في رحيل “ملك التواشيح” الشيخ الفشني.. الصوت الحبيس يعود مؤذنًا على جبل عرفة

بسام عباس

كتب – محمد عاشور

في العاشر من ديسمبر عام 1971 خرجت صحف القاهرة علينا وهي تنعى الشيخ طه الفشني بالقول: “المنشد والمطرب والقارئ الشيخ طه الفشني في ذمة الله”..

ولا شك أن معظمنا يعرف الشيخ المنشد والقارئ، غير أنه يخفى على كثيرين منا قصة بدء حياة الشيخ مطربًا، وهنا يلتقط ابنه “زين الفشني” أطراف الحديث قائلًا: في عام 1937 كان أبي مرافقًا لفرقة الشيخ علي محمود للإنشاد الديني.. كان صوته محفزًا لكثير من الملحنين (آنذاك) أن يكتبوا له الأغاني، سواء الموسيقار محمد عبدالوهاب أو زكريا أحمد، وبالفعل قام الشيخ الفشني بأداء بعض الأغاني، فبدأ حياته مطربًا بعد أن درس علم الموسيقى وعلم الأصوات، وبعد اتجاهه للتلاوات القرآنية والإنشاد، تقول بعض الروايات: إن العديد من المطربين أبدوا ارتياحهم لذلك لأنه أفسح له المجال، حيث كان الجميع يعترف بقدره، حتى أن أم كلثوم ظلت تردّد دائمًا: “طه الفشني ملك التواشيح”.

المولد والنشأة شاهدان على موهبة استثنائية

ولد الشيخ طه حسن مرسي الفشني سنة 1900م بمركز الفشن بمحافظة بني سويف المصرية، وأتم حفظ القرآن في العاشرة من عمره، ثم تعلم القراءات، وتدرج في دراسته الدينية والعامة وحصل على كفاءة المعلمين من مدرسة المعلمين سنة 1919م. وبعدها حضر الشيخ طه إلى القاهرة، والتحق ببطانة الشيخ علي محمود، ثم ذاع صيته بأنه قارئ ومنشد حسن الصوت.

عُرف عن الشيخ الفشني طول النفَس، وقد جاء في كتاب “عباقرة الإنشاد الديني” لمحمد عوض أن عشاق الشيخ كانوا يسهرون حتى الفجر يستمعون إليه لمدة أربع ساعات وهو يؤدي الابتهالات والأذان من المسجد الحسيني”.

التحاقه بالإذاعة والتليفزيون

في عام 1937م كان الشيخ طه الفشني يحيي إحدى الليالي الرمضانية بالإمام الحسين، واستمع إليه بالصدفة سعيد لطفي مدير الإذاعة المصرية في ذلك الوقت، فعرض عليه أن يلتحق بالعمل في الإذاعة، واجتاز كافة الاختبارات بنجاح، وأصبح مقرئًا للإذاعة ومنشدًا للتواشيح الدينية على مدى ثلث قرن.

وكان الشيخ الفشني يرتل القرآن الكريم بقصري عابدين ورأس التين بصحبة الصوت المعجزة الشيخ مصطفى إسماعيل لمدة تسع سنوات كاملة، وعندما بدأ التلفزيون إرساله في مصر كان الفشني من أوائل قراء القرآن الكريم الذين افتتحوا إرساله وعملوا به، ومعه الراحلان محمد رفعت وعبدالفتاح الشعشاعي، وكانت إصابته بمرض القلب قد منعته من تسجيل المصحف المرتل كاملًا بصوته بعدما بدأت الإذاعة في ذلك بعد تسجيل المصحف لخمسة من كبار القراء هم الشيوخ: محمود خليل الحصري ومصطفى إسماعيل ومحمود علي البنا ومحمد صديق المنشاوي وعبدالباسط عبدالصمد.

كرامات في الحج

وفقًا لما جاء في كتاب “سفراء القرآن الكريم” لمؤلفه “محمد عبدالعزيز”، رُوي عن الشيخ الفشني أنه فقد صوته بشكل مفاجئ، وعجز الأطباء في علاجه، لذا حزن حزنًا كبيرًا، حيث شعر أنه سيقصّر في جنب الله بعدم قدرته على تلاوة القرآن الكريم؛ لذا قرر الشيخ المؤمن بقضاء الله وقدره أن ينتزع نفسه من أحزانه بالذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج.

وهنا تلتقط الكاتبة خيرية البكري أطراف الحديث قائلة: “لقد شاهدتُ بنفسي إحدى الكرامات للشيخ الفشني، فقد كنت ذاهبة لرحلة الحج، وكنا نستقل الباخرة ولفت انتباهنا وجود شيخ جليل بيننا تعلو وجهه علامات الأسى والحزن يجلس على الباخرة صامتًا، ويحيط به رفاقه وهو سارح يتعبد في صمت، ولما سألنا عنه قيل لنا إنه الشيخ طه الفشني أشهر قراء القرآن الكريم، وإنه فَقَدَ صوته فجأة منذ عدة أسابيع، ولم يفلح الأطباء في علاجه، وافترقنا إلى أن جمعتنا البقعة المقدسة يوم عرفة، وكنا نستعد لصلاة العصر؛ وفجأة شق الفضاء صوت جميل يؤذن للصلاة، صوت ليس غريبًا علينا، وكان هذا الصوت هو صوت الشيخ طه الفشني، وقد استردّ صوته بفضل الله، وبكيت وبكى كثيرون تأثرًا وفرحًا”.

أعمال خالدة

ومن أشهر ما قدّم الشيخ الراحل: يا رسول الله يا خير البرايا، يا رسول الله، إلهي أنت مولاي، مولاي الهادي، إله العرش، سبحان من تعنو الوجوه، ميلاد طه، الله زاد محمد تعظيما، إمام المرسلين، يا أرض الحجاز.

غير أن أشهر تواشيحه هي: “يا أيها المختار.. لمدحه ماذا أقول.. والله طهر من سفاح الجاهلية أحمدَ.. ذو رأفةٍ بالمؤمنين ورحمة.. سماك ربك في القرآن محمدا.. نادت بك الرسل الكرام فبشرت.. وملائك الرحمن خلفك سُجدا.. طه صلاة الله منى سرمدا.. ثم الصلاة عليك يا نجم الهدى.. يا رب هب من لدنه شفاعة.. واجعل كتابك حجة لي شاهدا..  حتى أسدل الستار على حياته عام 1971م.

ربما يعجبك أيضا