خشية من حرية النقد والتعبير .. منع عرض فيلم “بيت الأب” في إيران

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

وفقًا للإحصاءات الرسمية الإيرانية فإن 20 بالمائة من جرائم القتل في إيران هي جرائم شرف. وتحدث أكثر جرائم الشرف في إيران في محافظات: خوزستان، وكردستان، وكرمانشاه، وإيلام، وسيستان-بلوشستان، وفارس، وأذربيجان الشرقية، وأردبيل.

بيت الأب

بعد أكثر من 10 سنين من إنتاجه تم عرض فيلم “بيت الأب” للمخرج كيانوش عياري في ضالات العرض الإيرانية الأربعاء 23 أكتوبر.

وتم عرض الفيلم بعد تعديلات تمت على الفيلم، حيث صنف الفيلم للمتفرجين ما فوق الـ15 عاما.

وقال المخرج كيانوش عياري، في مقابلة مع صحيفة “إيران”، إنه اضطر لحذف مشهد مهم من الفيلم لسد ذرائع الرقابة، لكن ذلك لم يؤثر على الأفكار الأساسية في عمله.

قصة الفيلم

يروي الفيلم قصص حياة أجيال من عائلة إيرانية من قبل 90 عاماً حتى العام 2000 داخل بيت تقليدي، مسلطاً الضوء على المشاكل التي تعاني منها المرأة الإيرانية والعنف ضدها والتعصبات المجتمعية تجاهها خلال العقود الماضية.

حيث تقع قصة الفيلم في بيت قديم وتستمر من العصر القاجاري وحتى نهايات العقد الماضي. ويروي الفيلم قصة أحداث منزل قديم في عام 1929 حيث يقوم أفراد العائلة بقتل ابنتهم ودفنها في قبو البيت بسبب مجرد شكوكهم بوجود علاقة لها خارج الزواج.

وواجه الفيلم قبل سنين مشاكل حين عرضه بسبب بعض المشاهد العنيفة التي تضمنها الفيلم، حيث حجب عن العرض.

وحصل المخرج كيانوش عياري على جوائز داخلية وأجنبية في العديد من المهرجانات، من أهمها النمر الفضي من مهرجان لوكارنو السينمائي عام 1994 لفيلمه “أبناء مدينة آبادان”، والعنقاء البلورية من مهرجان فجر عام 2013 لفيلمه “استفيقي يا آرزو.

ويتضمن سجل كيانوش عياري بأعمال راقية منها أفلام “خلف النيران” و”شبح العقرب” و”أبناء مدينة آبادان” و”أن تكون أولا تكون” و”المائدة الإيرانية” كما أخرج عياري مسلسل “أيام الدكتور قريب”.

ويشكو عياري كغيره من المخرجين والممثلين والفنانين من الرقابة المتشددة التي لا تسمح بالأعمال المستقلة بالعرض والاستمرار والوصول إلى الجمهور، ناهيك عن حملة القمع والاعتقالات الواسعة لكل من ينتقد القضايا الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية التي يعتبرها النظام خطوطاً حمراء.

مهاجمة الفيلم

منذ بدء عرضه مجدداً شنت وسائل إعلام محسوبة على التيار المحافظ، وفي مقدمتها صحيفة “كيهان” المعروفة بتشددها، هجوماً عنيفاً على منظمة الشؤون السينمائية التابعة لوزارة الإرشاد والثقافة الإسلامية للسماح بذلك.

واتهمت صحيفة “كيهان” الخميس الماضي، القائمين على إنتاج وإخراج فيلم “بيت الأب” بتقديم “صورة موهنة ومتوحشة عن الإيرانيين”، مشيرة إلى أحد المشاهد حيث يتم قتل فتاة إيرانية من قبل والدها وشقيقها بطريقة بشعة ودفنها، معتبرة أن الفيلم صور المشهد كأن هذه الجريمة هي نابعة عن الثقافة والتقاليد الإيرانية.

وفي تقرير لها، اتهمت وكالة “فارس” الإيرانية منظمة الشؤون السينمائية بالتقصير لإصدارها ترخيص عرض الفيلم، واصفة إياه بعمل سينمائي مناهض للمجتمع وقيمه.

ووصلت اعتراضات المحافظين على بث الفيلم إلى البرلمان الإيراني، ليعتبره النائب المحافظ أحمد سالك عملاً مناهضاً للقيم، داعياً وزارة الإرشاد إلى حظر بثه.

بدوره، اعتبر الناقد السينمائي جبار آذين لوكالة “ميزان” أن الفيلم “عمل مرير وأسود”، متهماً المخرج كيانوش عياري بتجاهل الثقافة والمعتقدات الإيرانية.

