهم من تشكيل الحكومة التونسية الجديدة أو المشاركة في فيها بنسبة الأغلبية في حال التحالف مع أطراف سياسية أخرى.

ربما يعجبك أيضا