هدنة في إدلب.. وخروقات تنذر بكارثة إنسانية

أسماء حمدي

كتبت – دعاء عبدالنبي

هدنة يكتنفها الغموض في ظل تصعيد غارات النظام السوري على شمال غرب سوريا وحشد قواته في حلب، وسط تحذيرات أممية ودولية من كارثة إنسانية قد تشهدها المنطقة بسبب عدم وصول المساعدات ونزوح الآلاف، ليبقى مصير إدلب مرهونًا بما تسفر عنه المفاوضات التركية الروسية غدًا في موسكو.

قصف يستبق الهدنة

قبل ساعات من موعد إطلاق الهدنة الجديدة، كثّف طيران النظام السوري غاراته على مناطق مختلفة من شمال غرب سوريا واستهدف الأحياء الشرقية من مدينة إدلب، فيما طال قصفًا مماثلًا مدينة بنش القريبة وبلدة النيرب وبلدتا سرمين وخان السبل في ريف إدلب ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، كما ألقت مروحيات النظام البراميل المتفجرة على مدينة معرة النعمان ومحيطها في جنوب إدلب.

وتتعرض محافظة إدلب، الواقعة بمعظمها تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)، وتنتشر فيها فصائل مقاتلة أقل نفوذًا، منذ منتصف ديسمبر لتصعيد في القصف يتركز في ريف المحافظة الجنوبي والجنوبي الشرقي، حيث حققت قوات النظام تقدمًا بسيطرتها على عشرات القرى والبلدات، مدعومًا بالطيران الروسي الذي استهدف بالأمس المنطقة المحيطة بالمركز الثقافي في قلب مدينة إدلب.

ورغم دخول الهدنة حيز التنفيذ، لم تتضح أبعاد ومدة الهدنة الجديدة في الشمال الغربي من سوريا، في ظل الغموض المحيط بالاتفاق الروسي – التركي، فلا زالت المفاوضات بين الجانبين حول محافظة إدلب ومحيطها مستمرة، في مسعى لإرساء اتفاق دائم ينهي الأعمال العسكرية في المنطقة التي تضم نحو 4 ملايين مدني بانتظار تسوية شاملة للأزمة السورية.

وفي هذه الأثناء أعلنت روسيا عن موافقتها على خروج المدنيين في إدلب من 3 معابر، بشرط خروجهم إلى مناطقة خاضعة لسيطرة النظام، وجاء موقف موسكو بالتزامن مع تأزم الوضع الإنساني في إدلب، لكن اشتراط موسكو خروج المدنيين من جحيم قصف النظام إلى مناطق تخضع لسيطرة دمشق يعني تعريضهم لخطورة بالغة، وحصارهم بين نارين.

فصائل سورية معارضة شككت في إمكانية صمود الهدنة واعتبرتها محاولة لكسب مزيد من الوقت والحشد لقوات النظام وروسيا في ريف حلب، في الوقت الذي لا زالت فيه المفاوضات التركية الروسية مستمرة، وقد يتوقف صمود الهدنة على ما ستقرره اجتماعات موسكو غدًا.

مفاوضات روسية تركية

كانت تركيا قد توصلت مع الجانب الروسي لاتفاق يقضي بوقف إطلاق النار بمنطقة “خفض التصعيد” في إدلب اعتبارًا من مساء السبت – الأحد، وتشمل الهدنة وقف الهجمات الجوية والبرية ومنع وقوع مزيد من الضحايا وتجنب حدوث موجة نزوح جديدة.

ويعتبر هذا ثالث اتفاق بين الطرفين فيما يخص إدلب، إذ سبقه اتفاقان لم يصمدا طويلًا، شن خلالهما النظام السوري، بدعم جوي روسي، هجمات عدة تمكن خلالها من السيطرة على مدن وقرى في ريف حماة وإدلب.

ومن المقرر أن يلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو غدًا، لبحث أخر تطورات الملف السوري وتداعيات التصعيد الأخير في إدلب بعد تعمد النظام خرق الهدنة المتفق عليها واستهدافه لمدينة معرة النعمان وقرية معرشمشة وكفرباسين ومعرشورين وتقانة وتلمنس بريف إدلب بالقذائف الصاروخية.

الجانب الروسي يسعى لعودة إعلام النظام إلى مدن وبلدات وقرى محافظة إدلب من خلال رفع علم النظام وإدخال شرطة مدنية وبعض دوائر ومؤسسات الدولة وهو ما يعارضه الجانب التركي، الذي يدرك أن اجتثاث “هيئة تحرير الشام” بالقوة له تبعات سلبية لذا يفضل التعامل الناعم في هذا الملف الشائك.

وبحسب ما اتفقت عليه كل من روسيا وإيران وتركيا في القمة الثلاثية التي عقدت بينهما في سبتمبر الماضي، فهناك اتفاق على خفض التصعيد في إدلب حيث تعتزم روسيا دعم الجيش السوري في أثناء عملياته المحدودة الهادفة إلى احتواء الخطر الإرهابي بحسب تصريحاته، وهو ما يعني استمرار التصعيد والخروقات من قبل النظام السوري والذي قد يهدد بوقوع كارثة إنسانية كبرى.

كارثة إنسانية

استمرار التصعيد في شمال غرب سوريا، دفع منظمات إغاثية وحقوقية للتحذير من تفاقم الوضع الإنساني في إدلب ومحيطها بعد نزوح أكثر من 310 ألف شخص إلى النزوح من ريف إدلب الجنوبي إلى مناطق أكثر أمنًا في شمال المحافظة بحسب تقديرات الأمم المتحدة، بعد تعرضها لقصف النظام المدعوم من روسيا منذ سيطرة الفصائل الجهادية والمقاتلة على كامل المحافظة عام 2015.

وفي ظل موجة النزوح الكبيرة وتعرض العديد من الأحياء السكنية للقصف، جاء تصويت مجلس الأمن الدولي، لصالح قرار تسليم المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود التركية لمدة ستة أشهر، ما يعني تقليص عدد معابر إدخال المساعدات من أربعة إلى معبرين فقط وهو ما حذرت منه المنظمات الإغاثية.

منظمة اليونيسيف، أقرت في بيان لها أن أكثر من 500 طفل أصيبوا أو قتلوا في الأشهر التسعة الأولى من 2019، وقتل أو جرح ما لا يقل عن 65 طفلًا في ديسمبر فقط، بالإضافة إلى نزوح أكثر من 130 ألف شخص بينهم أكثر من 60 ألف طفل من جنوب إدلب وشمال حماة وغرب حلب بسبب القتال المتصاعد منذ ديسمبر الماضي، والأعداد قابلة للزيادة في ظل تصعيد القصف واحتمالات إطالة أمد التفاهمات التركية الروسية حيال الوضع في سوريا.

ربما يعجبك أيضا