في إيران .. فتاة أضرمت النار في نفسها لتضيء وجوه النساء في الملاعب

يوسف بنده

رؤية

لمراتٍ، بعث الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) رسالات إلى الاتحاد الإيراني، طالبه فيها بتحديد مصير قضية دخول الإيرانيات إلى الملاعب في أسرع وقت ممكن، سيما انه ليس هناك مانع قانوني في هذا الصدد.

وقد ارتفعت أصوات المطالبة بحق المرأة في دخول ملاعب كرة القدم في إيران، بعد وفاة فتاة إيرانية، اسمها سحر خداياري، في شهر سبتمبر الماضي، بعد أن أشعلت النار في نفسها، احتجاجًا على اعتقالها بسبب حضور مباراة كرة قدم، ما أدى إلى لفت أنظار المجتمع الدولي إلى قضية دخول النساء في إيران إلى الملاعب، بل وإلى قضية حقوق المرأة بشكل عام.

وقد اشتهرت سحر خداياري بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الإيرانيين، منذ اليوم الأول من حرق نفسها أمام المحكمة، بـ”الفتاة الزرقاء”، بسبب عشقها لنادي استقلال طهران، الذي يرتدي القميص الأزرق، وهو أحد قطبي الكرة الإيرانية.

وتجدر الإشارة إلى أن حظر دخول النساء إلى الملاعب في إيران خلال العقود الأربعة الماضية كان مثالا للتمييز الواضح ضد المرأة، خاصة أن هذا الحظر ليس على أساس قانوني بموجب قانون الجمهورية الإسلامية الحالي، ويطبق وفقًا للرأي الشرعي لبعض مراجع التقليد وکذلك لرأي علي خامنئي، مرشد الجمهورية الإسلامية.

النساء في المدرجات

في خطوة هي الأولى من نوعها منذ الثورة الإسلامية الإيرانية، عام 1979، سمح الاتحاد الإيراني لكرة القدم، للنساء بالحضور في تصفيات كأس العالم، بداية من المباراة الأولى، مباراة إيران-كمبوديا، يوم الخميس الماضي، 10 أكتوبر/تشرين الأول الحالي.

وكتب الصحف الإيرانية اليوم السبت، عن أول حضور رسمي للمرأة في استاد آزادي على صفحاتها الأولى، فعنونت  صحیفة “آرمان ملي”: “ابتسامة ملعب آزادي بوجه النساء”. وکتبت “آفتاب یزد”: “نجحت اللعبة المزدوجة”.

وفي إیهام متفائل، کتبت صحیفة “ابتکار”: “لقد وصلت النساء إلى آزادي (الحرية)”. أما صحیفة “إیران” الحكومية، فقد أشارت إلی تسجیل المنتخب الوطني رقمًا قیاسیًا من الأهداف، وإلی حضور النساء في الملعب، وعنونت: “ملعب آزادي یزدهي بالورود”. وکتبت صحیفة “جهان اقتصاد” أن الیوم هو “يوم كرة القدم التاريخي لإيران”.

وأدى بيع تذاكر مباراة إيران وكمبوديا بشكل محدود لأقل من 4 آلاف مشجعة، إلى ردود فعل مختلفة من قبل المسؤولين، وكذلك في وسائل التواصل الاجتماعي، فيما اعتبر بعض الناشطين في مجال حقوق المرأة، أن السماح بدخول النساء إلى الملاعب بحد ذاته إنجاز مهم للنساء في إيران في ظل القوانين التقييدية الموجودة في هذا البلد.

واعتبر عدد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والنشطاء الإعلاميين ونشطاء حقوق المرأة، محدودية تذاكر المباراة للنساء، رغم وجود العديد من المدرجات الفارغة في الملعب، ووجود النساء في أماكن مخصصة لهن، ووضع السياج الحديدي عليها، وكذلك تخصيص مواقف سيارات خاصة للنساء، اعتبروا أن كل هذه الإجراءات سلوك مهين من قبل إيران.

وفي السياق، أكد المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، الذي حضر في ملعب آزادي بطهران لمشاهدة مباراة كرة القدم بين منتخبي إيران وكمبوديا المؤهلة لكأس العالم 2022 في قطر، أكد أن إيران “لم تكن تحت أي ضغط من الضغوط الأجنبية لدخول النساء إلى الملاعب، وأن البعض يرغب في ربط هذه القضية بالأجانب”.

وأضاف أن “رؤية الحكومة إيجابية بشأن حضور السيدات في الملاعب ویجب علینا تطوير تجاربنا بهذا الشأن”.

