التجديد ومناوشات بين الطيب والخشت.. ماذا حدث في مؤتمر الأزهر؟

سهام عيد

كتبت – سهام عيد

على مدار سنوات يدعو الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني، وعدم ترك الساحة لأدعياء العلم ليخطفوا عقول الشباب، ويدلسوا عليهم أحكام الشريعة السمحة وينقلوا لهم التفسير الخاطئ للقرآن والسنة.

غير أن أزمة “التجديد” لا تزال محل خلاف ومناوشات بين رجال الدين والمجتمع في أكثر من مناسبة، إذ يخشى رجال الدين المساس بالعقيدة كما يتحملون مسؤولية “تصويب” الأفكار المغلوطة ومراجعة الخطاب الديني، فيما يحملهم البعض مسؤولية انتشار الأفكار المتطرفة واستخدام الجماعات الإرهابية الشعارات الدينية لتحقيق أغراضهم.

في غضون ذلك، اختتمت مساء أمس الثلاثاء، فعاليات مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر والعلوم الإسلامية، تحت رعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

وشارك في المؤتمر، الذي عُقد على مدار يومين بمركز الأزهر للمؤتمرات بمدينة نصر، علماء ووزراء ووفود من أكثر من 46 حول العالم.

أطر مفاهيم التجديد

ركز المؤتمر في محاوره الرئيسية على أطر مفاهيم التجديد، وآلياته، وتفكيك المفاهيم المغلوطة، وقضايا المرأة والأسرة، ودور المؤسسات الدولية والدينية والأكاديمية في تجديد الفكر الإسلامي.

كما ناقش شروط التجديد ودواعيه وضوابطه، والأحكام الشرعية بين الثابت والمتغير، والمؤسسات المعنية ودورها في التجديد، وعرض مظاهر التجديد التي قام بها الأزهر قديمًا وحديثا.

البيان الختامي

في غضون ذلك، دعا شيخ الأزهر أبرز علماء المسلمين للتباحث في التجديد في الفكر الإسلامي، موجها الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسي على رعايته مؤتمر تجديد الفكر الإسلامي.

وأضاف، إن الجماعات المتطرفة عملت على تشويه صورة الإسلام في الدول الغربية، ومن واجب المؤسسات دعم جهود الدول للتخلص من شرور هذه الجماعات، خاصة وأنها تعتد في فكرها على مجموعة الأفكار المغلوطة التي لا اساس لها في الإسلام.

وتابع، أن التكفير فتنه ابتليت به المجتمعات قديما وحديثا ولا يقول به سوى متجرئ على الله وعلى أحكامع، وأن ما ينادي به الجماعات الإرهابية بالهجرة من أوطانهم واللحاق بالقوات المسلحة في الجبال والصحارى.

وأوضح شيخ الأزهر الشريف أن الإلحاد هو خطر يعمل على ضرب الاستقرار في المجتمعات المحافظة على دينها، وأنه سبب مباشر من أسباب التطرف والإرهاب ويجب على العلماء التسلح بمذهب تجديدي للتعامل مع ظاهرة الإلحاد.

وتابع: أن المنوط بالجهاد هو الجهة المختصة في البلاد وليس من حق أفراد أو جماعات أي جماعة أن تعطى لنفسها هذا الحق فهي محاربة لله ورسوله، وأن الإسلام لا يعرف مصطلح “الدولة الدينية”.

x

بسبب “الأشاعرة”..  مناوشات بين شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة

شهدت إحدى جلسات المؤتمر أمس، مناوشات بين شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ورئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد الخشت، لا سيما بعد حديث الأخير عن تجديد الخطاب الديني وإشارته إلى إهمال التراث، ما دفع شيخ الأزهر، للرد بقوة.

