تحذيرات مؤتمر ميونيخ 2020.. فوضى في ليبيا وغياب الدور الأوروبي

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

تحذيرات مؤتمر ميونيخ للأمن بنسخته 2020، تركزت على الفوضى في ليبيا ومخاطرها على الأمن الدولي، وكذلك نبهت على أهمية وجود دورًا أوروبيًّا فاعلًا إقليميًّا ودوليًّا، التحديات كبيرة، أمام أوروبا والمجتمع الدولي، و”عجز دائم” للأمم المتحدة، بسبب التحولات الجيوسياسية والتغيير في موازين القوى الدولية والإقليمية، التي تستدعي اتخاذ سياسات جديدة.

قال فولفجانج إيشينجر -الدبلوماسي البارز، الذي يتولى رئاسة المؤتمر منذ عام 2009- “إن القوة العسكرية الألمانية ضعيفة جدا مقارنة بثقلها السياسي”، مؤكدًا ضرورة توفير الوسائل العسكرية في ألمانيا بالقدر الكافي، وقال: “الدبلوماسية القوية تقتضي للأسف -عندما يدور الأمر حول أزمات- إلى التهديد في حالة الضرورة بالوسائل العسكرية، الوسائل العسكرية يجب أن تكون أداة ضمن غيرها في صندوق الأدوات… إذا كنا لا نمتلك هذه الوسائل، تتحول الدبلوماسية في أغلب الأحيان إلى كلام فارغ”.

الملف الليبي، كشف نقاط ضعف في الدور الألماني والأوروبي، رغم أنه ملف شائك وصعب، وتكمن صعوبته في فوضى الجماعات المسلحة التي تمسك بالسلطة، وتدخل أطراف خارجية أبرزها تركيا، لدعم التنظيمات الإرهابية وتصدير المرتزقة إلى هناك. ويبدو أن ألمانيا ودول أوروبا تشعر بالإحباط أمام اللف الليبي، وأن الدبلوماسية الألمانية كانت تحاول أن تستثمر مؤتمر ميونيخ للأمن لعقد اجتماعات جانبية لأطراف النزاع في ليبيا من جانب ولإيجاد دور أوروبي أكثر فاعلية في ليبيا.

وهذا ما أكدته، ستيفاني ويليامز -نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا والتي حضرت اجتماعا يوم 16 فبراير 2020 على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن- قائلة: إن الوضع على الأرض في ليبيا “لا يزال مضطربا بشكل عميق”، كما أن الهدنة “معلقة فقط بخيط رفيع”. وأضافت: هناك “المئات من الانتهاكات التي يتم تسجيلها”، و”الحظر على الأسلحة قد أصبح مزحة”.

المساعي الأوروبية الألمانية، ما زالت في باب الطموحات، كون ما يجري في ليبيا من فوضى، هي خارج قدرة ألمانيا وقدرة الاتحاد الأوروبي، غياب الدور الأمريكي والروسي أو عدم وجود دور فاعل لهما، من شأنه أن يطيل في عمر الفوضى الليبية، ولذلك فإن ما تسعى له ألمانيا من عقد اجتماعات على مستوى الاتحاد الأوروبي حول ليبيا، هو ما زال بعيدًا جدًّا عن الوصول إلى حلول.

ألمانيا محاولة تعزيز مخرجات مؤتمر برلين

عقد وزراء الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي اجتماعا على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ بهدف إلزام الدول المعنية بالنزاع في ليبيا مجددا بقرارات مؤتمر برلين لوقف إطلاق النار ووقف صادرات الأسلحة لأطراف النزاع الليبي، وأعلنت الأمم المتحدة الأحد أن الوضع في ليبيا يبقى مقلقًا، مع حصول انتهاكات كثيرة لوقف إطلاق النار وحظر الأسلحة، وذلك بعد شهر من مؤتمر برلين الدولي الذي كان الهدف منه وضع آلية السلام على السكة في هذا البلد.

