تركيا 2019 ..”صفر المشاكل” مازال يقبع على يمين العثمانيين الجدد

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

“صفر مشاكل” هو الشعار الذي اقترحه وزير الخارجية التركي السابق أحمد داوود أوغلو، من خلال منطلقات عدة؛ منها: التوازن في معادلة الأمن والحريات، سياسة خارجية متعددة الأبعاد، سياسة إقليمية استباقية ونشطة، أسلوب ديبلوماسي جديد وديبلوماسية إيقاعية. وهذه السياسة لم تفلح وانهارت مع استمرار طموحات “العثمانيين الجدد” التوسعية، وهم الإسلاميون الذين يحكمون تركيا وعلى رأسهم الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، الذين يطمحون في إعادة الهيمنة على إرث الاحتلال العثماني من خلال أدوات العصر الحديثة الناعمة عبر الدعاية الإعلامية والنفوذ الاقتصادي والسياسي والديني. وكذلك عبر القوة الخشنة مثل التدخل العسكري، وهو ما قضى على سياسة صفر مشاكل وأدى إلى سياسة “صفر سياسة”.

وبعد إضافة عام جديد لسنوات حكم أردوغان لتركيا، فالنتيجة هو عام جديد من الفشل لسياسة حكم الإسلاميين في تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية، الذي استخدمته الولايات المتحدة نموذجا لترويج حكم الإسلاميين في المنطقة للقضاء على الحكومات الوطنية وتشكيل حزام أخضر يقف كحائط صد لصالح المصالح الأمريكية.

شعبية أردوغان:

في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية في الداخل والخارج تحت حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يسير تحت مظلة فاشية تروج لقومية تمزج العرق واللغة بالدين، ما ينتهي إلى إحياء مشروع لطالما دعا له تحت اسم “العثمانيون الجدد”. بدأت أسطورة تركيا “صفر مشاكل” تتلاشى وبدت تركيا تعود إلى عهد التظاهرات واحتمالات الانقلاب العسكري.

فمنذ منتصف يوليو 2016 وشعبية أردوغان تتراجع بسبب اعتقال الآلاف من الشرطة والجيش والقضاة والموظفين والصحفيين بمن فيهم عدد كبير من النساء، وهو ما جعل من تركيا سجناً كبيراً وفق تقرير المحكمة الأوروبية، وربما الانتخابات البلدية الأخيرة التي فازت فيها المعارضة بكل المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير خير شاهد على تراجع شعبية أردوغان، فالأرقام تؤكد أن شعبية أردوغان تتراجع يوماً بعد يوم، فعندما جرت الانتخابات البلدية في إسطنبول في 31 مارس الماضي فاز أكرم إمام أوغلو مرشح المعارضة على مرشح أردوغان بفارق 13 ألف صوت، وعندما رفض أردوغان هذه النتيجة وتم إعادة الانتخابات بعدها بثلاثة شهور عاد أكمل أوغلو ليفوز بفارق بـ800 ألف صوت.

كما تعاني تركيا من انهيار حقيقي في الاقتصاد التركي وفق تقرير المفوض الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، حيث أشار إلى ظاهرة “الهجرة العكسية” للاستثمارات الأوروبية من تركيا لخارجها، وفقدت الليرة حوالي 31% من قيمتها عام 2019، وارتفعت معدلات البطالة والتضخم لمستويات لم تعرفها تركيا من قبل، وهو ما دفع أردوغان للهروب للأمام من خلال المغامرات الخارجية في شرق المتوسط وشمال سوريا والعراق، لكن هذه المغامرات أثرت سلبياً على شعبية أردوغان، فلا شك أن العقوبات الأمريكية والأوروبية ستؤثر على الاقتصاد التركي الهش، كما أن استهداف الأكراد في سوريا يحرم أردوغان من أصوات أكثر من 20 مليون كردي في تركيا.

حزب جديد من معسكر أردوغان:

يبدو أن تركيا لم تعش التطبيع الداخلي والهدوء في عام 2019 أيضًا، ففي ديسمبر 2019، قدم أحمد داود أوغلو، رئيس وزراء تركيا السابق، طلبًا رسميًا لتدشين حزب سياسي، بعد مرور أربعة أشهر على استقالته من حزب العدالة والتنمية الحاكم. الحزب الجديد يحمل إسم (حزب المستقبل)، وشعاره “ورقة شجر الجميز”.

