32 عامًا على انتفاضة الحجارة‎

محمود

رؤية – محمد عبدالكريم

القدس المحتلة – في مثل هذا اليوم منذ 32 عامًا خرج الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة الغربية في تظاهرات ضد الاحتلال الإسرائيلي، فيما عُرف بـ”الانتفاضة الأولى” أو “انتفاضة الحجارة”، كانت دوافع الغضب كثيرة، منها سياسة القمع وإغلاق مناطق الضفة الغربية، إلا أن السبب الذي أدى إلى تحرك الفلسطينيين هو دهس باص إسرائيلي عمالًا متوجهين إلى عملهم.

في الثامن من كانون الأول سنة 1987 تفجّرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، كان ذلك في جباليا، في قطاع غزة المحتل، ثمّ انتقلت إلى كل مدن وقرى ومخيّمات فلسطين المحتلّة، حيث يعود سبب الشرارة الأولى للانتفاضة لقيام سائق شاحنة صهيوني بتعمّد دهس مجموعة من العمّال الفلسطينيّين على حاجز “إريز” الشهير، الذي يفصل قطاع غزة عن بقية أرض فلسطين المحتلة منذ سنة 1948، واستشهد وأصيب في هذا الحادث عدد من العمّال الفلسطينيين.

لم تنفع الإدارة المدنية الصهيونية سياساتها الإجرامية في قمع الشعب المنتفض، إذ جاء ردّ الانتفاضة على القمع والهمجية والسياسة الدموية الصهيونية بتأليف القيادة الوطنية الموحّدة للانتفاضة، التي توزّعت على الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، بالإضافة إلى الشخصيات الوطنية، وأصبحت تلك القيادة المرجعية السياسية والتنظيمية للانتفاضة، في تلك الفترة الزمنية نفسها كانت فلسطين تشهد ولادة التيار الإسلامي في الضفة والقطاع، حيث برزت حركة “حماس”.

ودارات الانتفاضة سبع سنوات وهي تدور، في كل بيت، وعائلة، وقلم، ومنبر، وجدار، وشارع، وحارة، وحي، ومدينة، ومخيم، وقرية في الضفة، وغزة، والقدس المحتلة، وأراضي عام 1948، كما تقول الأغنية الثورية: “في كل قرية وبيت وحارة، انتفاضتنا تظل دوارة”.

وتشير معطيات مؤسسة رعاية أسر الشهداء والأسرى إلى: استشهاد 1550 فلسطينيًا خلال الانتفاضة، واعتقال 100- 200 ألف فلسطيني خلال الانتفاضة، كما تشير معطيات مؤسسة الجريح الفلسطيني إلى أن عدد جرحى الانتفاضة يزيد عن 70 ألف جريح، يعاني نحو 40% منهم من إعاقات دائمة، و65% يعانون من شلل دماغي أو نصفي أو علوي أو شلل في أحد الأطراف، بما في ذلك بتر أو قطع لأطراف هامة.
كما كشفت إحصائية أعدتها مؤسسة التضامن الدولي، أن 40 فلسطينيا استشهدوا خلال الانتفاضة داخل السجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية، بعد أن استخدم المحققون معهم أساليب التنكيل والتعذيب لانتزاع الاعترافات.

وكان مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بيتسيلم) قد أصدر في الذكرى العاشرة للانتفاضة إحصائية بهذا الخصوص على النحو التالي: قتل 256 مستوطنا إسرائيليا، و127 عسكريًا من قوات الاحتلال، وتم ترحيل 481 فلسطينيًا من الأراضي المحتلة، وتعذيب عشرات الآلاف من الفلسطينيين خلال استجوابهم، وإصدار 18000 أمر اعتقال إداري ضد فلسطينيين، وهدم 447 منزلا فلسطينيا (على الأقل) هدمًا كاملًا كعقوبة، وإغلاق 294 منزلًا (على الأقل) إغلاقًا تامًا كعقاب، كما جرى هدم 81 منزلًا فلسطينيًا (على الأقل) هدما كاملا خلال قيام جنود الاحتلال الإسرائيلي بعمليات البحث عن المطلوبين، وهدم 1800 منزل فلسطيني (على الأقل)، بحجة قيام أصحابها بالبناء من دون ترخيص.

شعرت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في منافيها العربية البعيدة أن فرصتها قد أتت لتخرج من ركودها وعزلتها ولتستعيد دورها المفقود، مستفيدة من مساعدة الشعب الفلسطيني الذي قدّم لها الانتفاضة عنوانًا سياسيًا عريضًا يمكن عبره المناورة والعمل لفرض شروط تلبي الحد المقبول من الطموحات الفلسطينية في التحرير والاستقلال والعودة.

عرفت قيادة المنظّمة كيف تدخل جسد الانتفاضة وكيف تدير سدّة القيادة فيها، واستفادت من ذلك بإعادة دورها بقوّة وبتعزيز وجودها وتقويته على أرض فلسطين المحتلة، وكان هذا ضروريًا جدًا للقيادة الفلسطينية والفصائل التي كانت قد أخذت بعد بيروت تتصارع في ما بينها بأشكال مختلفة، لذا رأت تلك القيادة في الانتفاضة مخرجها من المأزق والأزمة التي وقعت فيها بعد فقدانها لبيروت.

بقيت الانتفاضة مستمرّة، وازدادت اشتعالًا يومًا بعد يوم، ولم تتأثّر باعتقال الاحتلال الآلاف من الشبّان. وكذلك باستشهاد المئات وجرح الآلاف من أبناء الشعب المنتفض والثائر على الاحتلال، الحالم بحرية واستقلال وسلام حقيقي وعودة للديار المحتلة.

تقدمت الانتفاضة ببرنامج سياسي أكّدت خلاله أن منظّمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وقدّمت جماهير الانتفاضة تضحيات جسامًا على مدى عدة سنوات من عمرها. لم تتوقف الثورة الشعبية إلا عندما شرعت القيادة المتنفذة في منظّمة التحرير الفلسطينية بحوار علني وآخر سري لأجل اتفاقية أوسلو.

الخلاف والانقسام بين فتح وحماس بدء منذ الانتفاضة الأولى

بعد بضعة أيام من إعلان المجلس الوطني الفلسطيني الاستقلال الفلسطيني (15 تشرين الثاني/ نوفمبر 1988) توجه منشور من القيادة الوطنية الموحدة لحماس، دعاها للتسليم بالإعلان، ودمج كل القوات الموالية لها في أتون الانصهار للانتفاضة.

كانت هذه بداية الصراع بين الفصيلين اللذين يمثل كل منهما واحدًا من الطريقين والفكرين، ذوي المعتقدات والأساسات الصلبة، حتى ذلك الحين تمتعت الحركة الوطنية الفلسطينية و”فتح” على رأسها، بمكانة حصرية.

اليوم، مع مرور نحو 32 سنة عن ذاك المؤتمر، تقف الواحدة قبالة الأخرى؛ حركتان مستنزفتان، وجمهور واسع خائب الأمل وضائع الطريق، ويعاني غياب زعامة قادرة على أن تقوده بشكل جماعي لحل يضع حدًا للمعاناة المتواصلة.

ربما يعجبك أيضا