الإمارات وروسيا.. شراكة استراتيجية لتعزيز استقرار المنطقة

حسام عيد – محلل اقتصادي

“الإمارات العربية المتحدة تسهم بدور مهم في حل أزمات المنطقة وتلعب دونما أي مبالغة دورًا يعزز الاستقرار.. لن أكشف سرًا كبيرًا إذا قلت إننا على اتصال دائم مع قيادة الإمارات بل ونشأت لدينا تقاليد وممارسات معينة فلدينا إمكانية ضبط ساعات نشاطنا على توقيت واحد في اتجاهات وقضايا مختلفة ونقوم بذلك كما أري فيما فيه فائدة كبيرة لا لكلا الطرفين فحسب بل للمنطقة بأسرها”.. بهذه العبارات كشف الرئيس الروسي عن متانة وعمق العلاقات الاستراتيجية بين دولتي الإمارات وروسيا.

وسيبدأ فلاديمير بوتين رئيس جمهورية روسيا الاتحادية، يوم الثلاثاء المقبل الموافق 15 أكتوبر 2019، زيارة رسمية تاريخية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.

شراكة استراتيجية متجددة

تعود العلاقات الإماراتية الروسية إلى 1971، فمنذ إعلان الشيخ الراحل زايد بن سلطان آل نهيان تأسيس دولة الإمارات العربية المتحد، والعلاقات مع جمهورية روسيا الاتحادية آخذة في التصاعد بجميع المجالات حتى بلغت مستوى الشراكة الاستراتيجية.

وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1971 مع الاتحاد السوفييتي واستكملت في عام 1991 مع روسيا الاتحادية، غير أن قرار تبادل السفراء تم التوصل إليه في نوفمبر 1985، وفي عام 1986 جرى افتتاح سفارة الاتحاد السوفييتي في أبوظبي وفي أبريل 1987 افتتحت سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في موسكو، بينما افتتحت القنصلية العامة الروسية في دبي عام 2002 حيث عبر ذلك عن مدى قوة العلاقة بين البلدين الصديقين.

وفي الأول من يونيو 2018 شهدت علاقات البلدين نقطة تحول هامة تمثلت في التوقيع على إعلان شراكة استراتيجية بينهما تشمل المجالات السياسية والأمنية والتجارية والاقتصادية والثقافية إضافة إلى المجالات الإنسانية والعلمية والتكنولوجية والسياحية.

زيارة تاريخية لآفاق أرحب

ويبحث الرئيس الروسي خلال الزيارة المرتقبة مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة علاقات التعاون الثنائي بين البلدين الصديقين وآليات تنميتها وتعزيزها في المجالات المختلفة، إضافة إلى مجمل التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، والقضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك.

وتأتي زيارة فلاديمير بوتين إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في إطار الشراكة الاستراتيجية التي وقعها البلدان خلال شهر يونيو العام الماضي لتعزيز التعاون والتنسيق المشترك في مختلف القطاعات الحيوية.

ويشمل اتفاق الشراكة المجالات السياسية والأمنية والتجارية والاقتصادية والثقافية، إضافة إلى المجالات الإنسانية والعلمية والتكنولوجية والسياحية.

كما ترغب روسيا في زيادة استثماراتها المشتركة مع الإمارات إلى 7 مليارات دولار من 2.3 مليار دولار.

تقارب الأولويات بالمنطقة

تتميز العلاقات الإماراتية-الروسية بأنها إلى جانب أبعادها الأفقية والشعبية التي تنسجها المؤسسات والشركات والاستثمارات والسائحون من كلا البلدين، فإنها تتميز بقوة العلاقات على المستوى العمودي/ القيادي، فمواقف البلدين “متطابقة أو قريبة جداً” في كل الملفات المطروحة والحيوية، الأمر الذي يؤسس لشراكة استراتيجية بين البلدين، ويدفع بالعلاقات إلى مرحلة جديدة تتضمن مزيدًا من التعاون، والتنسيق عالي المستوى في مجال مكافحة الإرهاب.

