غني وعبدالله.. صراع يكرس معضلة المصالحة الأفغانية

كتب – حسام عيد

خمسة أشهر مضت على الاقتراع برابع انتخابات رئاسية في أفغانستان منذ طرد حركة طالبان من السلطة عام 2001، والنتيجة اليوم مؤتمرين صحفيين أعلن خلالهما المنافسين، أشرف غني الرئيس الحالي، وعبدالله عبدالله رئيس السلطة التنفيذية، فوزهما، ليصبح كل منهما الرئيس الجديد للبلاد.

مشهد غير مألوف في أوساط السياسة بالعالم، ولم يكن متوقعًا في بلد يعاني أزمة سياسية داخلية ويسعى لاتمام محادثات سلام مع حركة طالبان، بعد الترقب الذي طال لخمسة أشهر من الانتخابات التي جرت في 28 سبتمبر 2019، وسط مشاركة ضعيفة للناخبين وتهديدات أمنية كبيرة، والتي تأجلت نتائجها بعدما تحدّث رئيس السلطة التنفيذية عبدالله عبدالله -خصم غني الأبرز- عن تزوير، مما استدعى إعادة فرز الأصوات.

خصمان لدودان

السياسيان خصمان لدودان سبق وأن تنافسا في اقتراع العام 2014 في انتخابات شهدت مخالفات خطيرة إلى حدّ أنّ الولايات المتحدة فرضت على كابول استحداث منصب رئيس السلطة التنفيذية لعبدالله.

ونظم الاقتراع من دون وقوع أحداث كبرى، سوى هجمات صغيرة قامت بها حركة طالبان، وسط تأكيدات من قبل مستقلين أن الانتخابات استجابت بقدر أكبر إلى شروط الشفافية والفعالية مقارنة بسابقاتها.

وأحد رهانات الاقتراع انتخاب رئيس يتمتع بشرعية كافية ليصبح المحاور الأساسي في مفاوضات سلام محتملة مع طالبان. غير أن المخاوف الأمنية والخشية من التزوير أثرت على نسبة المشاركة التي تراجعت بشكل قياسي وفق مراقبين مستقلين.

وكانت لجنة الانتخابات قد أعلنت، في 22 ديسمبر الماضي، النتيجة الأولية للانتخابات الرئاسية؛ إذ فاز غني بنسبة 50.64% من الأصوات، بينما حصل منافسه عبد الله على 39.52% من الأصوات.

وبعد إعلان النتيجة الأولية، نظرت لجنة الشكاوى، خلال الشهرين الماضيين، في آلاف الطعون التي قدمت إليها من قبل المرشحين، بمن فيهم الرئيس الأفغاني أشرف غني، والرئيس التنفيذي عبدالله، وطلبت قبل أسبوع من لجنة الانتخابات إعادة فرز 300 ألف صوت، قبل إعلان النتيجة النهائية اليوم.

أشرف غني رئيس لولاية ثانية

وفي يوم الثلاثاء الموافق 18 فبراير 2020، أُعيد انتخاب الرئيس الحالي أشرف غني، لولاية رئاسية ثانية، مع إعلان رئيسة لجنة الانتخابات حواء علم نورستاني أن غني حصل على 50.64% من إجمالي الأصوات، فيما حصل عبدالله على 39.5%.

ويعد أشرف غني رجل اقتصاد، عمل سابقًا مع البنك الدولي، وشغل منصب وزير المالية في حكومة حامد كرازاي، لكنه فشل خلال 5 سنوات في تحقيق السلام في أفغانستان.

وفي أول خطاب له بعد إعلان فوزه بالرئاسة لولاية ثانية مدتها خمس سنوات، أكد غني أمام أنصاره، أنه يعمل للمصالحة، وأن حكومته المقبلة “ستأتي بالأمن للبلاد من خلال إنجاح جهود المصالحة مع طالبان”، مطالبًا السياسيين، وتحديدًا المرشحين للرئاسة، بـ”العمل معًا من أجل مواجهة ما تمر به البلاد من تحديات، وتحديدًا المصالحة”.

كما دعا حركة “طالبان” إلى “خوض العمل السياسي مثلما فعل قلب الدين حكمتيار”، الذي عقد مصالحة مع الحكومة وشارك في الانتخابات الرئاسية، قائلًا: “إننا نجري الحوار مع طالبان، ولكن القرار الأخير بيد الشعب، ولا مساومة على إنجازات العقدين الماضيين”.