ومن جهة أخرى، أعربت مساعدة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والأسرة، معصومة ابتكار، عن أملها في أن يحدث هذا في مباريات الدوري الإيراني الممتاز أيضا.

الخارج يراقب

خارجيًا، قال فيليب لوثر، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظّمة العفو الدولية، إن موافقة الحكومة الإيرانية على حضور النساء بشکل محدود في الاستاد، لمشاهدة مباراة كرة القدم، الخميس، هي خطوة دعائية من أجل تجمیل وجهها، بعد إضرام سحر خداياري النار في نفسها.

وتابع: “أي شيء أقل من التراجع الكامل عن الحظر المفروض على دخول النساء إلى جميع ملاعب كرة القدم، سيكون بمثابة إهانة لذكرى سحر خدایاری، وإهانة لحقوق جميع الإيرانيات اللائي يناضلن بشجاعة من أجل رفع الحظر”.

وأدان براين هوك، رئيس مجموعة العمل الخاصة بإيران في وزارة الخارجية الأميركية، “مراوغات النظام الإيراني بشأن دخول النساء في استاد آزادي”، قائلاً: “لقد أجبر النظام الإيراني على الاستسلام عقب الضغط الخارجي، ولكن كما كان متوقعًا في السابق، سعى إلى أن یصل إلى هدفين؛ أي التقدم إلى الأمام مع إذلال المرأة”.

وتعليقًا على هذه الخطوة الإيرانية، قال براين هوك، في بيان رسمي نشر على صفحة وزارة الخارجية الأمريکية في “تويتر”، الجمعة 11 أكتوبر (تشرين الأول)، مخاطبًا النساء اللائي حضرن استاد آزادي: “لقد سمعنا شعاراتکن في الولايات المتحدة، أظهرن مکان (المشجعة الزرقاء) الفارغ في الملعب”.

وأشار هوك إلى القيود التي فُرضت على النساء، على الرغم من الترخيص، قائلا: “النساء اللواتي كن قادرات على شراء تذاكر لمشاهدة مباراة إيران-كمبوديا حُصرن في جزء صغير من الاستاد، الذي كان يشبه القفص مع ستائر حديدية منفصلة. والنساء اللائي لم يستطعن شراء التذاكر وتظاهرهن خارج الملعب واجهن الشرطة”.

وأكد رئيس فريق العمل الخاص بإيران في وزارة الخارجية الأميركية أن الفيفا “يوافق أيضًا على وجود النساء في مباريات الدوري الإيراني، ولهذا أمر النظام الإيراني بالسماح للنساء بمشاهدة جميع مباريات كرة القدم”.

وتابع هوك في هذا الصدد: “لقد رأينا ترحيبکن بالفيفا وسمعنا شعارکن عندما طالبتن بالمساواة في جميع الأوقات، وليس فقط عند وجود مسؤولي الفيفا”.

وأضاف براين هوك: “فشل النظام الإيراني في احترام حقوق المرأة على مدى 40 عامًا، عندما وصل النظام إلى السلطة عام 1979، سلب من النساء حقوقهن، حيث منع النظام النساء من دخول الملعب حتى لا يستطعن مشاهدة المباريات الرياضية. لجأت نساء كثيرات إلى ارتداء ملابس الرجال لدخول الملاعب سرًا. عندما فعلت سحر ذلك، احتجزها النظام وحكم عليها بالسجن ستة أشهر”.

وفي وقت سابق، قال المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية، غلام حسين إسماعيلي، إنه لم يتم إصدار حکم ضد سحر خوداياري، لكن وفقًا لتقارير غير رسمية، قيل لسحر خداياري (الفتاة الزرقاء) في المحکمة، إنها ستواجه عقوبة تصل إلى السجن ستة أشهر.

ومع ذلك، أضاف براين هوك: “لقد أشعلت سحر النار في نفسها، للاحتجاج على هذا التمييز، وتوفيت بعد ذلك بوقت قصير. لا ينبغي إرسال أي امرأة إلى السجن بسبب مشاهدة مباراة لكرة القدم”.

وأشار الدبلوماسي الأميرکي إلى كثير من النساء الإيرانيات اللاتي “جرحن أو احتجزن بسبب المطالبة بحقوقهن الأساسية”، وقال: “نحن نسمع أصواتکن وندعم جهودكن لامتلاك حياة أفضل وحكومة تمثل حقوق المرأة بدلاً من قمعها”.

ربما يعجبك أيضا