وفي الآونة الأخيرة، تقاربت الأولويات الإماراتية والروسية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وفي صدارتها العمل على تأمين بيئة إقليمية آمنة ومستقرة عبر احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

توسيع قاعدة الاستثمارات الروسية

تبدي الشركات الروسية اليوم اهتماماً متزايداً بالسوق الإماراتية، وبالمعارض الكبرى التي تقام في دبي على مدار العام، وهذا ما أكده مسؤولون إماراتيون وروس، كاشفين أهمية توسيع روسيا لأنشطتها التجارية في السوق الإماراتية، لتعزيز صادراتها، وخاصة الزراعية، والاستفادة من سوق المنتجات الغذائية المتنامي في الإمارات.

وقد اتخذت روسيا خلال الأعوام الماضية، بضعة خطوات في سبيل تعزيز حضورها في أسواق الإمارات في هذا المجال، حيث قامت بافتتاح مكتب تمثيل تجاري لها في السفارة الروسية في أبوظبي في 2017، وافتتحت أيضاً دار الأغذية الروسية في دبي في عام 2019.

وتبذل روسيا جهوداً حثيثة لدعم صادراتها من الأغذية إلى الشرق الأوسط وآسيا، وهذا بدوره سيجعل من دولة الإمارات المركز المفضل لإعادة تصدير المنتجات والسلع الروسية في المنطقة، ما يتيح للمصدرين الوصول إلى نحو ملياري مستهلك في الأسواق المحيطة.

وتتمتع دولة الإمارات ببنية تحتية عالمية، ومرافق لوجستية ممتازة، ومناطق حرة جذابة، تجعل العملية التجارية تتسم بالكفاءة من حيث التكلفة، كما تعد دبي وحدها مركزاً رئيساً للمنتجات الغذائية من جميع أنحاء العالم، حيث يتم إعادة تصديرها عبر الإمارة إلى الأسواق المحيطة.

وتم تصدير ما قيمته قرابة 900 مليون درهم من المنتجات الزراعية والمواد الغذائية من روسيا إلى دبي في عام 2018، في حين تم إعادة تصدير ما قيمته أكثر من 104 ملايين درهم من المنتجات الغذائية ذات الصلة الروسية عبر الإمارة، ومع ذلك، هناك إمكانية لتعزيز التعاون المستقبلي في هذا الشأن في المستقبل، واستكشاف فئات المنتجات الجديدة.

ويبلغ عدد الشركات الروسية المسجلة والعاملة في الإمارات نحو 3 آلاف شركة تستفيد جميعها مما توفره الإمارات من فرص استثمارية متنوعة، إلى جانب سلاسة قوانينها والمناطق الحرة ومطاراتها ومرافقها الحديثة، التي أسهمت في تعزيز ثقة الشركات الروسية في إطلاق مشاريعها داخل الدولة.

فيما يشكل القطاع السياحي أحد أبرز القطاعات التي تعزز دعائم العلاقات الثنائية المتميزة بين الدولتين، حيث وصل عدد السياح الروس الذين استقبلتهم الإمارات عام 2018 إلى نحو 900 ألف زائر ، فيما يصل فيه عدد المواطنين الروس المقيمين في الدولة إلى نحو 40 ألفا.

وفي تقريرها السنوي الأخير، سجلت وزارة الاقتصاد الإماراتية، إجمالي حجم التجارة بين الإمارات وروسيا في عام 2018 بقيمة 3.4 مليارات دولار أمريكي بزيادة نسبتها 21% مقارنة بعام 2017. وأدرجت الوزارة أرقام منتجات القمح ضمن أعلى الواردات بعد الماس، بقيمة 460 مليون درهم، تليها منتجات الشوكولاتة بقيمة 400 مليون درهم.
 

ربما يعجبك أيضا