مناورات روسية وتهديدات تركية لتغيير قواعد اللعبة في إدلب

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

تطورات متصاعدة بعد الهجوم الذي شنته قوات النظام السوري مدعومة بغطاء روسي على إدلب، أظهرت سعي نظام الأسد لتغيير قواعد اللعبة وتجاهل اتفاقيات أستانة وسوتشي، في ظل صمت روسي يشير إلى احتمالية تعقد العلاقات بين أنقرة وموسكو على خلفية الصراع في سوريا.

تصاعد الأوضاع في الشمال السوري قوض أي اتفاقيات مبرمة بين الجانبين الروسي والتركي برعاية إيرانية، وقوضت محاولات التوصل لاتفاق تهدئة في الوضع الراهن بعد قتل النظام السوري لجنود أتراك ردًا على التهديدات التركية الأخيرة بشن عملية عسكرية في إدلب بنهاية الشهر الحالي.

اتفاقيات في مهب الريح

منذ سنوات والاجتماعات الروسية التركية كانت أساس التهدئة في الحرب السورية المستمرة منذ تسع سنوات، ما بين اتفاقات لوقف إطلاق النار والتهدئة وإخراج المسلحين من مناطق النزاع  وما يترتب عليها من نزوح الآلاف.

اتفاقيات طالتها خروقات من النظام السوري والمسلحين على حد سواء، وانتهت بسيطرة النظام السوري على أكثر من 600 كيلومتر مربع في إدلب وحلب الخاضعة للمعارضة، التي باتت تسيطر على 25% فقط من محافظة إدلب وأجزاء من المحافظات المحاذية لها وهي حلب وحماة واللاذقية.

وفي عام 2018، توصلت روسيا وتركيا لاتفاق خفض التوتر في إدلب، يشمل أجزاء أخرى محاذية لها، نص على إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مواقع سيطرة قوات الأسد والفصائل المعارضة، وعلى فتح طريقيين دوليين بينهما طريق حلب-دمشق، لكن الاتفاق لم يُنفذ لأن مسلحي هيئة تحرير الشام لم ينسحبوا من أي منطقة، بينما استأنفت قوات النظام هجماتها على مراحل.

وبحسب الاتفاق، تمكنت تركيا من نشر 12 نقطة مراقبة في المنطقة باتت ثلاثة منها على الأقل محاصرة من قبل القوات النظامية السورية.

لكن التطورات الميدانية، دفعت القوات السورية الموعومة من روسيا بتكثيف غاراتها على المناطق المتنازع عليها شمالي غرب سوريا، والتي كان آخرها السيطرة على مدينة سراقب وحصار مدينة العيس الاستراتيجية، لتصبح معركة إدلب هي المعركة الحاسمة التي قد تتغير معها موازين القوى الإقليمية وتحديدًا بين تركيا وروسيا.

خروقات متتالية وتهديدات تركية

النظام السوري وحلفاؤه يسعون لإخراج جميع المسلحين من سوريا واستعادة ما تبقى منها؛ فرغم الاتقاقيات ومحادثات التهدئة يكثف النظام غاراته مدعومًا بسلاح الجو الروسي لفرض سيطرته وحصار المدن الخاضعة للمعارضة والموالين لتركيا.

أما روسيا، فهي ترى أن تركيا لم تلتزم بما تعهدت به في تفاهمات سوتشي، ومنها نزع الأسلحة الثقيلة للمجموعات المسلحة في المنطقة العازلة، وتحاول تكريس الأمر الواقع بمنع قوات الأسد من استعادة أراضيه بذريعة خشيتها من نزوح الآلاف إلى حدودها.

ومع توغل النظام السوري، تصاعدت التهديدات التركية بشن عملية عسكرية إذا لم يتراجع النظام عن مراكز المراقبة التركية الموجودة في أقصى شمال غرب سوريا، وعلى إثرها قامت تركيا بإرسال قواتها ومدرعاتها استعدادًا للعملية العسكرية وأمهلت النظام حتى نهاية الشهر الحالي للتراجع.