وكان داود أوغلو قد أعلن استقالته من حزب العدالة والتنمية، ذو الجذور الإسلامية، في سبتمبر/ أيلول قائلا إن الحزب لم يعد قادرا على حل مشاكل تركيا ولم يعد مسموحا بالحوار الداخلي فيه. وجاءت استقالته بعد شهرين على استقالة النائب السابق لرئيس الوزراء علي باباجان من حزب العدالة والتنمية مشيرا إلى وجود “خلافات عميقة”.

وشغل داود أوغلو (60 عاما) منصب رئيس الوزراء بين عامي 2014 و2016 قبل أن يختلف مع أردوغان. ووجه هذا العام انتقادات حادة لأردوغان والإدارة الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية واتهمهما بتقويض الحريات الأساسية وحرية الرأي.

نبع السلام:

قامت تركيا بتنفيذ هجوم على شمال شرق سوريا، في أكتوبر 2019، الذي أطلقت عليه تركيا اسم عملية نبع السلام. وهو عملية عسكرية تم تنفيذها بواسطة القوات المسلحة التركية وجماعات المعارضة السورية المسلحة المتحالفة معها ضد المناطق الخاضعة لنفوذ قوات سوريا الديمقراطية. فالهدف من هذه العملية هو مطاردة الأكراد في سوريا، وليس الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كما تروج آلة الدعاية التركية.

وقد تم الإبلاغ عن انتهاكات لحقوق الإنسان، حيث صرحت منظمة العفو الدولية بأنها جمعت أدلة تشير إلى أن القوات التركية والمجموعات المسلحة المدعومة منها قد “أبدت تجاهلًا مخزيًا للحياة المدنية، وارتكبت انتهاكات جسيمة وجرائم حرب، بما في ذلك القتل المتعمّد والهجمات غير القانونية التي أدّت لقتل وجرح المدنيين”.

العقوبات الأمريكية وقاعدة إنجيرليك:

طوال العام 2019، واجهت تركيا تهديدات أمريكية بفرض عقوبات على أنقرة بسبب سياستها المناوئة للمصالح الأمريكية. ولا تواجه تركيا هذه المرة خطر فرض عقوبات فحسب، بل تواجه أيضاً انهياراً محتملاً في تحالفاتها القائمة مع الغرب وهذا قد يُعرض صناعة الدفاع الخاصة بها للخطر. تقوم منتجات الدفاع الحالية في تركيا والبنية التحتية للتصنيع والتكنولوجيا الخاصة بها بالكامل على تحالفاتها مع الغرب.

وجمدت الولايات المتحدة مشاركة تركيا في برنامج التصنيع المشترك للطائرات المقاتلة إف-35 في أبريل. ويشمل قانون مكافحة خصوم الولايات المتحدة من خلال العقوبات حظر القروض والمساعدة المصرفية للاستيراد والتصدير وفرض قيود على شراء السلع والخدمات ورفض منح التأشيرات. ويمنح القانون السلطات الأمريكية سلطة رفض تراخيص التصدير وفرض قيود على المدفوعات المصرفية.

وفي إطار التصعيد بين واشنطن وأنقرة، بعد أن صوت مجلسا النواب والشيوخ الأمريكي على قرار غير ملزم يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن عام 1915. هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإن تركيا ستغلق قاعدتي إنجرليك وكوراجيك العسكريتين “إذا استدعت الضرورة وعندما يحين الوقت المناسب”، ردا على تهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوبات على تركيا، وقرار لمجلس الشيوخ الأمريكي يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن قبل مئة عام. ورغم ذلك وقعت وزارة الدفاع الأمريكية على عقود مع ثمان شركات تركية بقيمة 95 مليون دولار لإجراء أعمال بناء في قاعدة إنجرليك بعد ان هدد أردوغان بغلقها.

التواجد في ليبيا من أجل الغاز:

من أجل السيطرة على مسارات الغاز في منطقة شرق المتوسط، تدعم تركيا حكومة الوفاق في ليبيا، بقيادة فايز السراج، الذي طلب مساعدات عسكرية من أنقرة.