عبدالله عبدالله والحكومة الموازية

وبعد ساعات قليلة من خطاب أشرف غني الأول كرئيس رسمي لأفغانستان، أعلن عبدالله عبدالله رئيس السلطة التنفيذية، فوزه في الانتخابات الرئاسية التي جرت السنة الماضية رافضًا النتائج التي أعلنت فوز غني ووعد بأنه سيشكل حكومة موازية.

كما ذكر عبدالله عبدالله -في مؤتمر صحفي مع جمع كبير من أنصاره- أن “لجنة شكاوى الانتخابات قررت إبطال 300 ألف صوت، وبالتالي أعلن فوزي بالانتخابات الرئاسية، وسأقوم بتشكيل حكومة شعبية شاملة”.

كما اتهم عبدالله أعضاء لجنة الانتخابات بـ”أخذ رشاوى”، أو أن “الحكومة وعدتهم في المستقبل”، دون أن يوضح المقصود بكلامه.

فيما قال المتحدّث باسم فريق حملة عبدالله الانتخابية فريدون خوازون: إن “النتائج التي أعلنتها لجنة الانتخابات غير شرعية”. وكان عبدالله قد خسر أمام غني في العام 2014 في انتخابات أثارت انقسامًا وشهدت تدخّل الولايات المتحدة لرعاية اتفاق غير مسبوق لتشارك السلطة بين الخصمين.

وخلال هذا الأسبوع، سبق أن أعلنت الجمعية الإسلامية التي يترأسها وزير الخارجية السابق صلاح الدين رباني، وحزب الوحدة الذي يتزعمه حاجي محمد محقق، النائب الأول للرئيس التنفيذي عبدالله عبدالله، عدم قبولهما بنتيجة الانتخابات، وهددا بـ”تشكيل حكومة موازية” إذا ما تم إعلان النتيجة بالصورة التي تعتزمها اللجنة.

أيضا، هدد نائب الرئيس الأفغاني الجنرال عبد الرشيد دوستم في الـ14 من الشهر الجاري بـ”تشكيل حكومة موازية” إذا ما أعلنت النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية، والتي وصفها بـ”الانقلاب”، مؤكداً أن عبدالله عبدالله سيكون رئيساً لتلك الحكومة.

مفاوضات طالبان مهددة

وفي انتخابات العام الماضي أُلغي مليون من 2.7 مليون صوت جرّاء مخالفات، مما يعني أن الانتخابات شهدت حتى الآن أقل نسبة مشاركة في أي اقتراع جرى في أفغانستان، حيث قاطع كثيرون الانتخابات جراء تهديدات حركة طالبان بشن هجمات تستهدف الاقتراع والتشكيك في قدرة أي سياسي في البلد الذي تتفشى فيه المحسوبية والفساد على رسم مسار جديد للمواطنين الأفغان. ويبلغ عدد سكان أفغانستان 35 مليونا، ومجموع الناخبين المسجلين 9.6 ملايين.

وأدخل التأجيل أفغانستان في أزمة سياسية في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة لإبرام اتفاق مع حركة طالبان يفضي إلى سحب القوات الأميركية مقابل عدة ضمانات أمنية وتعهّد بأن تجري الحركة محادثات سلام مع الحكومة الأفغانية.

وإذا سارت الأمور على ما يرام، فيرجّح أن يكون أشرف غني الشخصية التي ستتفاوض مع طالبان في مسعى لرسم مستقبل أفغانستان.

لكن يبدو أن هذا المسار مرفوض أيضًا من قبل طالبان؛ فالحركة تفاعلت بدورها مع النتائج النهائية التي أعلنتها لجنة الانتخابات، لتؤكد مجددًا أنها كما رفضت عملية الانتخابات التي جرت تحت ما وصفته بـ”الاحتلال”، ترفض أيضًا إعلان فوز أشرف غني.

وأكد الناطق باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، في بيان، أن “الشعب الأفغاني سيقرر بشأن مصيره بعد إنهاء الاحتلال، وسيعمل من أجل تشكيل حكومة إسلامية”، مشيرًا إلى أن “إعلان فوز غني لا جدوى منه، ولن يحل معضلة أفغانستان”.

كما شدد مجاهد على أنه “بالنظر للفترة الحساسة التي تمر بها البلاد، إعلان فوز غني يعارض عملية المصالحة الحالية”، مبرزًا أن “مقاومة طالبان ستستمر حتى إنهاء الاحتلال وتشكيل نظام حر وإسلامي”.

ربما يعجبك أيضا