ويشير مراقبون إلى أن النظام السوري، يبدو غير قادر على اتخاذ أي قرار بشأن شن عمليات عسكرية، وأن كل القرارات تقع في أيدي الروس، المتواجدين بقوة في سوريا، وهو ما يؤدي بدوره إلى استنتاج مفاده أن المواجهة هي بين روسيا وتركيا، وليست بين تركيا والنظام السوري.

توقعات كثيرة تشير إلى أن معركة إدلب هى معركة الحسم وتغيير موازين القوى، فخسارة معركة إدلب بالنسبة لتركيا تعني تقويض أي دور قادم لنظام أردوغان في سوريا، وقد تهز صورته أمام حلفائه وتؤثر على وزنه في أي تسوية محتلمة بالجولة الأخيرة.

ومن هذا المنطلق، بدات تتصاعد النبرات التركية مهددة بشن عملية عسكرية واسعة النطاق في إدلب وحشدت لها القوات والمدرعات، لكن الرد كان قاسيًا باستهداف النظام السوري لجنود أتراك بأحد المواقع العسكرية بشمال سوريا، ليتوالى بعدها القصف التركي على المواقع التابعة للنظام، فأصبحت المواجهة مباشرة بين دمشق وأنقرة، وليست حربًا بالوكالة كما ظلت لسنوات بين قوات الأسد والمسلحين المدعومين من تركيا.

وبات السبيل الوحيد للخروج من المأزق، بالتنسيق مع روسيا التي ساهت بشكل كبير في استعادة النظام السوري لأراضيه، ومن هنا بدأت جولات التفاوض في أنقرة بين الجانبين الروسي والتركي، والتي لم تحقق أي نتائج حتى الآن، فما بين الإصرار التركي على عدم الانسحاب من إدلب وبين سعي النظام لاستعادتها تظل المعركة المرتقبة بانتظار التدخل الروسي إما بدعم الأسد والسيطرة على إدلب، أو بالتوصل لاتفاق يقضي بوقف اطلاق النار وتجنب حرب إقليمية قادمة لا محالة.

مناورات روسية

وبعد صمت دعا المسؤولون الروس تركيا لوقف هجماتها على النظام السوري والجيش الروسي، فيما دعت أنقرة موسكو لتحمل مسؤولياتها لضمان تنفيذ الاتفاقيات ووقف خروقات النظام، وهو ما يطرح التساؤل حول الدور الروسي في منع الصدام بين سوريا وتركيا.

باعتبارها الداعم للنظام السوري، فإن موسكو لا تستطيع أن تكون الطرف المحايد في الصراع السوري التركي، ومن ثم فأي تحرك للقوات السورية وبالأخص في مسألة ضرب أهداف تركية لا يمكن أن يتم دون غطاء روسي، لتشير إلى أسوأ أزمة تواجه العلاقات التركية الروسية منذ حادث إسقاط الأتراك لمقاتلة روسية على الحدود السورية التركية عام 2015.

وكانت تقارير تركية قد اشارت، إلى أن موسكو سعت -عبر تصعيدها الأخير، في ريف إدلب شمال سوريا- إلى التعبير عن رفضها لاتفاق الحدود البحرية، والتعاون الأمني والعسكري بين أنقرة وحكومة فايز السراج المعترف بها في ليبيا، وترى تلك التقارير أن موسكو غير راضية عن تزايد نفوذ تركيا في ليبيا، ليتفوق على نفوذها هناك، ومن ثم فهي تشعل جبهة ضد أنقرة في سوريا.

وبحسب المحللين، فمن غير المتوقع حدوث مواجهة بين روسيا وتركيا، لكنها قد تكون مناورة روسية للضغط على تركيا وتضييق نفوذها، وقد يستمر التصعيد لتحقيق أهداف معينة قد تنتهي في نهاية المطاف بعقد اتفاقية جديدة لتسوية الأزمة.

وبين هذا وذاك يدفع المدنيون الأبرياء الثمن جراء القصف السوري المتواصل، فالأمم المتحدة قدرت عدد النازحين بـ700 ألف منذ أوائل ديسمبر الماضي، من بينهم 100 ألف نزحوا خلال الأسبوع الأخير فقط، وسط تحذيرات من منظمات إنسانية دولية من كوادرث إنسانية بسبب موجة النزوح الضخمة التي قد تكون الأسوأ في سوريا منذ بدأ النزاع في 2011.

ربما يعجبك أيضا