دراما متوقعة .. الـ”كورونا” تحكم لنتنياهو وجانتس إلى المربع صفر

محمد عبد الدايم
كتب – د محمد عبدالدايم
في يومين تغير كل شيء، بعد الثورة الإلكترونية برفع “الشعارات السوداء” ضد يولي إدلشطاين رئيس الكنيست عن حزب هاليكود، الذي رفض قرار المحكمة العليا بعقد جلسة افتتاحية لانتخاب رئيس جديد؛ فجأة حدث تغير دراماتيكي كبير.

أعلن إدلشطاين استقالته من رئاسة الكنيست، وتولى عمير بيرتس رئاسة الجلسة الافتتاحية لانتخاب رئيس جديد، وفجأة أصبح بيني جانتس رئيسًا جديدًا للكنيست الـ 23 بأغلبية 74 صوتًا في مقابل معارضة 18 صوتًا، وانسحاب كتلة كاحول لافان من التصويت اعتراضًا على ما حدث.
جانتس المُكلف برئاسة الحكومة يجلس للمرة الأولى على منصة رئاسة الكنيست، بعد أن أنهى عمير بيرتس دوره، يلقي رئيس هيئة الأركان الأسبق خطابًا افتتاحيًا يبرر فيه ما فعله، باعتبار أن إسرائيل في ظروف استثنائية بسبب وباء الكورونا الذي يحصد الأرواح ودمر الاقتصاد.
كان هاليكود برئاسة نتنياهو وحلفائه من أحزاب اليمين والحريديم يستحوذون على 58 مقعدًا بالكنيست، أي لا يملكون أغلبية تؤهلهم لتشكيل حكومة، فيما حصل جانتس على تزكية 62 عضو كنيست، مما أجبر رؤوفين ريفلين رئيس إسرائيل على منحه التكليف بتشكيل الحكومة.

لكن في اللحظات الأخيرة؛ انسل جانتس من صفوف تكتل كاحول لافان، وتملص بحزبه “حوسن ليسرائيل” (مناعة لإسرائيل)، ليضع يده في يد نتنياهو وحلفائه، في الوقت الذي لم تبرد فيه حرارة تصريحاته التي تهاجم بيبي، ولم ينس أحد أيضًا تصريحات بيبي ضد جانتس.

حتى يوم الإثنين الماضي كان جانتس يتحدث باعتباره زعيم حزب تكتل كاحول لافان، الذي عليه أن يشكل حكومة جديدة، ويصرح بأنهم في كاحول لافان لن ينصاعوا لنتنياهو وحلفائه، في الوقت الذي داس إدلشطاين بقدمه فوق قرار المحكمة العليا الإسرائيلية ورئيستها إستير حيوت.
مما لا شك فيه أن استقالة إدلشطاين وتنصيب جانتس رئيسًا للكنيست بمباركة هاليكود وأحزاب الحريديم لم يحدث فجأة لحظة التصويت، وإنما تم الاتفاق عليه سابقًا، وبالعودة للأيام التي سبقت هذا التحول؛ يمكن القول بأن الاتحاد بين جانتس ونتنياهو لم يكن مفاجئًا بشكل كبير.
الكورونا تحكم لنتنياهو

ما يقرب من 40 يومًا هو عمر وباء الكورونا في إسرائيل، حتى كتابة هذه السطور لقي 12 إسرائيليًا حتفهم جراء الوباء، فيما وصل عدد المصابين إلى نحو 3000، في الوقت الذي اضطرت الحكومة لإعلان حالة الغلق الكلي في البلاد، مع نشر قوات الشرطة في الشوارع للتأكيد على غلق المؤسسات والمحال والمتنزهات.

انتشار الكورونا بإسرائيل عجّل بهذا التحول السياسي، فالدولة تعاني أزمة اقتصادية كبيرة بسبب الوباء المتفشي، وارتفعت نبرة التهويل من نتنياهو تحديدًا، وحذر من انهيار صحي واقتصادي كبير، وتبعه رئيس الدولة رؤوفين ريفلين، وانبرى الثنائي بإلقاء خطابين متتاليين منتصف الأسبوع الماضي، للتحذير من مغبة التأخير في تشكيل حكومة، خصوصًا مع ضرورة وجود وزارة مالية منتخبة تخصص ميزانية لمواجهة الوباء، وهذا الأمر لا يمكن قانونًا أن تقوم به حكومة تسيير أعمال.
مما يؤكد على خطورة الوضع في إسرائيل؛ تحرك الحكومة لشراء كميات كبيرة من أجهزة التنفس الصناعي ومعدات مكافحة الوباء، ويقود التحرك جهاز الموساد نفسه، لأن إسرائيل تسعى لشراء هذه المعدات من دول لا تقيم علاقات دبلوماسية صريحة معها، في ظل ارتفاع عدد المصابين في العالم كله، في مقابل نقص كبير في أجهزة التنفس الصناعي والمعدات الطبية، مما سبب حالة من الهرولة لشراء مزيد من المعدات، وتنافس شديد بين دول عدة، تجنبًا للوصول إلى مصير مشابه لإيطاليا، بل وحتى الولايات المتحدة، ومع الإعلان عن إصابة الأمير تشارلز ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بفيروس كورونا المستجد.
الصورة العامة لكثير من دول العالم توضح أن بعضًا منها مقبل على حافة الانهيار الصحي والاقتصادي، وفي إسرائيل التي يبلغ تعدادها أقل من 10 مليون نسمة يبدو هذا سيناريو مخيفا، خصوصًا مع ترسيخ النظام الرأسمالي، وترزح كثير من المؤسسات تحت ضغوط الإفلاس، فيما ارتفعت مؤخرًا نسبة البطالة، وتعالت صرخات أصحاب المحال والأسواق.
جانتس في المربع صفر

