بثروة استثنائية.. بلومبرج يترشح للرئاسة ضد ترامب “الطائش”

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

“شخص مستعد لمواجهة المعارك الصعبة والفوز”، هكذا قدم الملياردير مايكل بلومبرج نفسه للجمهور الأمريكي، أمس الأحد، معلنا ترشحه لانتخابات الرئاسة 2020، بهدف واحد ومحدد هو هزيمة دونالد ترامب وإعادة بناء أمريكا.

وقال بلومبرج 77 عاما: لا يمكننا تحمل أربع سنوات أخرى من تصرفات ترامب الطائشة وغير الأخلاقية، فهذا يمثل تهديدا وجوديا لبلادنا وقيمنا، وفي حال فوزه بولاية جديدة، فربما لا نتعافى أبدا من الأضرار.

واعتبر مع انطلاق حملته الانتخابية رسميا بكلفة 35 مليون دولار، أن هزيمة ترامب وإعادة بناء أمريكا، هي المعركة الأكثر إلحاحًا والأكثر أهمية في الوقت الراهن، قائلا: أنا أقدم نفسي كحل للمشكلة، وشخص مستعد لمواجهة المعارك الصعبة والفوز .
سبق ذلك، تقديمه للأوراق اللازمة لترشحه ضمن معسكر الحزب الديمقراطي في ولاية ألاباما الجمعة الماضية، بعد أسابيع من عدم اليقين والتصريحات غير الحاسمة بشأن ترشحه، لا سيما مع إعلانه تأييد المرشح جو بايدن. 

لا يفل ترامب إلا الأغنى منه

بلومبرج صاحب الثروة المقدرة بنحو 54 مليار دولار وتاسع أغنى أثرياء العالم، هو رجل أعمال يهودي الأصل جمع ثروته من العمل في “وول ستريت”، وهو مؤسس شركة “بلومبرج إل بي” الشهيرة للخدمات المالية، وشغل منصب عمدة نيويورك لمدة 12 عاما “2002 -2013″، المثير في مسيرة الرجل السياسية أنه جمهوري سابق حتى العام 2007، ومستقل في فترة لاحقة، ومن ثم تحول إلى واحد من أكبر المانحين للحزب الديمقراطي، وكان دائم الانتقاد لمعسكر الجمهوريين ويعتقد أنهم فشلوا في إدارة الحكم بمسؤولية.

وفي أكتوبر 2018 أعلن رسميا تغيير انتمائه الحزبي السياسي إلى الديمقراطي، وخصص أكثر من 100 مليون دولار لخطة أعلن عنها بغرض إعادة سيطرة الديمقراطيين على مجلسي النواب والشيوخ، ورأينا كيف نجح الحزب الديمقراطي العام الماضي في الهيمنة على مجلس النواب، للمرة الأولى منذ 10 سنوات تقريبا.

خريج هارفارد للأعمال الذي بدأ مسيرته المهنية في وول ستريت كشريك مساهم في Salomon Brothers عام 1973، ومن ثم أسس شركته الخاصة عام 1981 صاحبة السمعة الشهيرة في عالم المال والأعمال والاستشارات الاستثمارية، وبمرور الوقت تطورت الشركة وباتت تمتلك مجموعة من الشركات الأخرى أبرزة شبكة للبث الإذاعي والتلفزيوني تأسست عام 1990 “بلومبرج نيوز”، هو رجل يعرف عنه التردد والمماطلة كثيرا، فخلال الفترة من 2000 إلى 2007 تذبذب في الانتماء الحزبي بين “الجمهوري” والديمقراطي”، وفيما يتعلق بقرار الترشح للرئاسة فسبق وأن تردد اسمه بين أعوام 2008، و2012، و2016.

ووصف بولمبرج نفسه، بأنه “خيار جديد للديمقراطيين”، وهو بالفعل كذلك بحسب العديد من الصحف الأمريكية، فـ”نيويورك تايمز” نشرت اليوم مقالا لـ”إلكسندر برنز”، يتوقع أن يمثل الرجل بثروته الضخمة مقابل ثرورة ترامب المقدرة بنحو 3 مليارات دولار فقط، خيارا  للناخبين الليبراليين المتشككين في قدرات الحزب، من خلال تقديم نفسه كتهديد مباشر بمليارات الدولارات للرئيس ترامب، إذ يراهن بلومبرج على أن هزيمة ترامب هي الهدف الأكثر أهمية للناخبين الآن مقابل أي اعتبار سياسي آخر.

عقبات على طريق الفوز
الثروة الاستثنائية لبلومبرج، تمثل بحد ذاتها تحديا سياسيا له، فمن المحتمل أن تكثف الجدل “الديمقراطي” الذي يدور بالفعل حول ضرورة كبح قوة الأثرياء بالمستقبل، وفي هذا الإطار اتهم المرشح التقدمي بيرني ساندرز بلومبرج أمس، بمحاولة شراء الانتخابات، في معرض انتقاده لحملته الدعائية باهظة التكلفة مقارنة مع حملات غيره من مرشحي الحزب، ويأتي ترشحه في وقت يعلو صوت اليسار بالحزب متمثلا في ساندرز وكذلك المرشحة إليزابيث وارن المطالب برفع الضرائب على الأثرياء والحد من تدخل رجال الأعمال في الحياة السياسية.