فخلال مشاركته، بجلسة “دور المؤسسات الدولية والدينية والأكاديمية في تجديد الفكر الإسلامي”، تطرق الخشت إلى أن تجاوز التراث ليس كما فهم نفيا أو إلغاء، ولكن استيعاب التراث في مركب جديد، مؤكدا رفضه لتهوين التراث أو تهويله، وأن من التراث ما هو حي وما هو ميت، ومنه الصواب ومنه الخطأ، وأن الأزهر مثله مثل المؤسسات الأخرى قد يصيب وقد يخطئ.

ورد شيخ الأزهر على الخشت قائلا: إن “إهمال التراث بأكمله ليس تجديدا وإنما إهمالا. التراث حمله مجموعة من القبائل العربية القديمة الذين وضعوا أيديهم على مواطن القوة والتاريخ، وأن العالم الإسلامي كانت تسيره تشريعات العلوم الإسلامية قبل الحملات الفرنسية”.

وأضاف شيخ الأزهر ردًا على رئيس جامعة القاهرة، الذي هاجم فيها مذهب الأشاعرة، أن توصيف التراث بأنه يورث الضعف والتراجع فهذا مزايدة على التراث، وأن مقولة التجديد مقولة تراثية وليست حداثية.

وأوضح أن الفتنة التي نعيشها الآن هي فتنة سياسية وليست تراثية، لافتا إلى أن السياسة تخطف الدين اختطافًا حينما يريد أهلها أن يحققوا هدفا مخالفا للدين كما حصل في الحروب الصليبية وغيرها.

وتابع: “كنت أود أن كلمة ستلقى في مؤتمر عالمي دولي وفي موضوع دقيق عن التجديد، أن تكون هذه الكلمة معدة سابقًا ومدروسة، لا أن تأتي نتيجة تداعي الأفكار وتداعي الخواطر، حضرتك قلت كرئيس للجامعة إن التجديد هو مثل أن تُجدد منزل والدك تحبه دون أن تسكن فيه وتتركه لتسكن في بيت جديد”.

وأضاف: “هذا ليس تجديدًا هذا إهمال وترك وإعلان الفُرقة لبيت الوالد، التجديد في بيت الوالد يكون في بيته، ولكن أعيده مرة أخرى بما يناسب أنماط البناء المعاصرة”.

وأكمل: “رئيس الجامعة نادى بترك مذهب الأشاعرة، لأنهم بنوا وتحدث عن أحاديث الأحاد، فأقول: الأشاعرة لا يقيمون عقيدتهم على أحاديث الآحاد، وأنا درست ذلك في المرحلة الثانوية في 60 و65 من القرن الماضي، وهم لا يمكن أن يقيموا مسألة واحدة في أصول العقائد إلا على الحديث المتواتر”.

وأشار: “الكلام عن التراث كلام عجيب، خسارة ما يقال عن التراث هذا مزايدة على التراث، هذا التراث الذي نهون من شأنه اليوم ونهول في تهوينه، التراث خلق أمة كاملة وتعايش مع التاريخ، قل حضرتك قبل أن نتلقي بالحملة الفرنسية كيف كان يسير العالم الإسلامي كان يسير على قوانين التراث”.

وتابع الطيب: “الدول الإسلامية والحضارة التي تغيرت، وجاءت قوة فوق قوة كان التراث هو من يحمله، تصوير التراث بأنه يورث الضعف ويورث التراجع هذا مزايدة عليه”.

السيسي: التراخي عن تجديد الخطاب الديني يترك الساحة للأدعياء

في كلمته التي ألقاها نيابة عنه الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي: “لقد طالبتُ المؤسسات الدينية منذ عدة سنوات، وفي مقدمتها مؤسسة الأزهر الشريف، بأن تولي الأهمية القصوى لموضوع تجديد الخطاب الديني، من منطلق أن أي تقاعس أو تراخي عن الاهتمام بهذا الأمر من شأنه ترك الساحة لأدعياء العلم وأشباه العلماء من غير المتخصصين ليخطفوا عقول الشباب ويزينوا لهم استباحة القتل والنهب والاعتداء على الأموال والأعراض، ويدلسوا عليهم أحكام الشريعة السمحة، وينقلوا لهم الفهم الخاطئ المنحرف في تفسير القرآن الكريم، والتشويه المتعمد للسُنة المطهرة”.

