توجهات مضادة..هل تسعى بكين لتقويض الديمقراطية؟

محمود رشدي

تسعى الدول العظمى أن تصدر نسخ من نظامها السياسي، في محاولة لتعظيم دورها العالمي وتقويض الإتجاهات الأخرى المضادة، رغبة منها في تعزيز موقفها من صدارة النظام الدولي. عقب انتهاء الحرب الباردة سعت الولايات المتحدة لتصدير نموذج الديمقراطية للدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي، بل ووصلت إلى حد غزو الدولة تحت عباءة نشر الليبرالية، ويبقى سقوط بغداد 2003 خير مثال.

اليوم، يتعاظم الاقتصاد الصيني بشكل مطرد في ظل حكم استبدادي يتحكم به الحزب الشيوعي الصيني، يفتقر إلى الحريات السياسية وحماية حقوق الإنسان، بينما يسعى للسيطرة الاقتصادية على العالم، وكأنها المسار الجديد للتنافس بين الدول، وأعلنت الصين في 2017، أنها تحرق مسارًأ جديدًا للدول النامية نحو التحديث والتنمية، وكأن الاستبداد والديكتاتورية، هي طريق دول العالم الثالث نحو التعافي الاقتصادي والتقدم.

توجهات السياسة الخارجية الصينية

مثل النموذج الصيني الناجح اقتصاديًا طريقًا لدول أخرى أن تنتهج مسارها، أثبتت بكين خلال أربعة عقود من معدلات النمو المرتفعة أن التنمية لا تتطلب الديمقراطية، وعلى حد تعبير الباحث السياسي “Seva Gunitsky”، “النجاح المادي  غالبًا ما يخلق شرعيته الخاصة، أصبحت الأنظمة جذابة معنويا ببساطة بفضل انتصارها”.

الكيانات الدولية: تدعم الصين الدول الديكتاتورية بطرق مباشرة، لا سيما عبر المؤسسات الدولية، إذ استخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحماية الدول الاستبدادية الأخرى من المطالب الدولية لحماية حقوق الإنسان ومنع التدخلات التي قد تجبر تلك الحكومات على وضع حد للانتهاكات.

كما مثلت الصين نفسها كمدافع محافظ عن المعايير الدولية، تحمي سيادة الدولة ضد ما تعتبره تدخلات إنسانية غير قانونية. كما أدى نفوذها الاقتصادي المتزايد إلى انضمام دول أخرى، خاصة تلك الموجودة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية،  إلى بكين في معارضة قرارات حقوق الإنسان في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

بديل تمويلي: توفر الصين أيضًا مصدر تمويل بديلاً جذابًا للحكومات غير القادرة أو غير الراغبة في تلبية متطلبات المقرضين الدوليين الآخرين. في الواقع، بالمقارنة مع مصادر التمويل الدولية الأخرى، قد تعمل القروض الصينية فعليًا بشكل أكثر فاعلية في الأماكن التي تخضع لحكم سيء، حيث ترتبط غالبًا بمشروعات بنية تحتية محددة، مثل الطرق الجديدة أو المدارس أو شبكات الصرف الصحي.
ربما تتقاطع هنا المصالح الاقتصادية مع سياسة المؤسسات الدولية،وهو أن فرضية إقراض بكين تدعم الدكتاتوريين يمكن أن تكون مجوفة، بالنظر إلى السجل الطويل للحكومة الأمريكية والبنوك الدولية وشركات النفط والتعدين متعددة الجنسيات التي تحافظ على الديكتاتوريات المهمة استراتيجياً أو الغنية بالموارد.

الاستبداد الرقمي

تخطو بكين خطوات متسارعة في مجال التكنولوجيا والذكاء الأصطناعي بحكم أنه مسار تنافسي بين الدول العظمى في تحقيق مؤشرات متقدمة بهذا المجال، بينما ركزت السياسة الصينية على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تنفيذ برامج رقابية مشددة تمكن الحكومات من تنفيذ برامج سلطوية على مواطنيها.

باعت الشركات الصينية أنظمة المراقبة، بما في ذلك تقنية التعرف على الوجه، إلى العديد من البلدان؛ من ضمنها الإكوادور وإيران وكينيا وفنزويلا وزيمبابوي. ناهيك عن التطلع إلى التحكم الصيني في مجال الإنترنت وحجب مواقع التواصل الاجتماعي، كنموذج ينبغي تطبيقه. عام 2017، قال وزير النقل والاتصالات في تنزانيا “تمكن أصدقاؤنا الصينيون من حظر هذه المواقع “Facebook و Twitter و Instagram” في بلدهم واستبدالها بمواقعهم المحلية الآمنة والبناءة والشائعة. لم نصل إلى هذا الحد بعد، بينما لا نزال نستخدم هذه المنصات، ولذا يجب أن نتوخى الحذر من إساءة استخدامها. “

تعرضت شركة الاتصالات الصينية ZTE ، على سبيل المثال، لانتقادات لأنها ساعدت في تطوير نظام بطاقة الهوية الوطنية الجديد لفنزويلا  ستسمح لهم بمراقبة سلوك المواطنين، كما هو الحال في الإكوادور، والتي بدأت في عام 2011 بتركيب نظام مراقبة بمساعدة الصين. على الرغم من أن هذه الأنظمة يمكن أن تساعد الحكومات في مراقبة أفرادها، إلا أن مدى استخدامها بالضبط يعتمد على السياسة المحلية.

الامتداد للخارج

لم تكتف الصين بممارسة تشددية داخل حدودها، ولكنها تمارس ضغوطًا على الصينيين بالخارج من مهاجمة الحزب الشيوعي، كما واصلت ضغوطها على الحكومات والشركات الأجنبية في حالة إصدار صورة مسيئة عن النظام الصيني أو ممارساته؛ واحدة من أكثر الأدلة إثارة للقلق على نفوذ الصين جاءت من أستراليا ونيوزيلندا. في أستراليا، أسفرت عاصفة من الجدل حول التبرعات السياسية المرتبطة ببكين، للكف عن إصدار قوانين ضد التدخل الأجنبي.

وختامًا، فأن زيادة معدلات القمع الصيني، تشوه صورة الصين في المجتمع الدولي، وقد جلبت سياستها تجاه أقلية الإيغور استهجان عدد كبير من دول العالم. وفي استطلاعات أجراها مركز بيو للأبحاث، خلصت إلى  معظم الناس حول العالم ما زالوا يفضلون القيادة الأمريكية على آفاق القيادة الصينية.

في دراسة استقصائية أجريت على أشخاص في 25 دولة، طُلب من المشاركين أن يذكروا ما إذا كانت القيادة الأمريكية أو الصينية ستكون أفضل للعالم. قال 63٪ في المتوسط أنهم يفضلون القيادة الأمريكية، بينما اختار 19٪ فقط القيادة الصينية.

ربما يعجبك أيضا