وربما لتخفيف حدة هذا الانتقاد ، تضمن الإعلان الترويجي لحملة بلومبرج  الانتخابية، دعوة للأثرياء لدفع المزيد من الضرائب، ويستند بلومبرج هنا أيضا إلى تاريخ طويل من الأعمال الاجتماعية والخيرية، كان أشهرها التبرع العام الماضي بمبلغ 1.8 مليار دولار لصالح جامعة جون هوبكنز التي درس فيها الهندسة الكهربائية وتخرج منها عام 1964.

نقطة أخرى هي محل جدل حول الرجل، الذي ينظر إليه كواحد من الأثرياء أصحاب الياقات البيضاء، فبحسب مستشريه هو أقل شهرة لدى ناخبي الحزب الديمقراطي تحديدا من فئة العمال، وفي مواجهة ذلك تعمد في الإعلان عن حملته تقديم نفسه كرجل أعمال عصامي ينتمي للطبقة الوسطى، ويقول مستشاريه أن قضايا الصحة العامة وقوانين الأسلحة والمناخ ستكون أساسية في برنامجه، باعتبارها القضايا الأكثر إلحاحا لناخبي الحزب.

ربما العقبة الأبرز أمامه هي تاريخه الحافل بتصريحات مهينة ضد النساء والجماعات العرقية، في التسعينيات قامت عدة موظفات بمقاضاة “بلومبرج إل بي” على خلفية وقائع تمييز وتحرش، وفي المقابل كان بلومبرج ينكر هذه الوقائع ويقلل من أهميتها في حال ثبتت صحتها، كريستين كوين رئيسة مجلس مدينة نيويورك السابقة، وجهت اتهامات مباشرة لبلومبرج تتعلق بالتقليل من شأن النساء وإبداء تعليقات مستهجنة حول مظهرهن.

وفي سيرته الذاتية يقول بلومبرج، إنه احتفظ بـ “صديقة في كل مدينة” خلال سنوات الشباب تحديدا في الستينيات والسبعينيات، وفي الزمن القريب هاجم الرجل حملة “MeToo” الشهيرة، واعتبرها معركة ضد التحرش مبالغ فيها إلى حد كبير، وشكك في صحة الكثير من الفضائح التي كشفتها وتتعلق برجال أعمال وسياسيين.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سبق وأن علق على احتمالات ترشح بلومبرج بالقول: لا يوجد شخص أحسن من بلومبرغ الصغير لأتنافس أمامه على الرئاسة، أنا أعرفه جيدا وأعرف أنه يعاني من عدة مشكلات، خاصة على المستوى الشخصي، مضيفا لن ينجح بشكل جيد في السباق الانتخابي، وترشحه سيضر بنائب الرئيس السابق جو بايدن.. فهل تصدق توقعات ترامب؟

معركة داخل البيت
الترشح المتأخر لبلومبرج، يشكل صدمة للمنافسة المفتوحة حاليا بين 17 مرشحا ديمقراطيا في الانتخابات التمهيدية للحزب، ومن المتوقع أن يقلل من فرص المنافس القوي جو بايدن، في وقت يحاربه معسكر الجمهوريين بشراسة، لكنه في المقابل قد يعدل حظوظ اليساريين وارن وساندرز أصحاب البرامج الشعبوية.

بلومبرج لا ينسجم كثيرا مع العديد من رموز الديمقراطيين ولديه تاريخ من الولاء للحزب الجمهوري يقلل من حظوظه في الدعم خلال حملته الانتخابية، إلا أن المال سيظل رهانه الأكبر لتقديم بديل لترامب “رجل العقارات”.

بترشحه، سيزيد بلومبرج حرارة مناظرات “الديمقراطي” خلال الأيام الماضية، إذ من المتوقع أن يفجر انتقادات عدة لبرامج منافسيه تحديدا وارن وساندرز، فيما يتعلق بسياسات فرض الضرائب، وأيضا سيتصدم ببايدن -بعد أن كان أحد داعميه- إذ بات ينظر إليه بأنه رجل لا يستطيع المنافسة على الرئاسة.

في حال فوزه على بطاقة الحزب الديمقراطي للترشح ستكون العاصمة نيويورك على موعد مع انتخابات غير مسبوقة بين قطبين تعرفهما جيدا هما السيد بلومبرج والسيد ترامب، وربما في حي المال ستكون حظوظ الأول أكبر بكثير.

سيصبح بلومبرج 77 عاما في حال انتخابه أكبر شخص على الإطلاق يتولى الرئاسة وكذلك بادين وساندرز، وأول رئيس يهودي لأمريكا، ويشاركه في هذا الأمر ساندرز.

ربما يعجبك أيضا