بالمقابل، دافع مخرجون وفنانون إيرانيون عن الفيلم، منهم المخرج مازيار ميري الذي وصف منتقدي “بيت الأب” بأنهم “أعداء السينما الإيرانية”.

وفي تعليقه على قرار النيابة العامة بطهران لوقف بث الفيلم، انتقد رئيس منظمة الشؤون السينمائية بإيران حسين انتظامي القرار، ودعى إلى أن تكون وزارة الإرشاد هي المرجعية في إبداء الرأي بشأن المنتجات الثقافية والفنية باعتبارها الجهة المخولة قانونياً.

وقال انتظامي إنه بحسب القانون فإن لجنة إصدار ترخيص الإنتاج والعرض بالمنظمة هي التي أصدرت الترخيص لعرض الفيلم، متسائلاً: كيف يمكن أن يكون أعضاء اللجنة هم ضد الوطن والعائلة والدين، بينما كلهم متخصصون وأصحاب رأي”.

منع عرض الفيلم

أمس الثلاثاء، أوقفت النيابة العامة في طهران بث فيلم “بيت الأب” في دور السينما لعرضه مشاهد عنف ضد المرأة وذلك للمرة الثانية، حيث سبق أن أوقف بثه عام 2014، وعزت النيابة العامة بطهران، في بيان توضيحي، سبب إيقاف بث الفيلم للمرة الثانية إلى عدم قيام القائمين عليه بالتعديلات المطلوبة، وعدم شطب كافة مظاهر العنف التي يتضمنها في نسخته المعدلة.

وتوعدت النيابة في بيانها الذي أوردته وكالة “ميزان” التابعة للسلطة القضائية بمحاكمة المخالفين والمقصرين.

كما اتهم القضاء الإيراني الفيلم “بإهانة المعتقدات الدينية للمجتمع الإيراني، وترويج العنف ضد المرأة، والطعن في التقاليد والآداب والثقافة الإيرانية–الإسلامية البحتة”، بالإضافة إلى “تقديم صورة كاذبة عن الأسرة الإيرانية”.

ونقلت الوكالة عن ناقدين، قولهم إن النسخة الثانية للفيلم بعد التعديل لا تختلف كثيراً عن النسخة الأصلية، وأنها لا تتضمن التعديلات المطلوبة بحذف كافة مشاهد العنف، وتروج صورة سلبية عن المجتمع الإيراني.

ومن جهتها، أكدت منظمة الشؤون السينمائية في إيران نبأ إيقاف بث فيلم “بيت الأب” الذي أنتج قبل تسعة أعوام وأخرجه كيانوش عياري.

أسباب سياسية 

لم تكن ذرائع منع الفيلم من قبل المسؤولين مقبولة؛ حيث تحدث المسؤولين عن أسباب تتعلق بالعنف والتحذير المسبق للمشاهد. ولكن يبدو المنع لأسباب سياسية وليست ثقافية؛ تتعلق بقلق السلطة من حرية التعبير عن القضايا المُحرمة. والانتقال من نقد القضايا الاجتماعية إلى نقد القضايا المتعلقة بالسلطة والنظام في إيران.

فقد غرد الناشط محمد صالح مفتاح على، قائلا: “إنه “في مساء اليوم الذي تم فيه وقف بث فيلم بيت الأب، استعرضت القناة الثالثة حلقة جديدة من مسلسل ستايش، وهي تتضمن مشهد مقتل شابة على يد والدها من دون إنذار مسبق للأسر لمنع الأطفال لمشاهدتها”، مضيفاً أن “الناس يحق لهم أن يعتبروا أن الأسباب هنا سياسية وليست ثقافية” في إشارة إلى وقف عرض فيلم “بيت الأب”.

ورأى الناقد مصطفى داننده، أنّ نقد عرض “بيت الأب” يندرج خارج حسابات الفن، موضحاً أن قضية قتل النساء بدواعي الشرف عرضت في أفلام أخرى، كالفيلم الشهير “عقول صغيرة صدئة” للمخرج هومن سيدي (إنتاج عام 2017) والذي حقق مبيعاتٍ عالية آنذاك.

وتوقع داننده خلال مقال له في موقع “عصر إيران” يوم السبت الماضي، أنّ عرض “بيت الأب” قد يسهم في تغيير وجهة نظر البعض حيال قضايا الشرف ويقلل من احتمالية وقوعها على الرغم من مرارة المشاهد.

ربما يعجبك أيضا