ويعتقد أن الإجراءات التركية تعد جزءا من خطة شاملة لأنقرة للتوسع الإقليمي والبحري إلى جانب تعزيز وتعاظم البحرية التركية.

والأزمة التي تثيرها تركيا في منطقة شرق المتوسط، مثالا واضحا على إنهيار سياسة “صفر مشاكل”، حيث أثار الوجود التركي في ليبيا غضب دول الجوار الليبي وكذلك غضب أوروبا.

وضع اقتصادي صعب:

في أكتوبر 2019 تعرّضت القوة الشرائية في تركيا لخسارة كبيرة بسبب ارتفاع الأسعار، ومن ناحية أخرى فإن العاملين بأجر باتوا وجهًا لوجه أمام خسائر كبيرة في صافي أجورهم بسبب ارتفاع معدلات الضرائب. فعلى سبيل المثال فإن العامل الذي يحصل على متوسط أجر يبلغ 4500 ليرة بشكل إجمالي، كان صافي دخله في يناير الماضي 3409 ليرات، وفي شهر يونيو 2019، انخفض هذا الصافي 191 ليرة ليسجل 3218 ليرة. وإن كانت الأجور في يوليو 2019 قد ارتفعت بنسبة 4 في المئة، فإن صافي الأجور تراجع الشهر الماضي بمقدار 349 ليرة، ليسجل 3060 ليرة.

كذلك، حالات الانتحار المتتالية التي شهدناها خلال الأيام الماضية، تجسد على اختلاف دوافعها وأبعادها أكثر النتائج الملموسة لحالة الفقر والعوز التي تعيشها تركيا.

معهد الإحصاء التركي المؤسسة الحكومية المعروفة، ذكر في بيانات رسمية ظهرت مؤخرًا أن معدل البطالة بشكل عام بلغ 13.5 في المئة، بينما وصل هذا المعدل في سن الشباب إلى 24.5% وهو معدل كارثي.

ومهما تجاهل النظام الحاكم هذه الحقيقة، فإن الناس البسطاء في الشارع يدركونها بشكل كبير.

ولا تكشف الحكومة التركية النقاب عن عدد الأشخاص المسجلين في قوائم مستوى الفقر، من المحرومين من الضمان الاجتماعي، ولهم دخول أقل بكثير من الحد الأدنى للمعيشة، ويحاولون العيش في أقل المستويات الاجتماعية بفضل المساعدات الاجتماعية التي يحصلون عليها. فالدولة تفرض تكتمًا شديدًا في هذا السياق لدرجة تحول دون الوصول إلى البيانات الرسمية لمعرفة أعدادهم الحقيقية. فبعد العام 2015 قامت الجهات المعنية بمسح كافة البيانات المسجلة على أنظمة الخدمات الاجتماعية التي تقدم لمثل هؤلاء الأشخاص.

حرية التعبير:

لا يزال وضع حرية الصحافة صعبا في تركيا، فما زال معظم الصحفيين يسجنون فيها بسبب عملهم. وجاءت تركيا في المرتبة 157 في قائمة حرية الصحافة.

وانتقدت دول أوروبية مراراً سجل تركيا الحقوقي واعتبرت أن أنقرة “لا تهتم بحقوق الإنسان”، مشيرة إلى موجات اعتقال جماعية تتم بشكل شبه يومي في تركيا، تطال المعارضين والصحافيين والبرلمانيين والمحامين وحتى مسؤولين داخل الدولة أبدو قلقهم من تصرفات أردوغان الاستبدادية.

وقد أظهرت دراسة أجراها 12 أكاديمياً من جمعية حقوق الإنسان التركية أن ستة آلاف و81 أكاديمياً فُصلوا من الجامعات التي كانوا يعملون فيها في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو 2016. وقالت الدراسة: إن حجم الأثر الذي وقع على القطاع الأكاديمي في البلاد كان أكبر بكثير من حالات الفصل تلك، وهو الأمر الذي خلق حالة من الخوف فرضت قيوداً على استقلال القطاع وحرية التعبير.

ربما يعجبك أيضا