مؤتمر ميونيخ للأمن حذر من أنه لا يمكن أن تكون هناك خطة سلام، في ليبيا دون وجود اتفاق سياسي بين الأطراف ووقف إطلاق النار، وهذا ما يعتبر تحديًا كبيرا إلى ألمانيا وربما حتى إلى القوات الأممية.

الملف الليبي، ربما كشف حالة الضعف للدور الدبلوماسي والعسكري تحديدا لألمانيا، ومن بعدها الاتحاد الأوروبي، وهذا يعيد إلى الأذهان دور الاتحاد الأوروبي في ملفات أخرى؛ أبرزها: الملف النووي الإيراني، قوة أوروبية في مياه الخليج، شمال سوريا، أفغانستان، أوكرانيا وغيرها من الملفات التي كشفت فعلا عن “العجز الأوروبي”.

الاتحاد الأوروبي وتعزيز سياسة الدفاع المشتركة

أعلن وزير الخارجية الألماني هيكو ماس في ختام مؤتمر ميونيخ للأمن يوم 16 فبراير 2020 أنه سيبحث مع المسؤولين الفرنسيين حول قضايا الأمن المشترك في أوروبا، دون الابتعاد عن الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، يذكر أن الرئيس الفرنسي ماكرون جدد دعوته في المؤتمر لأوروبا بتعزيز سياسة الدفاع المشتركة، وعرضت اطلاعًا أكبر على ردعها النووي، وطالب ماكرون منذ فترة طويلة بأن تصبح أوروبا مستقلة بصورة أكبر عن الولايات المتحدة. كما رفض الرئيس الفرنسي مقترحًا بوضع الأسلحة النووية الفرنسية تحت قيادة مشتركة للاتحاد الأوروبي أو الناتو.

هل ستلجأ الولايات المتحدة في حالة الضرورة للدفاع بقوة السلاح عن بلد حليف في حلف (الناتو) شمال الأطلسي؟

وهل وجب على بلدان الاتحاد الأوروبي التعاون بشكل أوثق في قضايا الدفاع؟ وهل يقف العالم أمام “العاصفة الكاملة” عبر تغير المناخ مصحوبًا بالمخاطر الأمنية؟ هذا ما يثير قلق دول أوروبا وشكوكها، حول الدور الأمريكي بتأمين حماية أوروبا.

نقاشات مؤتمر ميونيخ للأمن دارت أيضًا حول كيفية إقدام الاتحاد الأوروبي على توسيع رقعة تأثيره، لاسيما من خلال تعاون أكبر في الدفاع، وموضوع الهجرة من الجنوب بات أكثر إلحاحا على أوروبا بسبب الصراعات في سوريا وليبيا، في الوقت الذي تمارس فيه روسيا انطلاقا من الشرق تأثيرا يبث حالة عدم الاستقرار.

وفي حال ظلت الولايات المتحدة الأمريكية في الشرقين الأدنى والأوسط سلبية أو تتخلى عن التزامها هناك، في وقت تحاول فيه روسيا وتركيا توسيع تأثيرهما في بلدان مثل سوريا أو ليبيا، فإن ذلك قد يكون الدافع لممارسة سياسة جديدة من طرف أوروبا في المنطقة تراعي فيها مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية.

تحولات جيوسياسية

سجلت روسيا عدة نجاحات دبلوماسية، بينها نداء الرئيس ماكرون للتفكير مجددًا في العلاقة القائمة مع روسيا؛ فأوروبا منقسمة بين الحوار والعلاقات التجارية مع الجارة الكبيرة في الشرق وقلق الأهداف الاستراتيجية لموسكو، وهو مؤشر غير جيد لأعضاء الناتو، وللولايات المتحدة، الحليف الأوروبي.

يبقى، المحور الألماني الفرنسي، ربما هو المحرك الرئيسي الآن للاتحاد الأوروبي الذي يوصف كثيرًا بأنه متهالك وفقد الكثير من قدراته على التماسك والبقاء. الجهود الفرنسية الألمانية، يمكن أن تظهر هيكلية وقواعد وقوانين جديدة للاتحاد الأوروبي بعد إلغاء اتفاقات ومعاهدات أوروبية كانت دون علم هذا الاتحاد.

ربما يعجبك أيضا