جانتس؛ في المقابل؛ لم يكن يملك رفاهية الاختيار، فمن المستحيل أن يستعين بأعضاء القائمة العربية المشتركة في تشكيل حكومته، وفي الوقت نفسه لا يملك أغلبية من دونهم، لذا فالاتحاد مع هاليكود كان لا مفر منه، وإلا سيفشل كما فشل في انتخايات سبتمبر 2019.

لكن الشكل الذي ظهر عليه جانتس الجديد، رئيس الكنيست المُفاجِئ، كان له وقع كبير في أرجاء إسرائيل، سياسيًا وإعلاميًا وجماهيريًا، والبداية من حليفيه يائير لابيد وموشيه يعلون اللذين أعلنا أن جانتس خان تكتل كاحول لافان، واختار طريق العار من أجل أن يكون رئيس حكومة، بأن يضع يده في يد نتنياهو، وقال لابيد نصًا في مؤتمره الصحفي: “قرر جانتس حل كاحول لافان كي يتملق نتنياهو”، وأنه “خضع لبيبي دون معركة”.
خرج جانتس من التكتل، وهذا الأمر لم يكن مفاجئًا، فالتكتلات القائمة على مصلحة انتخابية عادة ما لا يطول عمرها، ناهيك عن أن كاحول لافان يقف في مقدمته أربعة شخصيات تسعى كلها للزعامة، بيني جانتس، يائير لابيد، موشيه يعلون، وجابي أشكنازي، والأخير تحديدًا كان من الواضح أنه يهدف من دخوله للتكتل أن ينال حقيبة وزارية، لذا تملص مع جانتس، وأصبح الآن المرشح الأكبر لتولي حقيبة الدفاع في الحكومة الجديدة التي سيكون نتنياهو رئيسها لمدة عام ونصف على الأقل.
دراما متوقعة
الأمر إذًا ليس تحولًا دراماتيكيًا، وإنما كان متوقعًا، لكن المفاجئ هو سيرورة الأحداث، فالكثيرون كانوا يتوقعون انضمام جانتس إلى نتنياهو في حكومة “وحدة”، لكن على الأقل ينضم إليها رئيس الأركان الأسبق وهو في مركز قوة، بأن يكون مدعومًا من تكتل كاحول لافان، ليستطيع مواجهة نتنياهو والحريديم، لكنه اختار التملص من رفاقه الذي نصّبوه زعيمًا لهم، فأدار لهم ظهره، وهرب مع جابي إشكنازي ليرتميا في حضن نتنياهو الذي كانت أكثر تصريحاته شهرة ضد جانتس أنه “رجل ضعيف لا يصلح لأن يكون زعيمًا”.
تلقى نتنياهو اتصال مباركة من دونالد ترامب، بعد تمكنه من أخذ جانتس تحت إبطه، وبدء التفاوض على حكومة “وحدة” سيتم الإعلان عنها في خلال أيام قليلة، فيما تلقى جانتس لعنات رفاقه الذين انسحبوا أولا من مجموعة الواتساب الخاصة بتكتل كاحول لافان، وأعلنوا حل التكتل، واتهموا زعيمهم بالخضوع دون مقاومة لنتنياهو المتهم بالفساد والاحتيال والرشوة، لكنه ما يزال يقبض على مقدرات السياسة الإسرائيلية.
السجن للمهزوم فقط

في هذا السياق، يشير أ. د. أشرف عبدالعليم الشرقاوي، أستاذ اللغة العبرية والخبير في الدراسات الإسرائيلية أن السياسة الإسرائيلية لم تدفع يومًا بمنتصر إلى السجن، فمن يدخل السجن من الساسة هو المهزوم عسكريًا فقط، ونتنياهو لم ينهزم عسكريًا حتى الآن.

عهد نتنياهو لم ينته

بيبي سيكون رئيسًا للحكومة لمدة سنة ونصف على الأقل، برعاية كورونا، ثم من المفترض أن يترك منصبه لبيني جانتس، الذي سيتسلم حقيبة وزارية ويكون قائمًا بأعمال رئيس الحكومة، ويترك رئاسة الكنيست لإدلشطاين مجددًا، لتتأكد مقولة “عهد نتنياهو لم ينته بعد”، أما جانتس فقد بدأ حياته السياسية بمغامرة الانبطاح، وهي سلاح ذو حدين، إما أن يُسمى جزء من التاريخ القريب بـ”عهد جانتس”، أو أن يدفع “الجلد والسقط”، بأن يخسر تأييد قطاع كبير من مؤيديه، واكتساب خصومة رفاقه في تكتل كاحول لافان.

ربما يعجبك أيضا