وأوضح الرئيس السيسي، أن التجديد الذي ننتظره هو التجديد في فقه المعاملات في مجالات الحياة العملية، ونحن متفقون على أن كثيراً من أحكام هذا الفقه تغيرت من جيل إلى جيل على مدى عشرة قرون على الأقل، فلماذا يُحرم جيلنا من هذه الأحكام التي تُيسر الحياة، وجيلنا أحق الأجيال بالتجديد لما يواجه من تحديات تتغير كل يوم بل كل لحظة، وأنتم أهل هذا العلم والمتمكنون من ضوابطه وشروطه أدرى الناس بأن من رحمة الله بنا أن شرع لنا أحكاما ثابتة لا تجديد فيها وأحكامًا تتغير تبعاً للتطور، والفتوى هي الأخرى تتغيّر من بلد إلى بلد، ومن عصر إلى عصر، ومن شخص لآخر.

إنشاء مركز للتراث والتجديد

في السياق ذاته، أعلن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، إنشاء مركز الأزهر للتراث والتجديد، لمن يرغبون الإسهام في عملية التجديد من المتخصصين.

وأوضح الطيب أن المركز يضم علماء المسلمين من داخل مصر وخارجها، وأساتذة جامعات ومتخصصين في مجالات المعرفة ممن يريدون ويرغبون في الإسهام في عملية “التجديد” الذي ينتظره المسلمون وغير المسلمين.

ولفت الإمام الأكبر إلى أن التيار الإصلاحي الوسطي هو الجدير وحده بمهمة “التجديد” الذي تتطلَّع إليه الأمة، وأعني به التجديد الذي لا يشوِّه الدِّين ولا يُلغيه، وإنما يأخذ من كنوزه ويستضيء بهديه، ويترك ما لا يتناسب من أحكامه الفقهيَّة إلى الفترة التاريخيَّة التي قيلت فيها، وكانت تمثِّل تجديدًا استدعاه تغيُّر الظروف والأحوال يومذاك.. وهذا ما نأمل أن يعكسه مؤتمر الأزهر العالمي حول “تجديد الفكر والعلوم الإسلامية”.

تفنيد الأفكار الشاذة والمتطرفة

من جانبه، أكد الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، أن الأزهر الشريف حافظ على مر العصور على الثوابث، وتفنيد الأفكار الشاذة والمتطرفة، والتجديد في الفكر الإسلامي.

وقال علام: إن جماعات التطرف والإرهاب تعاملت مع نصوص التراث تعاملا لا يمت للإسلام الوسطي بشيء واستخدمتها لتحقيق أغراضها، مشيرا إلى أن المنهجية العلمية التي يقوم بها الأزهر الشريف في علومه ونصوصه تتمثل في توثيق النصوص.


الخشت يعلق: خلافي مع الطيب لا يُنقص من التقدير والاحترام لشخصيته

قال الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، إن الخلاف الذي حدث بينه وبين فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب في مؤتمر تجديد الخطاب الديني لا ينقص من التقدير والاحترام لشخصية الإمام.

وأضاف الخشت، خلال مداخلة لبرنامج رأي عام مع عمرو عبدالحميد، على قناة TeN، أن شيخ الأزهر رد على بعض الآراء التي لم ترد على لساني، وهو رحّب بعد ذلك بردي على فضيلته في تعقيبي على تعقيبه، مشيرا إلى أنه ضد تقديس التراث، وفى نفس الوقت ضد تهوينه، وإنما هو مع التعامل على أساس أنه نتاج بشري له وعليه.

ربما يعجبك أيضا